الشباب الفلسطيني في لبنان: واقع مأزوم ومستقبل مجهول

تاريخ الإضافة الأربعاء 5 آب 2009 - 10:18 ص    عدد الزيارات 691    التعليقات 0

        

هيثم ابو الغزلان.... (كاتب فلسطيني)
تتصارع لدى الشباب الفلسطيني في مخيمات لبنان «القناعة» و«الطموح». والرؤية الصائبة الأقرب إلى الواقع تشير إلى أن «القناعة المتدنية» لديهم قد تغلبت على «الطموح» و«المثابرة». فالأوضاع القاسية التي يعيشها هؤلاء تجعل المستقبل المتداخل فيه السياسي والاجتماعي والاقتصادي ينحو باتجاه رسم صورة قاتمة إذا لم يسع ويحاول جميع المعنيين التعاون لتغييرها...
شكلت المخيمات منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة خزان الثورة والحاضن لها في كل المراحل التي مرت بها تلك الثورة: «تشكيل خلايا حركة القومين العرب، إرسال المتطوعين لمواقع الثورة المتقدمة بأغوار الأردن، احتضان الثورة بعد مغادرتها الأردن مروراً بالحرب الأهلية اللبنانية، وحرب المخيمات..»، لكن، ما زالت العيون شاخصة باتجاه العودة والتحرير رغم كل الآلام...
فالشباب الفلسطيني يتحمل العبء الأكبر في الصراع ضد الكيان الصهيوني من خلال المواجهة المباشرة مع الصهاينة، حيث تشكلت الفصائل الرئيسية وأطر المقاومة من قيادات شابة حملت منذ صغرها همها الوطني، وأخذت على عاتقها خوض وقيادة معركة التحرير والحرية.
ولعب الشباب الفلسطيني دوراً بارزاً في الحركة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسها، فكان الاتحاد العام لطلبة فلسطين أحد أول وأهم المؤسسات الوطنية والنقابية التي تأسست في الخمسينيات من القرن المنصرم. ولعب هؤلاء كذلك دوراً رئيساً في الانتفاضة الأولى، وفي انتفاضة الأقصى الثانية.
لكن الشباب الفلسطيني في لبنان يمرّ بأوضاع مأسوية تجعله على مفرق طرق صعب وخطر في الآن نفسه، فالظروف الاقتصادية صعبة تجعله لا يستطيع إكمال مسيرته التعليمية، وإن استطاع وتغلّب على ظروفه الصعبة فإن المستقبل مجهول من حيث عدم توافر فرص العمل والظروف الصعبة التي تواجهه... والبعض منهم يسعى لتفجير مكنوناته بحيث يوجهها نحو ما يفيده والمجتمع «كالقراءة، الكتابة، الإنترنت...»، ويواصلون في الوقت نفسه بناء أنفسهم علّهم يلتقطون فرصة هنا أو هناك، فيجدون فيها أنفسهم، ويشقّون فيها طريقهم. وبعض يغرق في همومه الذاتية حتى الكآبة وبعض الأحيان العدوانية تجاه نفسه والآخرين.
ولعلّ الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطيني، تتفاقم بشكل خاص مع شريحة المتخرجين الذين لا يجدون عملاً، فالكثيرون من الفلسطينيين تخرّجوا أطباء أو مهندسين أو محامين إلا أنهم لم يجدوا عملاً لفترة طويلة ما أوصلهم إلى خيارين اثنين: إمّا أن يبقى أحدهم عاطلاً عن العمل وعالة على أهله، وإمّا أن ينسى شهادته، ويعمل في مجال آخر بائعاً للخضار أو سائقاً لتاكسي...
والشباب شريحة اجتماعية متنوعة لا يمكن التعامل معها إلا من خلال تنوعها وخصوصيتها فهي متباينة في العديد من النقاط الرئيسية التي تنعكس مباشرة على سلوكاتها وتطلعاتها، فالمستوى العلمي والسكن وطبيعة العمل والوضع الاجتماعي والاقتصادي ....الخ، عوامل حاسمة لا بد من التوقف أمامها بكثير من التدقيق.
