أين أصبحت الديموقراطية الإسرائيلية ؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 19 آب 2009 - 11:40 ص    عدد الزيارات 599    التعليقات 0

        

بقلم أنطـوان شلحـت - عكـا.... ( باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار ) 
ركز "مؤشر الديموقراطية الإسرائيلية" للعام 2009، والذي صدر أخيراً عن "المعهد الإسرائيلي للديموقراطية" في القدس، على الاتجاهات والميول والمعتقدات السائدة في صفوف المهاجرين اليهود الجدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وأظهر بحسب رأي القيمين عليه "نزعات مقلقة" كثيرة. وقد سبق أن انعكست، في معظمها، في نتائج الانتخابات الإسرائيلية العامة، التي جرت في 10 شباط الفائت [مثلاً، من خلال التصويت لحزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف الموبوء بكراهية العرب]. وفي طليعة هذه النزعات ارتفاع نسبة الذين يتطلعون إلى ظهور "زعيم قوي" يسدّ مسدّ الهيئات الديموقراطية أو المنتخبة [وقد بلغت 74 بالمئة، وبلغت نسبتهم بين السكان اليهود عمومًا 61 في المئة!]، وارتفاع نسبة الذين يعتقدون أنه يجب تحفيز المواطنين العرب على الهجرة من البلد [وقد بلغت 77 في المئة، في حين أن نسبتهم بين السكان اليهود عموماً هي 50 في المئة].
كذلك ثمة تركيز على موضوع الاندماج الاقتصادي - الاجتماعي للمهاجرين اليهود المذكورين في المجتمع الإسرائيلي. وقد تبيّن في هذا الشأن أن اندماج هؤلاء في الاقتصاد الإسرائيلي بقي جزئياً للغايـة. وينسحب ذلك أيضًا على فئات المهاجرين الشباب أبناء 31 - 40 عاماً. كما تبين أن الهوة الاجتماعية بين هؤلاء المهاجرين وبين سائر السكان اليهود في إسرائيل لا تزال كبيرة جدًا. وتتميز مواقف ثلث السكان اليهود الإشكينـاز القدامى بالسلبية التامة إزاء المهاجرين الجدد، وترتفع نسبة المواقف السلبية في صفوف اليهود الشرقيين والمتدينين المتشددين [الحريديـم]. ويخلص المؤشر إلى نتيجة رئيسة فحواها أنه على الرغم من مرور عشرين عامًا على الهجرة اليهودية من دول الاتحاد السوفياتي السابق، في أواخر ثمانينات القرن الفائت، إلا أن المسافة بينهم وبين الاندماج في المجتمع الإسرائيلي لا تزال نائية كثيراً.
وبطبيعة الحال فإن الصيرورة الاقتصادية- الاجتماعية لهؤلاء المهاجرين اليهود تؤثر، إلى حدّ كبير، في مواقفهم إزاء الواقع الراهن وإزاء المستقبل على حدّ سواء. فقد أعرب نحو 50 في المئة من المهاجرين الشباب عن عدم رغبتهم باستمرار العيش في إسرائيل [في حين أن نسبة الشباب اليهود الذين أعربوا عن رغبتهم باستمرار العيش في إسرائيل لدى الفئات الأخرى بلغت 80 في المئة، وسجلت ارتفاعًا طفيفًا مقارنة بنسب الأعوام القليلة الفائتة]. وقال 28 في المئة فقط من المهاجرين الجدد أبناء 31- 40 عامًا إنهم متأكدون من رغبتهم في إنشاء أسر في إسرائيل، في حين أن نسبة المتأكدين من هذه الرغبة نفسها لدى الفئة العمرية ذاتها في صفوف الفئات اليهودية الأخرى بلغت 80 في المئة. ولدى تفصيل الأسباب التي تحدو اليهود الإسرائيليين إلى ترك البلد، تبين أن العوامل الاقتصادية تحتل المرتبة الأولى لدى الفئات الأخيرة، وتليها العوامل الأمنية في المرتبة الثانية. أمّا المهاجرون الجدد فيؤكدون أن العوامل الأمنية هي التي تقف، أساساً، وراء الرغبة العارمة في ترك البلد.
