فلسطين وإيران تهددان ادارة أوباما... والعرب غائبون!

تاريخ الإضافة الخميس 1 تشرين الأول 2009 - 7:10 ص    عدد الزيارات 663    التعليقات 0

        

بول سالم *

في حمأة نشاط ديبلوماسي كثيف، أعاد الرئيس الأميركي باراك أوباما إطلاق المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية، بعد انقطاع دام فعلياً ثماني سنوات، ونقل الولايات المتحدة إلى مفاوضات مباشرة مع إيران، بعد انقطاع دام ثلاثين عاماً. لكن، في كلتا الحالتين، كانت الانطلاقة متعثّرة وغير مُبشّرة بالنجاح. فقد فشل أوباما في حمل الإسرائيليين على الموافقة حتى على تجميد الاستيطان، فيما سبق المحادثات مع إيران تصعيد قوي للتوتّر بسبب المفاعل النووي الجديد الذي جرى الكشف عنه بالقرب من قم. وفي حين نعتبر أن العودة إلى سياسة التفاوض بدل التحارب تطوّراً إيجابياً، إلا أن كلا المسارين يشيان بأنهما سيكونان صعبين للغاية. ومع أن نجاح أو فشل هذين المسارين سيؤثر على العالم العربي في المقام الأول، إلا أن الدول العربية لا تزال غائبة غياباً شبه كامل عنهما.

لقد كسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الجولة الأولى ضد أوباما. ففي مواجهة مباشرة حيال مسألة المستوطنات، تشبّث نتانياهو بموقفه فتراجع أوباما. لذا، يرفع الجناح اليميني في كل من إسرائيل والولايات المتحدة رايات النصر، ويتوقّع انهياراً مبكراً لإدارة أوباما. كما أن هذا الجناح يأمل بأنه نتيجة للصعوبات التي تواجهها إدارة أوباما في إسرائيل، وإيران، والعراق، وأفغانستان، إضافة إلى الصعوبات في تمرير مشروع الرعاية الصحية وإصلاحات أخرى داخلياً، ستفقد هذه الإدارة زخمها، وستُمنى بخسارة في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في خريف 2010، تمهيداً لخسارة أوباما في انتخابات الرئاسة في العام 2012.

لكن، على رغم المصاعب التي يواجهها أوباما، إلا أنه سياسي عنيد وليس من السهل إلحاق الهزيمة به. وقد أكد أداؤه خلال اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك وفي قمة بيتسبرغ على مكانته الدولية. كما تدل استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة على تحوّل شعبي نحوه مجدداً على حساب الجمهوريين. ففي نيويورك، عزّز الرئيس الأميركي الاختراق الإيجابي مع روسيا، وطرح حلاً تاريخياً يتعلّق بتقليص الأسلحة النووية. وفي بيتسبرغ، قاد عملية إعادة هيكلة لكيفية ادارة الاقتصاد العالمي، لتشمل الصين، والهند، والبرازيل، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وبلداناً نامية أخرى، ولتستبدل مجموعتي السبعة والثمانية الكبار بمجموعة العشرين.

مع ذلك، تبدو آفاق تحقيق تقدّم على الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية ضبابية، إن لم نَقُلْ معدومة. فقد أكّدت الحكومة الإسرائيلية معارضتها لمعظم العناصر المكوّنة لحل الدولتين، فيما أثبتت إدارة أوباما عدم قدرتها أوعدم رغبتها في ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لحملها على تليين موقفها. أما الفلسطينيون، فهم يملكون في الواقع عدداً قليلاً من الأوراق، إذ لا يجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خياراً سوى المضي في مفاوضات يبدو أنها لا تعد سوى بالنزر اليسير، في حين تتوقّع حركة «حماس»، وهي ربما على حق، أن هذه المحادثات لن تصل إلى أي مكان.

كذلك، لم تنجح محاولة أوباما حمل بلدان عربية أخرى على الانضمام إلى مسار التفاوض، اذ لم توافق إسرائيل حتى على تجميد موقّت للاستيطان. وعلى رغم أنه يمكن للمحادثات الإسرائيلية – السورية أن تُستأنَف، ربما مجدداً بطريقة غير مباشرة، إلا أن تحقيق اختراق مع سورية لا يبدو محتملاً من دون تحقيق تقدّم على المسار الإسرائيلي – الفلسطيني.

في هذا الإطار، يمكن لأوباما أن يجد تعزية صغيرة في حمله نتانياهو على القبول اللفظي بعبارة «حل الدولتين»، وبجرّه إلى عملية تفاوض. وفي الأشهر المقبلة، سيبحث الرئيس الأميركي، كما المبعوث الخاص جورج ميتشل، عن سبل لإنجاز تقدّم تدريجي، على أمل أن تواصل التطوّرات السياسية التغيّر لتجعل من الاختراق المستقبلي أمراً ممكناً.