... الفقر سيد المكان يدفع بالعديد منهم مبكرا نحو العمل (ظاهرة عمالة الأطفال) أو التسرب من المدارس ومقاعد العاطلين عن العمل فترتفع نسبة التسرب من المدارس في المرحلة الثانوية إلى نحو 40% من عدد الطلاب في ظل غياب شبه كامل لكل المرجعيات السياسية والاجتماعية والشعبية، لا شيء يجمع بين مختلف أطيافهم وفئاتهم سوى حب البقاء والقوانين اللبنانية الجائرة والتمسك بقوة بكل أشكال الكرامة والكبرياء.
الاستقلالية تبدأ بالظهور في بداية المرحلة المتوسطة فمعظم من يرتاد المدارس من الأولاد يفكر في تأمين مهنة تساعد على إعانة الأهل وتوفير مستلزمات الحياة، أما البنات فمواصلة التعلم الوسيلة شبه الوحيدة تقريبا للخروج من قمقم الحارة والبيت نحو العالم الآخر والمختلف. أما القاطنون منهم خارج المخيم فإثبات الذات سيد الموقف وغالبيتهم يسعون للتمايز هروباً من عقدة اللاجئ والبطاقة الزرقاء.
وعن نسبة الفقر في صفوف اللاجئين في لبنان، فقد وصلت النسبة إلى أن 80% من الفلسطينيين يعيشون دون خط الفقر. وبحسب تقرير لليونيسيف فإن 60% من الرجال الفلسطينيين يعملون، و30% من النساء يعملن وغالبية هؤلاء يعملن داخل المخيمات الفلسطينية أو على أطرافها.
ويشير المكتب المركزي للإحصاء والمصادر الطبيعية الفلسطيني في تقرير صادر عنه في نهاية أيار (مايو) 2003، إلى أن ربع اللاجئين البالغين فقدوا الأمل بالمستقبل. وبحسب كتاب صادر عن معهد FAFO بعنوان «ماضٍ صعب ومستقبل غامض: الظروف المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان» فإن فرداً من أصل 15 فرداً يعاني من مرض عضوي أو نفسي مزمن، و3 % من اللاجئين مرضى بشكل مزمن...
كما أنه بسبب البطالة باتت معدلات الأمية أكبر في صفوف الفلسطينيين. ويشير المكتب المركزي للإحصاء إلى أن 23 % من الفلسطينيين من عمر 15 عاماً فما فوق هم أميّون، وأنهم أقل تعلماً من اللبنانيين، فبحسب التقرير يوجد 12% من الفلسطينيين أكملوا المرحلة الثانوية من التعليم في مقابل 22% في صفوف اللبنانيين.
وإذا كان هذا هو الواقع السيئ في المخيمات، فإن معالجته يجب أن تعتبر من الأولويات، لأن الاستمرار في هذه الحالة سيجعل الشباب الفلسطينيين خصوصاً، يعانون من هذه الضائقة، وسينعكس ذلك سلباً على نفسياتهم أولاً، وعلى مجتمعهم ثانياً. فاستمرار حالة البطالة المتفشية في صفوف الفلسطينيين وخصوصاً الشباب لها مخاطر عديدة تتمثل بـ:
1 ـ إضعاف القدرة الإنتاجية للفرد في المستقبل.
2 ـ حواجز البطالة تعترض انتقال الشباب من مرحلة المراهقة إلى الرشد والتي تشتمل على إنشاء منزل وتكوين أسرة.
3 ـ تؤدي مستويات بطالة الشباب العالية، بشكل إجمالي لإقصاء من المجتمع ومن الممارسات السياسية الديموقراطية ما قد يسبب حالة اضطراب اجتماعي.
