مصر في إفريقيا تستعيد علاقات إستراتيجية

تاريخ الإضافة السبت 2 أيلول 2017 - 6:50 ص    عدد الزيارات 962    التعليقات 0

        

مصر في إفريقيا تستعيد علاقات إستراتيجية

الحياة...أماني الطويل .. * كاتبة مصرية

منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم عام ٢٠١٤ أصبحت إفريقيا محل اهتمام مصري بامتياز، ذلك أن ٣٠ في المئة من زياراته الخارجية، فضلاً عن حضوره المنتظم للقمم الإفريقية، بل هو الرئيس المصري الوحيد الذي زار الغابون مثلاً، كما أن تنزانيا، على أهميتها في إقليميّ شرق إفريقيا المؤثر في منظومة الأمن في البحر الأحمر وحوض النيل الحاكم في أمن مصر المائي، لم تحظ بزيارة من الرئيسين السابقين، أنور السادات وحسني مبارك. من هنا ورث السيسي واقعاً معقداً لمصر في إفريقيا بعدما انسحبت وتركت فراغاً شغله الآخرون ولم يكتفوا بذلك بل أضرّوا أمنها القومي فتحولت إفريقيا خلال العقود الأربعة الماضية إلى مصدر تهديد، خصوصاً بناء «سد النهضة» الإثيوبي، واختراق حدودها الغربية من جانب ميليشيات مسلحة في عمليات تم إحباط أربع.

وفقد الاقتصاد المصري فرصاً للنمو بتراجع التبادل التجاري والتعاون التنموي مع إفريقيا بعامة. واحتلت إسرائيل أبرز الأدوار التي لعبت ضد مصر في القارة بهدف إضعاف القوة الشاملة للعرب عموماً ولمصر خصوصاً، حيث يرتبط المشروع الصهيوني بكل من نهري النيل والفرات، فتقول التوراة: «فقطع مع إبراهيم ميثاقاً بأن يعطي لنسله هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات». وربما يفسر هذا المعطى الديني وجود مشروعات إسرائيلية مرتبطة بنهر النيل، ومتزامنة مع مشروع هرتزل نفسه في مطلع القرن العشرين، والقائم على نقل مياه النيل من سحارات تحت قناة السويس إلى سيناء ومنها إلى إسرائيل. وبناء على ذلك تقدم إلى الحكومة المصرية بمشروع للحصول على امتياز الاستيطان في شبه جزيرة سيناء مدة 99 عاماً مطالباً بجزء من مياه النيل الزائدة في فصل الشتاء والتي تصب في البحر المتوسط. إلا أن هذا المشروع واجه رفضاً مصرياً بريطانياً لأن الزراعة المصرية كانت ضرورية لتوفير مواد أولية للصناعة البريطانية، خصوصاً القطن.

الخطوة الثانية للمشروعات الإسرائيلية المرتبطة بالمياه طرحت عام 1974، في مشروع إليشع كالي، مهندس المياه الإسرائيلي الذي صدّره بالقول: «إن معطيات منطقتنا البيئية والسياسية تفرض أن يكون لكل اتفاق سلام بند مياه». وتدور فكرة مشروع حول أن حصول إسرائيل على قدر قليل من مياه النيل (0.8 متر مكعب) لن يؤثر في الميزان المائي المصري. أما الأساس الفني للمشروع فيعتمد على توسيع ترعة السلام في مدينة الإسماعيلية، لتنقل المياه، بسحارات تحت قناة السويس وصولاً إلى إسرائيل. ويبدو أن المشروع مركزي لإسرائيل، فهو يطرح دورياً وفي كل مناسبة على مصر، فقد طُرح أيضاً عامي 1986 و1989، وكذلك في إطار مفاوضات مدريد عام 1991. وتبلور موقف مصري رافض لهذا المشروع يستند إلى اعتبارات فنية وإستراتيجية، حيث يرتكز الجانب الفني على إمكانية رفع ملوحة الأرض الزراعية في سيناء، وكذلك تدشين مبدأ تسعير وبيع المياه وهو مبدأ يكون باهظ التكاليف لمصر المحرومة من مصادر للمياه عدا نهر النيل، خصوصاً إذا فكرت بذلك دول منابع حوض النيل. كما أن وصول مياه النيل إلى إسرائيل فضلاً عن كونه مخالفاً لقواعد القانون الدولي المتعلقة بأحواض الأنهار المشتركة، فهو يضيف إلى دول الحوض دولة جديدة في سابقة هي الأولى من نوعها.

