روسيا لن تتحالف مع سوريا وإيران لتفجير المنطقة

تاريخ الإضافة الجمعة 29 آب 2008 - 8:41 ص    عدد الزيارات 1249    التعليقات 0

        

عبد الكريم أبو النصر

"أكد مسؤولون أوروبيون لدول عربية بارزة ان معركة القوقاز بين روسيا وجورجيا لن تمتد الى منطقة الشرق الاوسط ولن تشكل عاملا مفجرا لقلب موازين القوى او لزعزعة الامن والاستقرار في ساحاتها الرئيسية. وشدد المسؤولون الاوروبيون، استنادا الى معلوماتهم ونتائج اتصالاتهم مع المسؤولين الروس، على ان القيادة الروسية خاضت في القوقاز حربا هجومية محدودة لاهداف دفاعية من وجهة نظرها، ومن اجل حماية ما تسميه منطقة نفوذها المباشر، لكن القيادة الروسية ليست لديها استراتيجيا مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة والدول الغربية عموما ومع الدول العربية المعتدلة تعيد الاوضاع الى ما كانت في سنوات الحرب الباردة وتتضمن تراجعا حادا عن سياسات التعاون والتنسيق بين روسيا والغرب في شأن قضايا اقليمية ودولية مختلفة. وحذر المسؤولون الاوروبيون بشكل خاص من ان يخطئ بعض الزعماء العرب والافرقاء اللبنانيون في تقويم ابعاد معركة القوقاز وان يعتمدوا على حسابات غير صحيحة وغير دقيقة فيراهنوا على بروز روسيا جديدة معادية فعلا للغرب ليست هي الحقيقة. كما ان الحسابات والرهانات الخاطئة يمكنها، وفقا للمسؤولين الاوروبيين، ان تضع لبنان ودولا اخرى في المنطقة في دائرة الخطر الشديد".
وهذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس واوضحت ان من الضروري وضع معركة القوقاز في اطارها الصحيح وفي حجمها الحقيقي. واشارت الى ان هذه المعركة انفجرت نتيجة ثلاثة عوامل اساسية هي:
العامل الاول، الخطأ الكبير في الحسابات الذي ارتكبه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي. فقد اكدت مصادر ديبلوماسية غريبة مسؤولة ا ن ادارة الرئيس بوش حذرت ساكاشفيلي رسميا وعلى مدى اسابيع من محاولة "استفزاز روسيا عسكريا من خلال ارسال قواته الى اوسيتيا الجنوبية لاستعادة هذا الاقليم المنفصل الذي تربط معظم سكانه علاقة وثيقة مع موسكو، وضمه الى جورجيا. وخلال اتصالاته مع ساكاشفيلي الذي اراد منذ وصوله الى الرئاسة عام 2004 ان يكون رجل اميركا الاول في القوقاز، شددت ادارة بوش على ان جورجيا "ستخسر عسكريا في اي مواجهة مباشرة مع الروس"، وان اميركا لن ترسل قوات الى القوقاز للدفاع عن جورجيا كما لن تدخل في مواجهة مسلحة مع روسيا. لكن ساكاشفيلي تجاهل هذه التحذيرات الاميركية او انه اساء فهمها، كما فعل صدام حسين لدى غزوه الكويت صيف 1990، وقام بعملية عسكرية في اوسيتيا الجنوبية لضم هذا الاقليم المنفصل الى جورجيا تمهيدا لضم الاقليم الآخر ابخازيا اليها.
واستغلت روسيا هذا العمل فشنت هجوما عسكريا كبيرا على اراضي جورجيا بذريعة حماية اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وذلك في اول عملية حربية من نوعها تقوم بها موسكو ضد دولة مستقلة منذ غزو افغانستان عام 1979.

