تطورات العالم العربي ومستقبل لبنان

تاريخ الإضافة الجمعة 15 نيسان 2011 - 9:13 ص    عدد الزيارات 1300    التعليقات 0

        

تطورات العالم العربي ومستقبل لبنان

ما يحدث في العالم العربي أخذ يتجه نحو الجموح، أي تجاوز حدود المعقول ومقاربة فوضوية حتى في ما يخص الخطوات الاصلاحية.
الثورات تنطلق من المطالب المحقة، لكن التحكم بمسيرة الثورات غالباً ما يؤدي الى تكريس حكام اوحدين يمسكون بزمام السلطة مع زمرة من المنتفعين وفي حماية الجيش الذي يكون في الاساس المبادر الى الثورة.
جماهير الثورات العربية الشارعية اخيراً لا تتحرّك استجابة لحزب من شعاراته الاساسية تكريس الديموقراطية. والحقيقة ان الديموقراطية لا تتجلى في تعاليم غالبية الاحزاب في العالم العربي، الا اذا اعتبرنا ان كلمة الحرية تعني بحد ذاتها في الشعارات، الديموقراطية على صعيد ممارسة الحكم.
 

☐ ☐ ☐
 

الثورة في تونس اطلقتها حادثة حرق شاب نفسه بسبب مرارة البطالة وقسوة الحياة. وكانت تونس تسعى الى اكتساب وجه اوروبي. فعلى سبيل المثال لو احصينا عدد رحلات شركة تونس الوطنية الجوية لوجدنا ان 80 في المئة منها تتوجه الى اوروبا، و10 في المئة الى بلدان في افريقيا و10 في المئة فقط الى بلدان عربية اخرى.
النشاط الاقتصادي ايضاً كان يعتمد على التفاعل مع اوروبا في المقام الاول، سواء عبر تصدير منتجات الغزل والنسيج، ام استقطاب الاستثمارات، او السياحة. واوائل التسعينات كان في امكان الأوروبيين المقيمين على بعد ساعة من تونس، تملّك شقق سياحية بأثمان زهيدة لا تتجاوز الـ50 - 100 الف دولار.
على رغم الانفتاح السياحي والاستثماري والتصديري على اوروبا وتوجه عدد من السياسيين الاوروبيين اليها لتمضية عطلتهم السنوية فيها، ظلّت تونس دولة بوليسية استخبارية في المقام الاول. والاحساس بوطأة الرقابة كان يزعج الى حد بعيد الصحافيين العاملين في مؤسسات اعلامية محترمة ولا سيما منها المؤسسات البعيدة من اللغة الفرنسية، ذلك ان الفرنسيين، وان شكوا من مناخ السيطرة الاستخبارية، كانوا يوفرون لتونس فسحة من التلاقي لان قيادة تونس كانت تسعى دائماً الى إرضاء الزعماء السياسيين في فرنسا وايطاليا.
الثورة في تونس تفجرت لان الشعب لم يعد يقبل باستمرار استئثار رجل استخباري بالحكم وتوسع نطاق استغلال زوجته فرص اقتناص الاموال، وتمثيل الشركات، والتحكم بالتراخيص، وبيع الذمم وشرائها. ويبدو ان الرئيس زين العابدين بن علي كان متجاهلاً عن قصد ممارسات زوجته واشقائها وحتى ابنته وزوجها من زواجه الاول.
 

