محاولة لفهم الخصوصية الدرزية - الجنبلاطية... بقلم محمد شرّي

تاريخ الإضافة الخميس 20 آب 2009 - 7:17 ص    عدد الزيارات 652    التعليقات 0

        

يشكل النائب وليد جنبلاط ظاهرة لبنانية خاصة ومميزة ويحلو للبنانيين عموماً، من غير الدروز بالطبع، أن ينتقدوا ويتهكموا على تقلباته الحادة غير المستقرة. ويسهب العديد منهم في تحليل هذه الشخصية وتعقيداتها الشخصية والسياسية والتاريخية، ويتعجبون من قدرة هذا الزعيم على التحكم بجمهوره وحزبه وطائفته التي تدور معه كيفما دار.
لكن قليلاً أو نادراً ما نجد لبنانياً من غير الدروز يحاول تفسير هذا الواقع الجنبلاطي الدرزي، وتحديد ماهية الخصوصية الدرزية التي يتحدث عنها وليد جنبلاط، مطالباً الاطراف اللبنانية المختلفة بمراعاتها وتفهمها. وقد رد البعض على منطق الخصوصية الدرزية بمنطق أن لكل الطوائف اللبنانية خصوصياتها، وهذا صحيح، لكن يبقى للطائفة الدرزية خصوصية من نوع خاص تميزها عن سائر الطوائف والمذاهب والاقليات الاخرى في لبنان.
ما هي عناصر هذه الخصوصية الدرزية التي أضيفت اليها في العقود الاخيرة خصوصية جنبلاطية عبّر عنها بامتياز الزعيم الراحل كمال جنبلاط واليوم يعيد التعبير عنها وليد جنبلاط.
كان كمال جنبلاط باعتراف الخصوم قبل الاصدقاء شخصية استثنائية فذّة تجاوزت في آفاقها وأفكارها الحدود اللبنانية والعربية. وكان قياساً بأقرانه من السياسيين اللبنانيين التقليديين من الطوائف الاخرى، من مستوى آخر، صاحب فلسفة وسلوك وفكر انساني. تجاوز في علاقاته واتصالاته لبنان والعالم العربي، وكان رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية بلغت أوجها بتزعمه الحركة الوطنية اللبنانية وتحالفه مع ياسر عرفات وبنائه علاقات تحالف مع قوى عظمى على رأسها الاتحاد السوفياتي، ودول مركزية ومحورية في المنطقة والعالم.
مع كل هذه الميزات الشخصية والسياسية كان كمال جنبلاط في وطنه لبنان لا يجد له مكاناً في الصف الاول ولا في الصف الثاني، فهو، أياً كان شأنه ومكانته، في نهاية المطاف درزي لا مكان له بين صفوف الرؤساء، وسقف طموحه لا يتجاوز منصب وزير، وغالباً وزير من الدرجة الثانية، وهو محكوم بأن يكون مرؤوساً لشخصيات لا يرى أنها تستحق أن يقف خلفها لمجرد كونها مارونية أو سنيّة أو شيعية.
هذه العقدة الجنبلاطية تتجدد اليوم مع وليد جنبلاط الزعيم الفعلي والمحرك الاساس لـ"ثورة الارز" باعتراف كل أركانها ورموزها. ما كان لفريق 14 آذار أن يقوم لولا وليد جنبلاط. احتضن سعد الحريري وكان أول من وقف الى جانبه بعد مقتل أبيه، ودعمه في اللحظات الصعبة ليقف على قدميه. تصالح مع أعدائه الالداء القوات اللبنانية وأعادهم الى الجبل ومنحهم التمثيل السياسي في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء. لكن كل ذلك لم يشفع لوليد جنبلاط وما كان ليُصرف في النظام السياسي اللبناني الطائفي. قدر وليد جنبلاط انه درزي لا مكان له في الصفوف الاولى الرسمية.
وليد جنبلاط السياسي المثقف المقاتل الزعيم، كما كان قدر والده في نهاية المطاف، أن يكون مرؤوساً لا رئيساً، وعند أي استحقاق حكومي يعود وليد جنبلاط الى حجمه الدرزي لا يستطيع أن يمون حتى على وزارة خدمات من مستوى وزارة الاشغال، أما الوزارات السيادية فلا مكان له فيها. من الطبيعي أن يتقبل وليد جنبلاط زعامة رجل بحجم رفيق الحريري، لكن اليس من الصعب على وليد جنبلاط أن يتقبل زعامة سعد الحريري؟ أليس من الصعب أن يتقبل وليد جنبلاط أفضلية سمير جعجع عليه في الوزارة لمجرد كونه مارونياً؟
لقد غامر وليد جنبلاط بحياته وحزبه وطائفته وذهب بعيداً في العداء لسوريا، وكان رأس الحربة في مشروع الرابع عشر من آذار لكن في نهاية المطاف وعند التسويات الكبرى ما هي حصة وليد جنبلاط؟ لا شيء، سيبقى وليد جنبلاط في الصفوف الخلفية ولعل هذا ما يفسر انزعاجه من مشهد الرؤساء الاربعة في عيد الجيش، فيما يبقى وعد مجلس الشيوخ، ورئاسته وقد أقره اتفاق الطائف، حبراً على ورق. من حق وليد جنبلاط أن يشعر بالمرارة من حلفائه في 14 آذار. فهم ألزموه بالتنازل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية لمصلحة القوات اللبنانية، ثم ألزموه بالتنازل في الانتخابات النيابية الاخيرة للقوات والكتائب والاحرار وقلّصوا عدد كتلته النيابية بمنطق أن المسيحيين المؤيدين لوليد جنبلاط لا يمثلون المسيحيين كما عبر عن ذلك نواب القوات اللبنانية والكتائب.
هذه العقدة الجنبلاطية ليست هامشية كما يظن البعض بل هي جوهرية، فالدرزي مهما كان عبقرياً مكانه في الصف الرابع، ليس في مواقع السلطة السياسية فقط بل في كل مواقع الادارة العليا، وأجهزة الأمن الكبرى، وحتى في السلك الديبلوماسي حيث هناك عواصم درجة أولى للطوائف المصنفة أولى وأخرى درجات متفاوتة للطوائف المصنفة ثانية وثالثة ورابعة.
وقد يُرد على هذه الخصوصية بأنها ليست خصوصية درزية بل هي الصيغة اللبنانية، وهناك كثيرون يشاركون الدروز هذا الوضع، وهو ما يشمل كل الطوائف والمذاهب من غير الموارنة والسنّة والشيعة.
لكن هناك ما يميز الدروز عن كل هؤلاء فالدروز لا يمكن أن يكونوا مثل الطائفة الارمنية او الروم الارثوذكس او سائر الاقليات والمذاهب الاخرى. ما هي عناصر هذه الخصوصية الدرزية:
 