وشمل "مؤشر الديموقراطية" ذاته معطيات أخرى تتعلق بحال الديموقراطية في إسرائيل مقارنة بسائر الدول الديموقراطية في العالم، وذلك على غرار المؤشرات السابقة. وكان أبرز هذه المعطيات هو انخفاض تدريج إسرائيل، المنخفض أصلاً، في مؤشر حرية الصحافة. ولأول مرة سجل المؤشر أن إسرائيل انتقلت من فئة الدول الديموقراطية التي تتميز بوجود صحافة حرّة إلى فئة الدول التي تتميز بوجود صحافة شبه حرّة. كما أنها لا تزال تحتل مرتبة متدنية في مؤشرات الفساد، مقارنة بسائر الدول في العالم الغربي. أمّا مرتبتها في المؤشرات الخاصة بالحرية الاقتصادية والمساواة الجندرية [بين الجنسين] فلا تزال بعيدة عن مراتب الدول الديموقراطية العريقة وقريبة من مراتب دول أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية.
ولا شكّ في أن تدهور مكانة إسرائيل في مؤشر حرية الصحافة متأثر بصورة مباشرة، وإلى حدّ كبير، بالرقابة الصارمة التي مورست على عمل وسائل الإعلام الأجنبية والإسرائيلية في إبان حملة "الرصاص المصبوب" العسكرية الإسرائيلية على غزة في نهاية العام الفائت، والتي هدفت أساساً إلى تكريس روايات الناطق العسكري لسير الحملة ووقائعها. وقد توسلت هذه الرقابة استنتاجات لجنة فينوغراد، التي تقصت وقائع "حرب لبنان الثانية" [في صيف 2006] و"الدروس" المستخلصة من تلك الحرب عامة.
وتعليقاً على هذه المعطيات وما سبقها لا بُدّ من إيراد ما يلي:
منذ أول "مؤشر للديموقراطية الإسرائيلية" [ظهر في العام 2003] جرى الخروج باستنتاج فحواه أن إسرائيل، هي في الجوهر، "ديموقراطية شكلية، لم تفلح بعد في أن تكيّف نفسها لمميزات الديموقراطية الجوهرية وفي أن تستبطن القيم والمفاهيم والثقافة الديمووقراطية، ناهيك عن أن وضعيتها في جانب الحقوق مثيرة للقلق".
وعموماً تناول ذلك المؤشر ثلاثة جوانب، يشمل كل جانب منها مجموعة من الخصائص المهمة اللازمة للنظام الديموقراطي، وهي الجانب المؤسسي وجانب الحقوق وجانب الاستقرار. وقد أخضعها للفحص والتمحيص بموجب أكثر من مؤشر، بحيث يشمل البحث في نهاية مطافه واحدًا وثلاثين مؤشرًا حول وضع الديموقراطية الإسرائيلية.
في خصوص جانب الحقوق يلفت المؤشر الأول إلى أن وضع إسرائيل"مثير للقلق"، سواء لدى مقارنته مع الدول الديموقراطية الأخرى المشمولة بالبحث، أو لدى تعقّب خطاه داخل إسرائيل نفسها على مرّ الأعوام. وتقريباً في جميع المؤشرات الفرعية جاء تدريج إسرائيل، من ناحية هذا الجانب، في النصف السفلي من اللائحة. ومثل هذا التدريج هو من مستحقات المستوى المنخفض جداً لحماية حقوق الإنسان، بما فيها حقوق الإنسان الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة [في هذا الموضوع احتلت إسرائيل المكان الأخير سوية مع جنوب أفريقيا والهند]، وأيضاً من مستحقات وجود تمييز سياسي واقتصادي [عنصري] شديد للغاية حيال الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل نفسها، وكون حرية الصحافة متدنية، أقرب إلى الحدّ الذي قد يدفع بإسرائيل نحو تعريفها بأنها "دولة شبه حرّة" بالنسبة لمثيلاتها، فضلا عن أن حرية الدين فيها أقل بكثير مما هي في ديموقراطيات أخرى، بينما نسبة انعدام المساواة الاقتصادية- الاجتماعية فيها هي من أعلى النسب في الدول المعدودة على الديموقراطيات في العالم أجمع.