هنا، السؤال الرئيس قد يكون الآتي: أي من الحكومتين ستتداعى أولاً، حكومة نتانياهو أم إدارة أوباما؟ فإذا نجح أوباما في مسألتي إصلاح الرعاية الصحية وإعادة تنشيط الاقتصاد في الولايات المتحدة، فمن المرجّح أن يُعاد انتخابه ويبقى في السلطة حتى أوائل العام 2017. وهذا الوقت يُعَدّ طويلاً للغاية في عالم السياسة. أما نتانياهو، فهو سيكون محظوظاً إذا بقي في منصبه حتى العام 2011. اما إذا فشل أوباما في وجه التحديات السياسية الداخلية في العام المقبل، عندها سيكون الأمر بمثابة نكسة لإدارته وفوز لليمين في الولايات المتحدة وإسرائيل.

بدورها، تبدو المفاوضات مع إيران غير واعدة. فعلى غرار الجناح اليميني في إسرائيل، لا يبدو الجناح اليميني الإيراني مستعداً لتقديم التنازلات الضرورية في سياق أي عملية تفاوض ناجحة، بل يبدو أنه يفضّل استخدام مناخ التوتير والمواجهة لتعزيز مواقعه السياسية والأمنية. فقد تمسّك هذا الجناح بمواقفه المتشددة قبل انتخابات حزيران (يونيو) وبعدها، وبدا أنه شعر بقلق وليس بارتياح بانتخاب أوباما في الخريف الماضي. ومع ثورة الوسطيين والإصلاحيين في إيران بهدف المطالبة بسياسات محلية وخارجية أكثر براغماتية واعتدالاً، ردّ هذا الجناح بتأكيد مواقفه المتصلّبة.

إضافة إلى كل ذلك، جاء الكشف عن المفاعل النووي في قم اخيراً ليزيد الوضع صعوبة. فإيران ستكون الآن في خط الدفاع، والمحادثات ستغرق في تفاصيل التفتيش في هذا المفاعل، من دون تحقيق أي تقدّم على صعيد آفاق تفاهم أوسع نطاقاً. هذا على رغم أن إيران والمجتمع الدولي يملكان العديد من المصالح المشتركة على صعد الأمن والطاقة وأفغانستان والعراق، وضبط المخدّرات والنمو الاقتصادي، إلا أنه يبدو أن المواجهة ستتواصل حول المسألة النووية.

من المثير للقلق أنه في كلا المسارين العربي – الإسرائيلي والإيراني، واللذين من شأن نتائجهما – إيجابية كانت أم سلبية – أن تؤثّر بشدّة على العالم العربي، تبدو الدول العربية غائبة. فالعالم العربي في كلتا المسألتين مشلول عملياً. وفي حين أن معظم الدول العربية يفضّل تسوية مع إسرائيل، إلا أن هذه الدول لم تجد سبيلاً لتحويل قدرتها الاقتصادية إلى مصدر ضغط، كما أنها لم تبتدع مبادرات ديبلوماسية خلاّقة من شأنها أن تُضعف الجناح اليميني الإسرائيلي. فهي تركت أبو مازن يواجه نتنياهو منفرداً، فلم تنضم إليه ولم تمدّه بالذخيرة السياسية، ووضعت مصيرها بين يدي الولايات المتحدة.

أما في ما يتعلّق بإيران، فيعاني العالم العربي من انقسام أكثر حدّة، حيث ينظر بعض الدول إلى إيران على أنها صديقة وحليفة، فيما ينظر البعض الآخر إليها، مثل عدد من بلدان الخليج ومصر، على أنها تهديد خطير. هنا أيضاً، تُركت المبادرة لكل من الولايات المتحدة وأوروبا، إذ لن تكون الدول العربية حاضرة، لا في المحادثات مع إيران، ولا في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن، ما لم يكن في حوزة الدول العربية خيار عسكري بديل، على غرار ما امتلكت إدارة بوش – على نحو كارثي – ينبغي عندها استخدام الوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بزخم أكبر.

إن الخطر الحقيقي يتمثّل في أنه إذا انتهى الأمر بالمسارين الفلسطيني الاسرائيلي والايراني إلى الفشل - ربما قبل ربيع العام المقبل - فقد يدخل الشرق الأوسط في جولة جديدة من المواجهات العسكرية الخطيرة. لذا، وعلى رغم الصعوبات التي تعترض كلا المسارين، لا بديل من أن يبذل المجتمع الدولي والدول العربية المزيد لتحقيق تقدّم وإن كان محدوداً على كليهما، وذلك لإضعاف وتليين المواقف المتشددة والخطيرة للجناح اليميني المتحكّم حالياً في كل من إسرائيل وإيران.

* كاتب لبناني - مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,196,771

عدد الزوار: 6,940,055

المتواجدون الآن: 131