عندما يعلو الانتماء المذهبي على كل ما عداه

تاريخ الإضافة الخميس 19 كانون الأول 2013 - 7:11 ص    عدد الزيارات 309    التعليقات 0

        

 

عندما يعلو الانتماء المذهبي على كل ما عداه
خيرالله خيرالله
هناك تطورات ذات طابع اقليمي لا يمكن الاّ التوقف عندها ومحاولة فهم اسبابها والسعي الى العودة الى جذورها. بين التطورات الخطيرة التي شهدها الشرق الاوسط في السنة 2013، يمكن التوقف عند تطوّر في غاية الخطورة لا يمكن الا أن تكون له انعكاساته على دول المنطقة والحدود الدولية المعترف بها، وهي حدود قامت في مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي.
يتمثّل هذا التطوّر الخطر في المشاركة المباشرة لـ"حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية وعناصر من "الحرس الثوري" الايراني في الحرب السورية الى جانب نظام يصرّ منذ ما يزيد على ألف يوم على ذبح شعبه وتدمير المدن والقرى السورية وتفتيت البلد.
ما يجمع بين "حزب الله" والميليشيات العراقية و"الحرس الثوري" الايراني هو الانتماء المذهبي. هذا الانتماء بات مبررا كافيا للمشاركة في الحرب السورية وذلك من منطلق أن هناك رابطا مذهبيا ما مع هذا النظام. انه رابط لا يقيم أي اعتبار للحدود!
ولكن في الاساس، اي لدى العودة الى الاسباب والجذور، لا يمكن الفصل بين ما نشهده حاليا من جهة والتطوّر الطبيعي لنظام طائفي فرض نفسه بشكل تدريجي ومدروس على سوريا مستخدما شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي من جهة أخرى.
ليس سرّا أن نقطة التحوّل التي أسست للمرحلة الراهنة كانت انقلاب الثالث والعشرين من شباط- فبراير 1966 الذي جاء بعد ثلاث سنوات تقريبا من استيلاء حزب البعث على السلطة في الثامن من آذار- مارس 1963. كانت الحجة التي اعتمدها الانقلابيون العودة عن الانفصال. كان الهدف المعلن العودة الى الوحدة مع مصر. تبيّن أن المعلن شيء والهدف المخفي شيء آخر مختلف كلّيا عن الشعارت المرفوعة.
في العام 1966، بدأ صعود نجم حافظ الاسد الذي اصبح وزيرا للدفاع. الى جانب الاسد، بل في موقع متميّز حزبيا، كان الضابط العلوي الآخر الذي اسمه صلاح جديد.
في 1966 أيضا، بدأ التخلص من مدنيي البعث ثم التخلص تدريجا من الضباط السنّة الآتين من المدن الكبيرة، دمشق وحلب وحمص وحماة، وصولا الى التخلص من الضباط الدروز والاسماعيليين الذين كان لهم وجود قوي في المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية.
بعد 1966، صار الضباط العلويون في السلطة. أبقوا على غطاء سنّي، اذ ظلّ نورالدين الاتاسي رئيسا للجمهورية، لكنّ حافظ الاسد الذي أحتكر السلطة كلّها بعد انقلاب تشرين الثاني- نوفمبر 1970، وأدخل صلاح جديد ونور الدين الاتاسي السجن، تصرّف منذ وصوله الى موقع رئاسة الجمهورية في بداية العام 1971 بما يوحي بأنّه لم يعد في حاجة الى الغطاء السنّي.
اعتقد حافظ الاسد أن لديه ما يكفي من الاوراق التي تسمح له بالسيطرة على سوريا بغض النظر عن انتمائه الى أقلّية مضطهدة تاريخيا. بين هذه الاوراق شخصيته الطاغية والدهاء وتحالفه مع سنّة الارياف، فضلا عن التوازنات الاقليمية والدولية التي أقامها، بما في ذلك دخوله لبنان عسكريا من أجل ضبط "المسلحين الفلسطينيين" ثم الوقوف مع ايران في الحرب التي خاضتها مع العراق بين 1980 و1988.
لكنّ الاسد الأب لم يقبل في أيّ وقت، على الرغم من الحلف الذي أقامه مع ايران، التخلي عن علاقاته العربية، خصوصا مع دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية.
استطاع الاسد الأب تحويل سوريا الى لعبة بين يديه. ما لبث أن سلّم اللعبة الى نجله بشّار الذي لم يكتف بتغيير طبيعة التحالف القائم بين دمشق وطهران، بل جعل مستقبل نظامه رهنا بارادة ايران، خصوصا بعدما خرج الجيش السوري من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير من العام 2005 وبعد تخليه عن اوراقه العربية في اللحظة التي دخل فيها في مواجهة دموية مع الشعب السوري في آذار- مارس 2011.
لم يحسن الاسد الابن التعاطي مع تلك اللعبة التي ورثها عن والده ولا ادارة شبكة العلاقات والتوازنات التي عرف حافظ الاسد التحكّم بها. سقط في امتحان التعاطي مع اللعبة التي اسمها سوريا بعدما تركها لايران. النتيجة هي ما نشاهده حاليا من انقسام مذهبي لا سابق له في الشرق الاوسط حيث للمرّة الاولى يتفوق المذهب على كلّ ما عداه.
هذا الحدث، الذي نرى فيه "حزب الله" وهو لواء في "الحرس الثوري" الايراني يحارب خارج الحدود اللبنانية، دليل على أن الرابط المذهبي بات الاقوى. لم تعد للحدود بين الدول قيمة. وما ينطبق على الحدود اللبنانية ينطبق أيضا على الحدود العراقية. هناك بكلّ بساطة قرار ايراني بمنع سقوط النظام السوري من منطلق مذهبي بحت. هل يمكن للمذهبية انقاذ نظام فئوي؟ ربّما لن تدرك ايران أن ذلك مستحيل... الاّ بعد تفتيت سوريا. هل صار تفتيت سوريا بديلا من القدرة على وضع اليد عليها؟
في الانتظار، وفيما العالم على مشارف سنة جديدة، لم يعد مفرّ من الاعتراف بأنّ المسّ بحدود الدول في الشرق الاوسط لم يعد مستبعدا، وذلك في زمن صار المذهب فوق الدولة وفوق كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالسيادة.
أين سيادة لبنان؟ أين سيادة العراق؟ أين سيادة سوريا نفسها التي يقبل من على رأس النظام فيها الذهاب الى النهاية باللعبة الايرانية، علما أن هذه اللعبة يمكن أن ترتدّ على أصحابها يوما؟
من يحتاج الى دليل على مدى خطورة هذه اللعبة صعود التطرّف من كلّ حدب وصوب في ما بات يعرف بـ"الساحة السورية". صارت التنظيمات المتطرفة السنّية تسرح وتمرح في كلّ المناطق. باتت هذه التنظيمات الحليف الجديد غير المعلن للنظام وعرّابه الايراني اللذين يعملان من أجل القضاء نهائيا على سوريا التي عرفناها تحت شعار يقول إن الانتماء المذهبي يعلو ولا يعلى عليه!
هل هذا هو الشرق الاوسط الجديد الذي وعدتنا به الولايات المتحدة؟.
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,102,511

عدد الزوار: 6,978,508

المتواجدون الآن: 71