متى يتم إصلاح ما أفسدته الأنظمة المستبدة؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 11 أيلول 2013 - 7:08 ص    عدد الزيارات 316    التعليقات 0

        

 

متى يتم إصلاح ما أفسدته الأنظمة المستبدة؟
نبيل السهلي
يلحظ المتابع لتحولات المشهد السياسي بشكل جلي سيادة مبدأ الفردية في الحكم في غالبية الدول العربية، وتغييب دور الغالبية الساحقة من الشعوب العربية، هذا فضلاً عن فرض مصطلحات تخدم مبدأ الاستمرار في الحكم لنهب المال العام على حساب لقمة عيش المجتمعات.
وقد أشارت دراسات وأخبار صحفية خلال الأعوام الأخيرة إلى عملية سطو مدروسة من قبل النظم العربية المستبدة طالت عشرات المليارات من الدولارات. وقد أدت عملية الفساد المالي والإداري إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء, فضلا عن تفشي ظواهر خطيرة في غالبية الدول العربية، وفي مقدمة تلك الظواهر ظاهرة القطط السمان حول النظم السياسية الحاكمة، وتلك الشريحة لا يهمها إلا تراكم رأس المال بعيداً عن القيام باستثمارات تعود بمنفعة مباشرة على الأوطان والشعوب. وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع وتيرة مؤشرات البؤس في غالبية الدول العربية، فتفاقمت معدلات البطالة وازدادت قيمة الديون الخارجية وارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع إلى معدلات فلكية رغم وجود المصادر الطبيعية الوطنية الكبيرة، وهذا بدوره كان وسيكون من العوامل الهامة لانطلاقة انتفاضات وثورات شعبية تنادي بالتحول الديمقراطي.
لقد انعكست سياسات النظم السياسية العربية على كافة مناحي الحياة، ومن بينها الحياة السياسية والاقتصادية. وتجلى التعبير عن ذلك من خلال سوء توزيع الدخل القومي للدول العربية، حيث تتحكم أقلية من السكان التي تعيش في كنف النظام السياسي القائم بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، في حين بقيت أكثرية المجتمعات العربية عرضة لتفاقم ظاهرة الفقر والبطالة. في مقابل ذلك يتوزع الدخل القومي بشكل أكثر عدالة نسبياً في الدول المتطورة. وبالأرقام، ثمة 20في المائة من سكان الوطن العربي يستحوذون على 80% في المائة من الدخل القومي، الأمر الذي يجعل 80 في المائة من السكان تحت خط الفقر المدقع، ويضعف خياراتهم من صحة وتعليم ورفاه اجتماعي. وفي هذا السياق تشير دراسات مختلفة إلى أن معدلات البطالة تتراوح بين في10 المائة كحد أدنى و30 في المائة كحد أعلى في الدول العربية، ويشار إلى أن نصف الإناث العربيات البالغات نحو ربع الإناث المراهقات هنّ من الأميات. كما تشير بحوث متخصصة إلى أن معدل الأمية بين البالغين في الدول العربية بقي في حدود 36 في المائة خلال عامي 2011و2012، في حين سجل مؤشر الأمية بين الشباب العربي بشكل عام نحو 19في المائة . ومن الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية - بسبب السياسات الفاشلة للنظم الرسمية العربية - عدم الاستفادة بالشكل المطلوب من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وثورة المعلومات، وتُعزَى الفجوات الكبيرة في هذا المجال بين الدول العربية والدول المتطورة في دول العالم إلى ارتفاع معدلات الأمية بين الشباب العربي، والتي كان مردها كما أسلفنا إلى سياسات النظم العربية الرسمية، حيث لم تخصص الموازنات الكافية للارتقاء بمستويات التعليم والبحث العلمي. واللافت أيضا أن المؤشرات تزداد سوءاً عند الإشارة إلى ضعف المشاركة السياسية الشعبية في غالبية الدول العربية، فضلاً عن ضعف مشاركة المرأة العربية في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، هذا في وقت أصبحت فيه مشاركة المرأة من المعايير الرئيسية لمستوى التطوّر والتنمية في دول العالم. إذاً المسؤول عن تدني مؤشرات التنمية البشرية في غالبية الدول العربية هو النظم السياسية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة .
وتبقى الإشارة إلى أن الاستمرار في حالة النظم السياسية العربية المترهلة سيؤدي إلى تراجع في المؤشرات الدالة على تطوّر المجتمعات العربية، إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، ويمنع العرب من اللحاق في ركب الحضارة، ومن هنا فإن الدول العربية ستشهد مزيداً من الانتفاضات والثورات الشعبية للمطالبة ببناء مؤسسات ومنظمات اجتماعية حقيقية، فضلا عن المطالبة بالتغيير الشامل وترسيخ مبدأ الديمقراطية وسيادة القانون عوضا عن مبدأ الفردية في الحكم. وبطبيعة الحال فإن انتشار وترسيخ المبدأ المذكور سيهيئ الظروف السانحة لعودة رأس المال المالي العربي المهاجر من جهة، وكذلك ستكون الطريق معبدة لعودة الأدمغة العربية المهاجرة إلى أوطانها، حيث تشير دراسات عديدة إلى وجود خمسة ملايين من العلماء والأكاديميين والباحثين العرب في أوروبا وأميركا.
وبعودة رأس المال المالي والقوى البشرية المهاجرة إلى الدول العربية وتوطينها في الوطن الأم، يمكن التأكيد عندئذ أن ثمة قدرات وطنية حقيقية كامنة ستدفع باتجاه تعزيز وتنمية قدرات الوطن والمواطن العربي، وتالياً تحسين شروط الأداء الاقتصادي لكافة القطاعات الاقتصادية في إطار الاقتصاديات الوطنية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عال من شأنه تعزيز الخيارات للدول والشعوب العربية على حد سواء. وقد تدفع تلك التغيرات إلى أن يتبوأ الوطن العربي مكانة هامة, ويصبح رقماً ليس هامشياً في إطار العلاقات الدولية. فالوطن العربي يزخر بالمصادر الطبيعية والبشرية، فثمة 60 في المائة من احتياطي النفط العالمي موجود في الدول العربية، ناهيك عن قوة بشرية كبيرة يصل مجموعها إلى 370 مليون عربي، ومن بينها نحو 85 مليونا من فئة الشباب الفاعلة في ميادين مختلفة، وهي الفئة الأقدر على تحقيق آمال الشعوب العربية في المستقبل المنظور.
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,668,670

عدد الزوار: 6,960,331

المتواجدون الآن: 65