ويشير برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول الدول العربية إلى أن نتائج المسوح التي أجريت في بلدان المنطقة تشير إلى أن نصف الشباب قد يكون مستعداً لأن يُقدم على الهجرة في محاولة للتخلص من الضائقة الاقتصادية والعوامل الاجتماعية الضاغطة. وهذا بدوره ينطبق على الشباب الفلسطيني في المخيمات الذي ما فتئ يسعى إلى الهجرة كلما أتيحت له فرصة لذلك، في محاولة للتخلص من واقعه البائس وتحسين ظروفه وعائلته.
أمام الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطيني، فإنه يجد نفسه أمام خيارين: إما البقاء في ظل أوضاع اقتصادية سيئة، وإما الهجرة إلى بلدان قد يجد فيها عملاً إلا أنه سيخسر الكثير جراء ذلك، هذا بالطبع إذا وُفِّق ولم يقع فريسة لسماسرة قد يأخذون كل ما يملك ويتركونه بدون شيء كما حصل مع كثيرين والشواهد على ذلك لا تحصى. ولدى فئة الشباب عموماً خصائص وسمات، ومشاكل وتطلعات، ولعلّ سمات الشباب الفلسطيني في المخيمات تعبّر بشكل واضح عن مكنونات شخصية مكبوتة وأخرى متفجرة بطريق الخطأ. ونرى هذا التفجر في أحيان كثيرة متوزعاً ما بين القتل، والعنف المدمر، والأفكار المتشددة... ولهذا فإن هذه الفئة الاجتماعية تعاني بشكل مزدوج من مشاكل عديدة ضاغطة لا تخدم هؤلاء الشباب، ولا تبعث على تحقيق طموحاتهم المشروعة. فكثير من هؤلاء يعانون من الإحباط ويسود بينهم شعور عام بالخوف والقلق، ونوعا ما عدم القدرة على التكيف مع المجتمع. ويشير المكتب المركزي للإحصاء في تقرير صادر عنه إلى أن ربع اللاجئين البالغين من الفلسطينيين فقدوا الأمل بالمستقبل.
وهذا بدوره خلق وما زال يخلق أفراداً يعيشون حالة (اتكالية) كبيرة، يضطرهم إلى الالتحاق بالتنظيمات الفلسطينية للحصول على بعض المال لتسديد بعض الاحتياجات، وما أكثرها.
أمام هذا الواقع الذي يحياه الشباب لا بد من وضع بعض المقترحات التي قد تساهم في جعل واقع حياة هؤلاء أفضل، وتجعل من وجودهم أكثر إنتاجية وقدرة على التأقلم مع المجتمع وتدعيم وجوده والارتقاء به عبر:
تنمية وتطوير قدرات الشباب لتأهيلهم للاندماج في مجتمعاتهم، وتعزيز قدرات المندمجين وجعلهم يعملون على خلق واقع أفضل لهم ولشعبهم.
غرس روح الانتماء الحقيقي للوطن وزرع قيم الحب والخير والعدالة في نفوسهم، وتعزيز روح العمل التطوعي لخدمة مجتمعهم وقضيتهم، بدلا من تعزيز روح الفرقة والانقسام الحاد والمصالح الفئوية الضيقة.
تبادل الخبرات والتجارب وتعزيز التواصل بين الشباب الفلسطيني في دول الشتات المختلفة بما يسمح بتبادل المهارات الاجتماعية والتقنية، ويعزز التواصل الاجتماعي بينهم.
العمل على تنظيم مخيمات صيفية توفر للشباب فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم، وتدربهم على حل مشاكلهم بأنفسهم، من خلال تحديد المشكلة/ المشاكل، وأولويات القرار الصائب لذلك، ما يعني خلق قيادات شابة وواعية وقادرة على إنشاء جيل جديد وخلق واقع أفضل، والتطلع لبناء مستقبل زاهر يحيا فيه الفلسطينيون كبقية الشعوب. 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,262,348

عدد الزوار: 6,942,669

المتواجدون الآن: 137