أزمة مالية ومشكلتان أمنيّتان في الخليج - بقلم مروان اسكندر

تاريخ الإضافة الأحد 13 كانون الأول 2009 - 6:00 ص    عدد الزيارات 1340    التعليقات 0

        

تمثل بلدان الخليج العربي المرتكز الاساسي لتطور المشرق العربي اقتصادياً.  ولكن اليوم تعصف بدبي أزمة مالية حادة تسببت بانهيار اسهم عدد من الشركات الكبرى في الامارة وبتعرض أصول هذه الشركات للتدهور وانتقال ملكيتها الى الهيئات القارضة، وآخر مثل على ذلك هو استملاك فندق في نيويورك كانت تملكه احدى هذه الشركات.
وكان طبيعياً ان يتفشى وهن أسعار الشركات المدرجة في سوق دبي المالي الى اسواق اخرى مثل اسواق ابو ظبي والسعودية وقطر، علما بان هذه البلدان الثلاثة تتمتع بأوضاع مالية جيدة وحتى ممتازة، لكن بعض اسهم شركات دبي تسوق في أبو ظبي وقطر، ولذا انعكس انهيار اسعارها على معدلات الاسعار في الاسواق العربية بل حتى المتاخمة.              
لا بد ان تستغرق معالجة ازمة دبي وقتاً غير قصير، وموارد مالية ملحوظة لان المصارف التي تتعرض لضغوط بسبب هذه الازمة هي في غالبها مصارف اجنبية. فالمصارف البريطانية، وأكبرها HSBC الذي أقرض دبي 17 مليار دولار، تحمل 51 مليار دولار من مجموع ديون مقدرة بالنسبة الى دبي وشركاتها بـ 90 مليار دولار. والمصارف الالمانية لديها محافظ بقيمة 11 مليار دولار. والمصارف الفرنسية 10 مليارات دولار، اضافة الى المصارف السويسرية بنحو خمسة مليارات دولار، والمصارف الايطالية والنمسوية والبلجيكية واليابانية بين سبعة وتسعة مليارات دولار، والرصيد البالغ نحو سبعة مليارات دولار تحمله مصارف خليجية اماراتية في المقام الاول.
تبدو المخاطر على المصارف الاماراتية والعربية محدودة ويمكن استيعابها، أما مدى تحمل المصارف الاجنبية تبعات الاقراض المتمادي وغير المدروس فلا يمكن تحديدها قبل انتهاء مفاوضات اعادة الجدولة، اذا نجحت، وان لم تنجح، فسوف ترزح دبي تحت اعباء ثقيلة سنوات ولن تستطيع تجاوز الازمة واسترجاع بريقها ونشاطها في المستقبل المنظور.  وتتعزز فرص النجاح اذا بادرت أبو ظبي الى مساندة أهالي دبي.
 الى ازمة دبي، يبدو ان العراق يواجه أوضاعا امنية القصد منها منع استقرار البلد، علما بان المساعي الحثيثة توصلت الى تأجيل موعد الانتخابات النيابية الى اذار المقبل على أسس مقبولة لدى الغالبية العظمى من الطوائف والقبائل العراقية.
وتوصل العراق، الذي يحوي اكبر احتياط نفطي في الشرق الاوسط، الى عقد ثلاثة اتفاقات نفطية لتطوير حقول غنية تم اكتشافها. ومن المعلوم ان العراق، بثروته النفطية، ينتج حاليا نحو 2،4 مليوني برميل من النفط يوميا، وفي الإمكان زيادة هذه الكمية الى ستة ملايين برميل خلال خمس سنوات، ومقاربة الـ 10 ملايين برميل في المستقبل الابعد، وعلى اقصى حد خلال عشر سنين. اذا سمحت الظروف الامنية بتحقيق هذا الهدف.
ان تقديرات مستويات الطلب على النفط، حتى بعد احتساب انخفاض معدلات الاستهلاك العالمي نتيجة الازمة المالية والاقتصادية العالمية، وتحول الاستهلاك في توليد الطاقة الى الغاز، تشير الى ضرورة انتاج ستة ملايين برميل يوميا اضافية خلال خمس سنوات، و 10 ملايين برميل خلال ثماني سنوات.
ولا يمكن توفير هذه الكميات، استناداً الى الاكتشافات المحققة حتى تاريخه، سوى من العراق وايران.  فمن المعلوم ان ايران كانت تنتج ستة ملايين برميل يوميا صيف 1978، وقد انخفض مستوى هذا الانتاج سنوات تقيداً بسياسات احترازية فرضها الامام الخميني، وكذلك بسبب تدني مستويات الصيانة وتجديد الحقول النفطية وطاقاتها في السنوات اللاحقة.  ومن اسباب هذا التردي الحصار الذي فرضه الاميركيون على توظيفات الاستثمار في حقول النفط الايرانية وتحديد استثمار أي شركة عالمية بنحو 20 مليون دولار سنويا، لا اكثر، والا لكانت الشركة ستتعرض لعقوبات اميركية قد تشمل منعها من العمل في الولايات المتحدة او التصدير اليها.
