إبعاد وأبعاد

تاريخ الإضافة الأربعاء 7 تشرين الأول 2009 - 1:01 ص    عدد الزيارات 681    التعليقات 0

        

بشارة شربل
لم يجانب الشيخ نعيم قاسم الصواب حين اعتبر إبعاد لبنانيين شيعة من الإمارات ظلماً يستوجب التصحيح، لكن ربما على سماحة الشيخ، أن يذهب أبعد في التحليل منطلقاً من كتابه "حزب الله- المنهج والتجربة والمستقبل" ليكتشف أبعاداً أعمق لقضية المبعدين.
لا يستطيع المبعدون انتظار الاستنتاجات التي يمكن أن يخرج بها "حزب الله" إذا أعاد قراءة أدبياته الداعية الشيعة إلى موالاة الولي الفقيه والسعي إلى إقامة "جمهورية إسلامية" والاصطفاف في حيّزٍ يصطدم بالضرورة مع أكثريةٍ سنية في العالم العربي، هذا إنْ غضضنا الطرف في العجالة هذه عن استحالة مشروعه في المجتمع اللبناني، فالمبعدون أيديهم في النار ويريدون حلاً سريعاً يعيد إليهم كرامتهم ويعاود تأمين مصالحهم، أما إعادة النظر في مشروع "الشيعية السياسية" في لبنان وفي العالم العربي فأمرٌ متوجب على حامل لوائها في كلّ حين.
لن تنفع مهرجانات التنديد ولا خطابات التهريج ولا اتهام الأميركيين بتحريض الامارات على إبعاد مَن أُبعد من اللبنانيين، فالأفضل حتماً أن يضع المبعدون قضيتهم في يد الدولة اللبنانية لتسعى مع الطرف الإماراتي الى إعادة مَنْ لا "شبهة أمنية" عليه إلى الإمارات. وواجب الدولة الانتصار لأبنائها والدفاع عن مصالحهم إذا كانوا يحترمون قوانين الدولة المضيفة ولا يقومون بنشاطات تتعارض مع توجهاتها، مثلما أبسط الحقوق يلزم الدولة المضيفة بعدم أخذ "البريء" بجريرة "المذنب" ولا التعاطي مع العاملين لديها إلا ضمن الأصول الدولية التي تحرّم الطرد الجماعي أو الإثني أو الطائفي أو المذهبي.
لسنا هنا أمام حالة عمالةٍ أجنبية نموذجية في دولةٍ أوروبية تطبق أرفع المعايير، فنحنُ نعيش في منطقةٍ تحاول دولها تسجيل نقاطٍ في هذا المجال، لكنها تتعثر بسبب الثيوقراطية أو النزعات الفردية أو الحساسيات المذهبية أو المخاطر الأمنية الجدية التي تفرض تحدياتٍ تجعل إبعاد المجموعات أسهل الخيارات الوقائية، وهو عملٌ يشبه وظيفة "الرقيب" العربي على المطبوعات، إذ إنه يسارع إلى شطب المقال أو نزع الصفحة بدل التدقيق في المفردات.
ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها الشيعة العاملون في الخليج إلى إجراءات قاسية أو ظالمة أو محقة. فهم واجهوا صعوباتٍ في الكويت أثناء حرب العراق وإيران، وهي لم تأتِ من فراغ، بل لأنّ قلة تنتمي إلى هذا المذهب تورّطت في أعمالٍ أمنيةٍ خطيرة، ويومها دفع الثمن أيضاً أبرياء. لكنها ربما كانت المرة الأولى التي تأخذ فيها الاجراءات هذه في دولةٍ مثل الإمارات طابعاً سياسياً أكثر منه أمنياً، ما يعني أنّ التصنيف الإيديولوجي بات أيضاً مثيراً للحساسيات لدى دولٍ خليجية تتعاطى مع مسائل من هذا النوع بدقةٍ متناهية وتنظر إليها بخطورةٍ غير عادية.
تتحمل دولة الإمارات مسؤولية العشوائية في قرار الإبعاد والذي تسبّب في ظلم أكيد في حق أفراد أو مجموعات، لكن "الشيعية السياسية" في لبنان تتحمل أيضاً مسؤولية العلّة الأساس الكامنة في النهج الاستئثاري الذي تسير عليه وما ينجم عنه من أضرار. فهي باحتكارها تمثيل الشيعة ونجاحها في اجتذابهم فكرياً وسياسياً ومالياً وتنظيمياً حولتهم أهدافاً سهلة في دول ذهبوا إليها أصلاً لكسب لقمة العيش ولا مجالات واسعة فيها للتعبير المطلق عن الذات المختلفة أو النزعات غير المتوائمة مع السائد من العقائد والتوجهات.
تتحمل "الشيعية السياسية" مسؤولية أكيدة لأنها بهجومها الصاعق لمصادرة تمثيل أبناء الطائفة تسببت بتماهٍ غير مسبوق بين فكرها المؤسَّس على ولاية الفقيه في إيران و"تجربة المقاومة الإسلامية" - اللتين يشدّد الشيخ نعيم قاسم عليهما منهجاً - وبين مجموع الشيعة ليس في لبنان فحسب بل في بلدان الانتشار، ما جعل تلك البلدان تمارس الحذر إزاءهم بعدما كانت تصالحت مع وجودهم الطبيعي لديها بفعل وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان "إمام الاعتدال"، والذي عمل بدأب ورؤيا لنزع أسباب الاحتكاك ليس بين الشيعة اللبنانيين ومضيفيهم الخليجيين فحسب بل بين شيعة الخليج ودولهم كلها على السواء.
لا أسباب تخفيفية للطرد الجماعي رغم احترام حق كلّ دولة في تطبيق معاييرها الأمنية التي تضمن أمانها، ولا مبرّر للدولة اللبنانية بأن تتخاذل وتنأى بنفسها عن معالجة أزمة المبعدين قسراً وبلا أسباب مثلما لا ضرورة لحفلات التحريض على دولةٍ صديقة لها أياد بيض، لكنّ المسألة تعيدنا إلى المربع الأساسي، وهو المربع الأمني والإيديولوجي المهيمن على أبناء طائفته والساعي الى السيطرة على الدولة والمتطلع الى أوسع من الكيان، والذي لم يقتنع بعد باستحالة مشروعه في لبنان وبمساوئ انعكاساته على مصالح أبناء الطائفة أولاً... في أي مكان!

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,173,341

عدد الزوار: 6,938,680

المتواجدون الآن: 127