أوطان المنقسمين

تاريخ الإضافة الأربعاء 12 آب 2009 - 2:29 م    عدد الزيارات 593    التعليقات 0

        

راجح الخوري..
مرة جديدة يقرأ المواطن العربي أخبار القصف الاسرائيلي على أنفاق غزة جنباً الى جنب مع أخبار "القصف" الفلسطيني المتبادل بالاتهامات بين "فتح" و"حماس"!
لا ندري ما حاجة العدو الوحشي الى المضي في الإغارة على غزة التي سبق ان أحرقها بالفوسفور الأبيض، اذا كان الاخوة الفلسطينيون الألداء قد انخرطوا في حرب داحس والغبراء التي ستدمر قضيتهم وتفتت ما تبقى من الالتزام العربي حيال هذه القضية، وتوفر بالتالي على القتلة في تل أبيب عناء المضي في العدوان والتوسع لإنهاء المسألة الفلسطينية.
ليست المأساة ان تهب تلك العاصفة من التراشق بالاتهامات بين "دولة غزة" و"دولة رام الله" على هامش انعقاد المؤتمر السادس لحركة "فتح" في مدينة بيت لحم، حيث اتهمت "فتح" "حماس" بمنع اعضائها في قطاع غزة من الخروج للمشاركة في المؤتمر، في وقت سمحت فيه اسرائيل بدخول الاعضاء القادمين من الاردن وسوريا ولبنان ودول أخرى، بينما ردت "حماس" مكذبة هذا الاتهام.
المأساة ان تهب عاصفة من الاتهامات المتبادلة بين الحركتين، انطلاقاً من الحديث عن الاعتقالات والسجون والتعذيب، الذي قيل ان اعضاء من "فتح" يلقونه في غزة واعضاء من "حماس" يلقونه في الضفة الغربية.
أكثر من هذا، المأساة ان الاتهامات تقول ان سجناء ماتوا تحت التعذيب، في حين يتوارى الحديث عن السجناء الفلسطينيين الذين ماتوا في سجون العدو الاسرائيلي بسبب التعذيب. وتجيء هذه الاتهامات في سياق متصل من بيانات الاتهام المتبادل، عن سباق في التصفيات لعناصر هنا او هناك، وعن اعتقالات كيفية، وعن اكتشاف "شبكات تجسس وتخريب" هكذا بالحرف، ولكأن ما بين غزة والضفة من العداء يتقدم على ما بين الفلسطينيين وكلهم ضحايا في النهاية، والجلاد الاسرائيلي!
ربما لشدة اليأس والاحباط عند الفلسطينيين والعرب، لن يجد كلام من هذا النوع اي صدى. فقد وصلنا الى زمن اللعنة حيث تنهش المأساة في جسد المأساة، وهو ما يدمي قلوب الكثيرين، ويقض مضاجع الاخيار، ويؤلم مشاعر الذين حملوا هموم القضية الفلسطينية دائماً في دعوتهم الى وحدة الصف الفلسطيني، والى تضامن الأمة العربية دعماً للقضية. ولكن لا العرب تضامنوا كما يجب وقد غرّبوا وشرّقوا، ولا الفلسطينيون توحدوا، وهم يقتتلون ويسفكون دماء بعضهم بعضاً بسبب الخلاف على طموح بات اشبه بالسراب المبتعد.
لقد انعقد مؤتمر فتح وسط جدال مؤلم، بقي محصوراً بين غزة والضفة. ولم يحظ بأي اهتمام عربي ملحوظ، وهذا ما يؤكد تراجع القضية في أولويات العرب. ولكن الكلام الجوهري جاء تكراراً الى كل الفلسطينيين عبر "فتح" ومؤتمرها والرئيس محمود عباس، من خلال رسالة خادم الحرمين الشريفين الى المؤتمر وفيها خلاصة من كلمات عدة تتقدم في اهميتها وواقعيتها على اطنان الحبر والورق والخطب والتصريحات التي خرجت من مؤتمر بيت لحم:
"لو اجمع العالم كله على اقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولو حشد لها كل وسائل الدعم والمساندة، لما قامت هذه الدولة والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شيعاً وطوائف".
هكذا اختار الملك عبد الله ان يخاطب الفلسطينيين جميعاً عبر مؤتمر "فتح". وهكذا تجاوز كل الامتعاض والاستياء من النكول بـ"اتفاق مكة" الذي سبق ان رعاه بين "فتح" و"حماس" وانتهى يومها بمصالحة الاشقاء المتخاصمين وقد حرص على جمعهم في البيت الحرام.
واذا كانت قوى اقليمية وعربية دخلت على الخط فخرّبت المصالحة وشجعت الانقسام الفلسطيني ودفعته الى مستوى الصراع الدموي، بعد انقلاب "حماس" في غزة، فإن ما يسببه هذا الجرح الآن من الالم والاستياء لم يمنع الملك عبد الله من توجيه رسالته، وقد استحلف فيها الفلسطينيين جميعاً بالله: "بان يكون ايمانكم أكبر من جراحكم، ووطنيتكم أعلى من صغائركم، وان توحدوا الصف وترأبوا الصدع(...)، لأن ما يحدث في فلسطين صراع مروع بين الاشقاء وقد انقسموا فريقين يكيل كل منهما التهم للآخر ويتربص به الدوائر (...). وان العدو المتكبر المجرم لم يستطع ان يلحق من الاذى بالقضية الفلسطينية ما ألحقه الفلسطينيون بقضيتهم من أذى في اشهر قليلة".
ولكن العبرة في ان يتعظ الفلسطينيون وان يسألوا انفسهم في غزة والضفة وكل مكان:
على ماذا نحن نتقاتل؟ ولماذا ننتحر ونحن نركض وراء حلم فلسطين الذي كلما تقاتلنا ابتعد وصار سرابا؟
والمأساة ان ليس هناك من يقف ليتساءل بل ليذيع مزيداً من بيانات العداء والكراهية. وفي اي حال ان رسالة خادم الحرمين الشريفين الى الفلسطينيين تشكل نموذجاً يمكن لا بل يجب تعميمه على معظم الدول العربية، وفي مقدمها لبنان، حيث يشل الانقسام الوطن منذ اعوام.
ثم ان هناك في كثير من الدول العربية جمراً تحت رماد الواقع المهتز، يستدعي تذكر قول الرسالة: "لو اجمع العالم على الدولة لما قامت وبيتكم منقسم".
وهذا يمكن ان يعني ضمناً: لو اجمع العالم على انقسامكم لما تمكن وانتم دولة فعلاً!

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,651,292

عدد الزوار: 6,906,729

المتواجدون الآن: 103