1- الخصوصية التاريخية

الدروز هم الطائفة الكيانية الاولى في لبنان قبل نشوء لبنان الكبير، وقد إعتادوا أن يحكموا هذا الجبل على مدى عقود وعقود من الزمن، كانت فيها الكلمة والسيطرة والامرة لهم ولامرائهم.



2- الخصوصية الجغرافية

الدروز هم الطائفة الوحيدة المقيمة بكاملها في الريف الجبلي. ليس لهم أي حضور مديني في أي مدينة ولم يشكلوا حتى شبه مدينة كما هي حال سائر الطوائف والمذاهب وما يعنيه ذلك من اعراف وتقاليد ونمط عيش كما انهم غير منتشرين في الجغرافيا اللبنانية كما هي حال الطوائف الاخرى هم سكان الجبال والريف القاسي وما سيتبعه ذلك من اوضاع اقتصادية صعبة وخدمات متدنية.



3- الخصوصية العددية

الدروز هم اقلية بين مجموعات من الاقليات الكبرى في لبنان والمنطقة، كل الدروز من كل العالم قد يتجاوز عددهم المليون نسمة، ليس لهم أي إمتداد خارج لبنان الا بحدود ضيقة في سوريا وفلسطين المحتلة وبالتالي ليسوا كسائر الطوائف والمذاهب التي وان كانت أصغر وأقل من الدروز في لبنان مثل الارمن او الانجيليين او غيرهم الا ان لهؤلاء إمتداداً كبيراً وواسعاً في العالم الخارجي يوفر لهم عناصر الدعم والاحساس بالوجود الفاعل، هذا فيما السنّة والشيعة والارثوذكس والموارنة والكاثوليك لهم امتدادتهم بمئات الملايين من البشر.


من هنا ليس للدروز مرجعيات وروابط دينية درزية فاعلة ومهمة خارج لبنان كما هي حال كل الطوائف الاخرى. ولذلك كانت المرجعيات الاقليمية او الدولية للدروز غير ثابتة وغير مستقرة لأن اساسها سياسي مئة في المئة وليس عقائدياً او دينياً، لذلك تنوعت ارتباطاتهم وعلاقاتهم تبعاً لتنوع وتبدل مواقع القوة في المنطقة والعالم وحاجاتهم الدائمة للارتباط بالاقوياء. ارتبطوا تارة ببريطانيا وأخرى بفرنسا وأخرى بروسيا وأخرى بسوريا وايران وصولاً الى السعودية والولايات المتحدة الاميركية، بينما مرجعيات الطوائف الاخرى في أكثر المراحل ثابتة مستقرة باعتبار ان العلاقة تتجاوز السياسي الى العقائدي والديني، وهو ما يوفر لهذه الطوائف موارد دعم ثابتة سياسية ومالية ومؤسسية وما يفسر ايضاً افتقار الطائفة الدرزية كمؤسسات اهلية علمية او جامعية او خدماتية بحجم ما هي عليه حال الطوائف الاخرى حتى تلك الاصغر من الدروز.


4- الخصوصية العقائدية


مذهب الموحدين الدروز كما هو معلوم مذهب مغلق. فقد اضطر الدروز لكتم عقيدتهم التستر عليها خوفاً من الاضطهاد والتكفير ودفعوا أثماناً باهظة لهذه العقيدة على مدى تاريخهم. ولا يزال هذا الامر عالقاً مسكوتاً عنه دون أن تتم معالجته معالجة نهائية حاسمة لجهة الاقرار لهم بشرعية العقيدة التوحيدية الدرزية. ويكبر هذا الهاجس في زمن الاصوليات وفتاوى التكفير.


لعل مجمل هذه الميزات تفسر ماذا يعني وليد جنبلاط بالخصوصية الدرزية، خصوصية مهجوسة بالخوف والضعف وانعدام الثقة، والقلة وسط أكثريات مختلفة ومتنافسة.


لا مجال عند الدروز لمغامرة غير محسوبة ولمعارك خاسرة فما يخسرونه لا يعوض ولن يعود اليهم ابداً لذلك لا مجال عندهم للانقسام ولا مجال للتردد بالتحول والتبدل لأن المعركة دائماً بالنسبة لهم معركة وجود بخلاف كل الآخرين.


(إعلامي في قناة "المنار") 


"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,058,377

عدد الزوار: 6,750,512

المتواجدون الآن: 102