الاحباط الروسي

العامل الثاني، ان القيادة الروسية تشعر باحباط منذ سنوات في تعاطيها مع اميركا والدول الغربية عموما اذ ترى ان الغرب يعمل على اضعاف نفوذ روسيا ودورها ويتعاطى معها على اساس انها لم تعد دولة عظمى قادرة على التمرد على الغربيين. ويبدي المسؤولون الروس تحديدا انزعاجا كبيرا من مساعي اميركا لتطويقها عسكريا في منطقة نفوذها المباشر، اي في القوقاز وآسيا الوسطى، من خلال تمدد الحلف الاطلسي الى هذه المنطقة ومحاولة ضم جورجيا واوكرانيا الى عضويته بعد ضم دول البلطيق اليه. ويترافق ذلك اعلان استقلال اقليم كوسوفو ذي الغالبية الالبانية، بدعم اميركي – اوروبي وضد رغبة موسكو، وفصل هذا الاقليم عن صربيا ذات العلاقات الوثيقة بروسيا، كما يرافق ذلك توثيق التعاون العسكري بين اميركا وبولونيا وتشيكيا ونشر صواريخ مضادة للصواريخ في اراضيها خلافا لما تريده روسيا. ووفقا لما قاله وزير روسي لمسؤول اوروبي اخيرا: "اذا كان الغرب يريد فعلا اقامة افضل العلاقات مع روسيا فلماذا يعمل على محاصرتها بالحلف الاطلسي؟ بل لماذا تحتفظ الدول الغربية بهذا الحلف بعد سنوات من زوال حلف فرصوفيا نتيجة انهيار الامبراطورية السوفياتية؟"
وقد استغلت القيادة الروسية خطأ ساكاشفيلي واستخدمت القوة الحربية المفرطة ضد جورجيا واحتلت بعض اراضيها ليس من اجل تفجير المواجهة الواسعة مع اميركا والغرب، بل من اجل تأكيد تصميمها الشديد على حماية منطقة نفوذها ووقف التوسع العسكري الغربي فيها وتحديدا من اجل منع ضم جورجيا واوكرانيا الى الحلف الاطلسي. ومما يزيد من اهمية منطقة القوقاز وآسيا الوسطى انها تحتوي على احتياطات نفطية وغازية هائلة، ان جورجيا تشكل ممرا آمنا لنقل كميات من النفط والغاز الى الغرب في معزل عن روسيا.
واكد لنا ديبلوماسي غربي مطلع: "ان القيادة الروسية ستحاول في الفترة المقبلة اطاحة الرئيس ساكاشفيلي الموالي لاميركا كما ستسعى الى اقامة دولة اتحادية تضم جورجيا واوسيتيا الجنوبية وابخازيا تكون خاضعة لموسكو سياسيا وامنيا وبحيث يسيطر الروس آنذاك بشكل كامل على امدادات النفط والغاز من هذه المنطقة الى الدول الغربية. والاعتراف الروسي الرسمي هذا الاسبوع باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا جزء من هذا المخطط الذي ستحاول الادارة الاميركية احباطه مع حلفائها".
العامل الثالث، رهان الادارة الاميركية والكثير من الدول الاوروبية على ان روسيا "في حال ضعف مستمر" وانها تحتاج الى الغرب اقتصاديا وماليا وسياسياً ولذلك لن تفعل شيئا لوقف خطط الغرب لتوسيع نطاق نفوذه في المجال العسكري وفي مجالات اخرى، في القوقاز وآسيا الوسطى والدول الاخرى التي كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفياتي. لكن العملية الحربية الروسية ضد جورجيا اثبتت خطأ هذا الرهان الاميركي – الاوروبي. والسؤال الآن هو: هل ستظل اميركا مصممة مع حلفائها على توسيع نطاق نفوذ الحلف الاطلسي الى الدول المجاورة لروسيا مما يشكل، في نظر موسكو، تجاوزا لـ"خطر احمر"، ام ان ازمة القوقاز ستدفع الاميركيين وحلفاءهم الى اعادة النظر في استراتيجيا "تطويق" روسيا عسكريا والعمل بدلا من ذلك على بناء علاقات سلمية على اسس جديدة ومتوازنة مع روسيا تؤمن لها موقعا افضل في النظام الدولي؟