ان العراق وايران يحتويان على الاحتياط الاستراتيجي لصناعة النفط والغاز وكفاية حاجات العالم، وكلتاهما محاط بالتهديدات الامنية، داخليا في العراق، وخارجيا في ايران. فلا شك في أن هذا الوضع يؤثر على طاقات البلدين، وعلى قدراتهما على المساهمة في انعاش اقتصادات المنطقة. وفي المناسبة، ان الايرانيين الاثرياء أصيبوا بأضرار كبيرة في مجال الاستثمار العقاري والتجاري في دبي.
واضافة الى هذه الصورة المقلقة عن استقرار أوضاع الخليج، برزت حديثاً اخطار تعرض المملكة العربية السعودية لاعتداءات أمنية وعسكرية على حدودها المتاخمة لليمن، فالحوثيون الذين ينتمون الى الطائفة الشيعية الزيدية يحصلون على معونات مالية وعسكرية من ايران، وثمة اتهامات مغرضة وواضحة من ايران للسعودية بان المملكة تحارب المسلمين وتهادن الغرب وتؤازره.
ان المملكة العربية السعودية، بجذورها الدينية وثرواتها النفطية والطبيعية، وحكمها المستقر والبعيد عن التعصب، كانت دوماً مرساة الاطمئنان للدول العربية الخليجية.
والمملكة، كلما تسلم قيادتها ملك حكيم وبعيد النظر وقوي الشكيمة والانتماء العربي، كانت تتعرض للتحديات، إما من جهات عربية راديكالية واما من ايران.
لقد أظهر الملك عبد الله بن عبد العزيز قدرات كبيرة على التطوير والإمساك بزمام الامور، تماما كما فعل الملك فيصل بن عبد العزيز قبله.  فخلال قيادة فيصل للمملكة، وبدءا من عام 1962 والى حين خسارة حرب 1967 التي استمطرها عبد الناصر بادعاءاته الهمايونية، ومبادرته الى طلب انسحاب القوات الدولية من مضائق تيران، تعرضت المملكة لهجمات مسلحة وغارات جوية من الطيران المصري، وللتعريض اليومي من اذاعة صوت العرب من القاهرة بالمملكة وقيادتها.
بعد كارثة 1967 وحاجة عبد الناصر الى انقاذ ماء الوجه، وبعد تعرض العالم العربي لأكبر خسارة في تاريخه الحديث على يد اسرائيل، شملت صحراء سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، جاء الرئيس المصري الى الخرطوم طالباً من الملك فيصل العفو عن خطئه. وقد بادر العاهل السعودي الى اقرار التزامات مالية لسوريا ومصر والاردن لمساعدة هذه الدول على تعويض خسائرها من الحرب، وزيادة قدرتها على الصمود في وجه العدو الاسرائيلي.
وبدل مصر، تسعى ايران اليوم الى قلقلة أوضاع المملكة، لكن الملك عبد الله أظهر خلال قيادته مقداراً كبيراً من الحكمة والاندفاع، وهو الذي دعا الى حوار الاديان، وانعقدت حلقتان لتحقيق هذا المسعى في مدريد صيف 2008 وفي الامم المتحدة لدى انعقاد الجمعية العمومية خريف العام المنصرم.  وهو الذي ارسى قواعد تطوير جامعة للعلوم التقنية والفنية حملت اسمه، ولم تميز شروط الانتساب الى هذه الجامعة بين النساء والرجال.  كما اقر الملك عبد الله برامج متوسعة لتأمين حاجات الكهرباء للأجيال المقبلة وتأمين السكن والتعليم لهم.
وفضلاً عن كل ذلك ولحرص الملك على ضبط الامور المالية، حققت المملكة استقراراً كبيراً ان على صعيد حفاظها على القسم الاعظم من احتياطها، أم بالنسبة الى أوضاع المصارف العاملة فيها، ونتج من ذلك تفادي المملكة آثار الازمة المالية والاقتصادية العالمية، واستمرارها في تنفيذ برنامج خمسي خصصت له 400 مليار دولار.
حافظت هذه المبادرات على الازدهار والنمو في المملكة، وعلى تأمين فرص العمل لعشرات الآلاف من المواطنين العرب والفنيين من مختلف البلدان العربية، وكان لهذه المبادرات اثر كبير على تخفيف أعباء الازمة المالية والاقتصادية العالمية في منطقة الخليج ككل.
اليوم، يبدو ان تعريض المملكة للأخطار وعبث الخارج بأمنها وآمان سكانها هدف القصد منه إضعاف الصف العربي، وإزالة أسباب الاستقرار في المنطقة كي يضع المخربون ايديهم على خيرات البلاد والعباد.  وهذا الامر لن يتحقق ما دام هناك تصميم عربي على التمسك بشروط النمو والاستقرار والتعاون.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,148,329

عدد الزوار: 6,757,125

المتواجدون الآن: 128