☐ ☐ ☐
 

مصر قلب العالم العربي النابض، والقاهرة التي هي، على رغم الازدحام والتلوث، العاصمة العربية الاهم على مختلف الصعد، واجهت ثورة بقيادة ومبادرة من ابناء الميسورين.
شباب الدعوة الى الثورة على الاوضاع السائدة كانوا يعملون على برامج توسيع المعارف بالمعاصي والفساد منذ سنوات، والذين اسسوا شبكة "فايسبوك" وتبادل المعلومات بالانترنت كانوا من خريجي وطلبة الجامعة الاميركية في القاهرة.
وليس مصادفة ان حرم الجامعة الاميركية هو على كتف ميدان التحرير. والجامعة الاميركية نالها الكثير من الانتقادات الشعبية لانها كانت تعتبر ولا تزال الجامعة الخاصة بأبناء الميسورين. فأقساطها بآلاف الدولارات، وهيئتها التعليمية مطعمة باساتذة اميركيين ممن كانوا يدعون الى الديموقراطية والمحاسبة. والسلطات المصرية التي كانت تهتم بطمس ابحاث الديموقراطية في الصحافة المصرية وانكار صفقات استفادة عدد محدود من السياسيين والحزبيين البارزين من المال العام، اشاحت عن مجريات التعليم في الجامعة الاميركية، لانها اعتبرت ان هؤلاء، ابناء الميسورين، لا بد ان يناصروا نظاماً يتجه نحو تحرير نشاطات الاقتصاد والمبادلات وحرية انتقال الاموال وتنشيط السياحة والاستثمار.
لقد غاب عن انتباه السلطات المصرية ان ممارسة الاحتكار الاقتصادي تستدعي اصدار قوانين للحد من الاحتكار، لكن احتكار صدارة القرار السياسي والعسكري لا يمكن استصدار قوانين في صدده ما لم تتغير السلطة. وهذا المنطق الذي عممته رسائل شباب الجامعة الاميركية، ونخبة من الشباب المصري المثقف والناشط في دول الخليج او في اوروبا واميركا ما ساهم الى حد بعيد في تأجيج ثورة لا تزال مستمرة وان انخفضت وتيرة التظاهرات لان قيادة الجيش اقرت بعض مطالب الاصلاحات.
لهذه الاسباب ولان الشعب لا يريد التصادم مع الجيش على رغم الشكوى من رئاسته، تحولت ديناميكية التغيير نحو المحاسبة على الاستفادة غير المشروعة للوزراء، وممثلي الشعب في البرلمان، والرئيس مبارك ونجليه. ولعلها المرة الاولى في التاريخ العربي الحديث نشهد احالة رئيس دولة على التحقيق بتهم الفساد، وتشجيع كبت التظاهرات باطلاق النار، وفي حال ثبوت هذه التهمة يمكن ان يحكم على الرئيس بالاعدام.
حسني مبارك الرئيس المتأني والمرجع لمساعي السلام، وداعم استقرار عدد كبير من البلدان العربية، بات نظرياً في قفص الاتهام، ولا شك في ان الهياج الذي يسود مصر، لن يسمح باجراء محاكمات عادلة وشاملة، فهنالك اتهامات تجاه سياسيين ووزراء مشهود لهم بنظافة الكف والكفاية، وهم صاروا مطلوبين للتحقيق والتوقيف والمساءلة، ولا شك في ان عدد المحالين على التحقيق والمساءلة لا يسمح بانجاز هذا التحقيق خلال 15 يوماً يحددها للتوقيف. فلماذا تجري التوقيفات الا لإذلال المتهمين قبل ثبوت الاتهامات، والسؤال هو هل هذا هدف الثورة، ام يا ترى تحقيق الحريات ومنع الاحتكار وابعاد شبح السيطرة الاستخبارية وترفيع مهنية المحاكم والقضاة والتوصل الى صحافة حرة في مصر؟ لقد افتقدت مصر الصحافة الحرة منذ عهد عبد الناصر وغالبية الكتاب المرموقين انتسبت الى رئيس او آخر وكرّست طاقاتها الكبيرة بالفعل، لخدمة الزعيم لا لخدمة الوطن.
مصر تحتاج الى ان تخرج من حال اللاوعي العقلي وتحكم رغبة الانتقام من العقول والضمائر. ان تصحح مسار الثورة كي لا تنحرف ثورة 2011 عن اهدافها كما انحرفت ثورة عبد الناصر وكرست النظام الاستخباري ليس في مصر وحدها بل ايضاً في سوريا والعراق، ومن ثم بصورة متواترة في الجزائر وتونس وليبيا.
ان جميع البلدان العربية التي شهدت وتشهد مظاهرات تطالب بالحريات وتكريس العدالة، والقوانين السارية على الجميع وفرص العمل والنمو الاقتصادي، سوف تحقق بعضاً من مطالبها في وقت اقرب مما كان يبدو في السابق.
ولبنان الذي كانت لديه انظمة وقوانين وممارسات تقربه من مستوى المطالب الجياشة التي تعصف بمصر، وتونس، والجزائر وليبيا، والعراق وسوريا، يبدو كأنه في حال استقرار تقرب من الغيبوبة، لان مقدار الديموقراطية المترسب في حياتنا لا يزال يتطلب توافقاً بين مختلف الاطراف الفاعلين لايلاء أي وزارة الصلاحيات التنفيذية الواسعة التي اقرها اتفاق الطائف.
والثورة على الاستئثار بالمنافع الاقتصادية من السياسيين واتباعهم بعيدة عن لبنان لسببين: اولاً ان الثروات اللبنانية الكبيرة تكونت في الخارج من عمل مضن او مبادر ولا حق للجماهير في محاسبة اصحاب الجهود والمبادرات، عدا ان نشاطات اللبنانيين في الخارج هي ركيزة استمرار استقرار الليرة وتحقيق النمو. وثانياً، الفساد المالي في الداخل متوسع الى درجة تشمل غالبية السياسيين وحلقاتهم، وتالياً فإن المطالب التي نسمعها بين الحين والآخر تخفت بعد فترة قصيرة عند توجيه سهام الاتهام الى المنتقد اولاً.
طريق الانبعاث للبنان، ان نبقى الاوائل في مقاييس الديموقراطية، وان نعزز هذا الموقع بقوانين تؤمن التمثيل النسبي، وان نبقى الاوائل في الصناعة المصرفية، والاوائل في مجالات التعليم، والخدمات الطبية، والاوائل في مجالات الاعلام والنشر والاوائل في رعاية المبدعين وتشجيعهم، فاذا فعلنا ذلك لا خوف على مستقبل لبنان.
 

بقلم مروان اسكندر     

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,227,216

عدد الزوار: 6,941,245

المتواجدون الآن: 129