أما الجوانب الإستراتيجية، فتتمثل في أن حصول إسرائيل على هذا القدر من المياه يكون بمثابة ولادة جديدة لها، لأنه يعطيها 20 ضعف المساحة المزروعة حالياً ويمكّنها من زيادة المساحات المزروعة في صحراء النقب بما يساوي 500 ألف فدان، إضافة إلى دعم القدرات الإسرائيلية في استجلاب المزيد من المستوطنين.

وبالتأكيد فإن كلاً من الجانبين الفني والإستراتيجي يشكّل خسائر هائلة لمصر على مستوى أمنها القومي، كما يشكّل ارتفاعاً لمستوى التهديدات للأمن القومي العربي. في هذا السياق لعبت إسرائيل دوراً محورياً ولا تزال في مسألة بناء سد النهضة، بل وبناء إستراتيجيات التفاوض الإثيوبية إزاء مصر، كما تلعب دوراً أساسياً في مجال دعم الدول الإفريقية المحتاجة للطاقة في توليدها من الموارد المائية المرتبطة بنهر النيل، بما يشكل ضغوطاً إضافية على مصر. وهناك حالة رواندا التي تتفاعل فيها إسرائيل بهدف توليد الطاقة من المياه بينما مازالت المشروعات المصرية لتوليد الطاقة من مصادرها الجديدة كالشمس والرياح مجرد أفكار ليس لها ظل من واقع.

وتذهب تقديرات إلى أنه في ضوء الواقع المأزوم بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة، فإن الحفاظ على الحصة المائية المصرية يمر عبر البوابة الإسرائيلية، ولكن، لذلك أثمان سياسية باهظة على الصعيد الداخلي المصري، وعلى الصعيد الإفريقي أيضاً. في أية حال، استطاعت إسرائيل تهديد أمن مصر المائي بمحاولة خلق بيئة مربكة سياسياً في السودان، بإستراتيجية وُضعت في خمسينات القرن الماضي، وصولاً إلى دعم حركات التمرد في جنوب السودان. وتطورت هذه الإستراتيجية المسماة «شد الأطراف»، في منتصف التسعينات، على يد سفراء إسرائيل في كل من إثيوبيا وأوغندا وتركيا لتكوّن «قضم الأطراف».

وكانت أول تجربة ناجحة لهذه الإستراتيجية هي تقسيم السودان بدور أميركي مشهود كانت معظم معطياته إسرائيلية. كما دعمت إسرائيل بعض حركات دارفور المسلحة، وساهمت في شكل أساسي في حركات المجتمع المدني الدولية المناهضة للحكومة السودانية إلى حد تدشين قسم لدارفور في متحف الهولوكست في واشنطن، وإقامة ورش عمل لجمع التاريخ الشفاهي السوداني.

ولم تكن إسرائيل لتنجح في الإرباك السياسي للسودان ومصر معاً، لولا فشل النخب السياسية السودانية منذ الاستقلال في إرساء عقد اجتماعي يستوعب التنوّع السوداني على أسس المواطنة المتساوية.

هذا الواقع المعقّد لمصر في إفريقيا يُواجه حالياً بحركة دؤوبة للعودة إلى مرتكزات القاهرة الإستراتيجية في شرق القارة وحوض النيل. فهي تطوّر تعاوناً له طابع عسكري مع كل من إريتريا والسودان بوجود مميّز للبحرية المصرية في جزر باب المندب، والسواحل الإريترية. ويتوقع أن تشارك السودان كمراقب في مناورات «النجم الساطع» بين مصر والولايات المتحدة، وينتظر أن يتم تطوير هذا التعاون في زيارة مرتقبة لوزير الدفاع السوداني إلى مصر. أما التعاون العسكري مع غرب إفريقيا، فهو في محطة تشاد التي أعلن الرئيس السيسي من أراضيها أن الدعم المصري لأنجمينا غير محدود. ويبدو الدعم طبيعياً مع كون تشاد دولة مفتاحية ومؤثرة في كل من السودان وليبيا في ظل السيولة الأمنية التي تواجهها الدولتان بوجود ثلة من الميليشيات الإرهابية على الأراضي الليبية، فضلاً عن نشاطات واسعة لعصابات الجريمة المنظمة في مناطق التماس الحدودية بين ليبيا وتشاد. وأخيراً تواجه تشاد حركة «بوكو حرام»، مع كل من الكاميرون ونيجيريا.

ولا تبدو آلية التعاون الاقتصادي مع إفريقيا مستبعدة من مجمل الأداءات المصرية، لكنها قيد البلورة وامتلاك الأدوات المناسبة لكونها تحتاج إلى التمويلات المناسبة لتكون مؤثرة. بينما تبدو الأدوات الأمنية والعسكرية هي الأكثر جاهزية في هذه المرحلة.

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,131,390

عدد الزوار: 6,936,104

المتواجدون الآن: 81