بناء على ذلك أكد معدو المؤشر أنه لدى مقاربة التطورات داخل إسرائيل خلال العقد الأخير [قبل العام 2003] فإن بضعة مؤشرات قد سجلت تدهوراً ملحوظاً في وضع الديموقراطية الإسرائيلية، بينما في مؤشرات أخرى لم يطرأ أي تحسن يذكر. وهكذا، على سبيل المثال، ثمة تراجع في نسبة المشاركة في الانتخابات، ونطاق الفساد آخذ في الاتساع، وحرية الصحافة تتدهور ونسبة السجناء في الدولة ترتفع باطراد، وعدم المساواة في توزيع المداخيل يتفاقم. القسم الثاني من المؤشر الأول تمثل في استطلاع الديموقراطية، وأخضع للفحص مسائل تجذّر الثقافة الديموقراطية والتكتل الاجتماعي ومفاهيم الجمهور بشأن وضعية الديموقراطية الإسرائيلية. هنا أيضاً أشارت نتائج الاستطلاع إلى حصول تدهور كبير، خلال الأعوام الفائتة، في نسبة تأييد جمهور اليهود في إسرائيل للمعايير الديموقراطية على المستويات كافة، ومنها التأييد العام للطريقة الديموقراطية وتأييد قيم ديموقراطية مخصوصة وتأييد المساواة في الحقوق للأقلية العربية.
ولتجسيد هذا التدهور يكفي أن نشير إلى ما يأتي:
- سجّل الاستطلاع نسبة التأييد الأكثر انخفاضاً خلال الأعوام العشرين الأخيرة للمقولة الذاهبة إلى أن الديموقراطية هي الشكل الأفضل لنظام الحكم.
- نسبة التأييد في إسرائيل عموماً للمقولة الذاهبة إلى أن النظام الديمقراطي هو أمر مرغوب فيه، هي الأكثر انخفاضاً من بين اثنتين وثلاثين دولة ديموقراطية أخرى [مثل هذه النسبة كانت موجودة فقط في بولندا].
- تندرج إسرائيل في عداد الدول الأربع الوحيدة من بين الدول الديمقراطية [سوية مع المكسيك والهند ورومانيا]، التي تعتقد غالبية الجمهور فيها أنه "في إمكان زعماء أقوياء أن يجلبوا منفعة للدولة أكثر من جميع المداولات والقوانين"!
- أكثر من نصف اليهود في إسرائيل [53 في المئة] قالوا على رؤوس الأشهاد إنهم يعارضون منح مساواة كاملة في الحقوق للمواطنين العرب. من ناحية أخرى يعتقد 77 في المئة منهم أنه ينبغي أن تتوافر أكثرية يهودية لاتخاذ قرارات مصيرية للدولة. وأقل من ثلثهم [31 في المئة] يؤيدون ضم أحزاب عربية إلى الحكومة وأكثريتهم [57 في المئة] تعتقد بأنه ينبغي تشجيع هجرة العرب. علاوة على ذلك فإن نصف اليهود في إسرائيل لا يقرّون أن المساواة غير قائمة في التطبيق، ونسبة 49 في المئة منهم لا توافق على أن العرب في إسرائيل يعانون التمييز والإجحاف مقارنة باليهود.
إن الهدف الرئيس من إعادة هذه المعطيات إلى الأذهـان هو التوكيد على أن الذين يعـزون المواقف الإثنية المتطرفة لدى جمهور المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفياتي السابق، كما تجلّت في مؤشر 2009 الأحدث، إلى خلفياتهم الثقافية أو إلى التنشئة الاجتماعية التي مروا بها في بلدانهم الأصلية ذات النظم الشمولية، ينأون بأنفسهم عن القراءة الحقيقية للواقع الإسرائيلي إلى جهة التفسير التبسيطي، ذلك أن التربة الإسرائيلية "خصبة" بما يكفي من "أسمدة طبيعية" كي تقبل هذه الأفكار الشاطّة، بل كي تتعهّدها بالرعاية أولاً ودائمـا.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,164,584

عدد الزوار: 6,758,297

المتواجدون الآن: 126