تياران في القيادة الروسية

السؤال الآخر المهم هو: الى اين ستتجه روسيا. وكيف ستتعامل مع الدول الغربية عموما ومع قضايا الشرق الاوسط بالتحديد بعد معركة القوقاز؟
المعلومات التي تملكها مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع على هذه القضية تكشف الامور الاساسية الآتية:
اولا، يخطئ الرئيس بشار الاسد إذ يعتقد مع حلفائه ان روسيا تريد القطيعة مع اميركا والغرب وتجد مصلحة في ذلك وانها ستعمل بالتالي على تشكيل تحالف دولي – اقليمي جديد مع القوى المتشددة في الشرق الاوسط وفي ساحات اخرى من اجل الدخول في مواجهة مع الدول الغربية ومع القوى المعتدلة. فقد استخدمت روسيا قوتها العسكرية في منطقة نفوذها المباشر لكنها ليست راغبة اطلاقا في استخدام قوتها العسكرية في مناطق اخرى في اطار صراع جديد مع الغرب وحلفائه. فروسيا تملك القدرة على تعقيد الاوضاع او تفجير الازمات هنا وهناك، ولكن ليست لديها الامكانات الكافية لخوض حرب باردة – ساخنة جديدة وطويلة مع اميركا وحلفائها وفي ساحات مختلفة. وهي حرب لن تخرج منها منتصرة بل قد تعيدها سنوات الى الوراء وتجعلها تفقد الكثير من المكاسب التي حققتها نتيجة انفتاحها على العالم الغربي.
ثانيا، المعلومات التي يملكها الاميركيون والفرنسيون تؤكد ان روسيا ليست لديها استراتيجيا مواجهة شاملة مع اميركا والغرب تشمل ساحات عدة منها الشرق الاوسط، وتؤكد كذلك ان روسيا ليست راغبة في العمل على اسقاط النظام الدولي القائم حاليا بكل مقوماته ومؤسساته وقواعده. ولكن في المقابل من الضروري التأكيد ان العلاقات بين روسيا واميركا والدول الغربية عموما ستشهد في الاشهر المقبلة، والى ان تستقر على اسس جديدة، مرحلة من التأزم والتوتر والتجاذب تؤدي الى الدخول في مفاوضات صعبة حول قضايا عدة اقليمية ودولية. وستحاول روسيا خلال تلك المرحلة استغلال هذه القضية الاقليمية او الدولية من اجل محاولة تحقيق مكاسب لها في منطقة نفوذها المباشر وتقليص قدرة الحلف الاطلسي على التمدد والتوسع في اتجاهها.
ثالثا، تؤكد معلومات باريس وواشنطن ان ثمة تجاذبا داخل القياد الروسية بين تيارين بارزين، الاول متشدد في تعاطيه مع الغرب ويقوده الرجل القوي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الحالي، والثاني اكثر مرونة وانفتاحا في التعاطي مع الغرب ويقوده الرئيس ديمتري ميدفيديف. وقد يكون هذا التجاذب مجرد توزيع ادوار بين بوتين وميدفيديف لكن الاكيد ان الاثنين حريصان على عدم قطع جسور الحوار وعلى عدم وقف التعاون مع الغرب وان تكن لكل منهما شروطه وتصوراته للعلاقة الجديدة التي يريدان اقامتها مع الدول الغربية.
رابعا، المعلومات التي تملكها باريس وواشنطن تؤكد ان روسيا لن تبدل سياستها ومواقفها الاساسية حيال قضايا الشرق الاوسط، ولن تنسف قواعد اللعبة في هذه المنطقة، كما ان روسيا ليست لديها اي نية للتحالف مع المحور السوري – الايراني او للدخول في مغامرات عسكرية الى جانب الايرانيين والسوريين ضد الاميركيين والاوروبيين، بل انها ستواصل العمل مع الدول الكبرى لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي ولمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل ولمكافحة الارهاب.
ولذلك ترفض روسيا تزويد سوريا اسلحة هجومية متطورة قد تبدل موازين القوى وتفجر حربا بين السوريين والاسرائيليين وهي حرب ستضع القيادة الروسية في مأزق اذ انها ليست راغبة في التدخل عسكريا الى جانب سوريا او في تأمين حماية عسكرية لها. كما ان اميركا لم تتدخل عسكريا الى جانب جورجيا. وروسيا ترفض تشجيع "حزب الله" و"حماس" على تصعيد القتال ضد اسرائيل بل تريد مواصلة دعم الحل السلمي للنزاع العربي – الاسرائيلي بجوانبه المختلفة والقيام بدور سلمي في هذا المجال، وهي تريد كذلك مواصلة دعم تطبيق قرارات مجلس الامن المتعلقة بلبنان وفلسطين والعراق وايران والاستمرار في مساندة استقلال لبنان وسيادته ودعم عمل المحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى. وروسيا حريصة كذلك على تعزيز علاقاتها في مختلف المجالات مع الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية ومصر والاردن.
هذه المعلومات قد تثير خيبة امل الذين يراهنون في المنطقة على بروز روسيا جديدة متشددة ومعادية للغرب وللعرب المعتدلين. لكن هذه هي الحقيقة التي ستتضح اكثر فاكثر في المرحلة المقبلة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,157,558

عدد الزوار: 6,757,798

المتواجدون الآن: 139