حتى تكون الأمة الإسـلامية منفتحة على العصر ومتغيراته

تاريخ الإضافة الأربعاء 15 تموز 2009 - 10:01 ص    عدد الزيارات 748    التعليقات 0

        

عبد العزيز بن عثمان التويجري ** المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو.
أكد الرئيس التونسي السيد زين العابدين بن عليّ، في الكلمة التي وجهها إلى أعضاء المؤتمر العام العاشر للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو-، على ضرورة توحيد صفوف الأمة الإسلامية وجهودها وتحسين استغلال مواردها الطبيعية والبشرية الهائلة، وأوضح أن الأمة الإسلامية متمثلة بأصولها وخصوصياتها، منفتحة على العصر ومتغيراته، عازمة بإيمان واقتدار، على الاستئثار بالمكانة التي هي جديرة بها في المؤسسات الدولية.
ولاشك أن قضية الانفتاح على العصر ومتغيراته، هي من أهم القضايا التي تشغل النخب السياسية والفكرية والثقافية. ولاشك أيضاً، أن الانفتاح على العصر، هو غير مواكبة العصر؛ لأن المواكبة تعني الانخراط في الموكب، أي محاذاته والسير معه في توازٍ كامل، أما الانفتاح، فهو موقف وحالة يختلفان عن المواكبة، فقد تكون في موقعك حيث أنت، ولكنك لا تنغلق على الذات، وإنما تنفعل بالمحيط وتتكيف مع البيئة وتنفتح على عصرك. وعلى هذا الأساس، يكون الانفتاح على العصر موقفاً موضوعياً وحالة ممكنة، بخلاف مواكبة العصر، فإنها موقف افتراضي وحالة بعيدة الاحتمال، لأسباب كثيرة ولعوامل متداخلة.
إن العصر يتطور من حولنا، والدول المتقدمة في حالة دائمة من التغير الذي لا حدود له، تسير في خط متصاعد، بحيث تتقدم بشكل مطرد على نحو بالغ التعقيد في المجالات كافة، خاصة في ميادين العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وهي الميادين التي لها تأثير مباشر وفاعل في الاقتصاد والسياسة، وفي الفكر والثقافة والآداب والفنون، وفي مختلف شؤون الحياة، بسبب الترابط المحكم القائم بين التفوق في العلوم والتكنولوجيا، وبين جودة التربية وتميّز التعليم. فالتقدم الاقتصادي وانتظام شؤون المجتمعات على منوال متناسق من الحكم الرشيد والإدارة الهادفة والتعليم المنتج، كل ذلك مترابط الحلقات، يندرج ضمن منظومة متكاملة، يتفاعل فيها الفكر والتطبيق والخيال والإبداع في شتى حقول المعرفة. فلا سياسة حكيمة وحكم رشيد في ظل بنيات اقتصادية ضعيفة، ولا تنمية شاملة بدون تعليم جيد، ولا تقدم نحو الأمام من غير امتلاك شروط التفوق والتميز على أعلى المستويات في هذه المجالات جميعاً.
ولذلك فإن الانفتاح على العصر، سبيله التعليم الجيد والعلم المنتج، وهما معاً الأرضية الصلبة للتكنولوجيا الفائقة الجودة التي تحدث تغييراً عميقاً وشاملاً في الحياة الإنسانية. وإلى ذلك فإن الانفتاح عملية تفاعلية، تنبع من الإرادة الذاتية، وتصدر عن الرغبة القوية في الحركة والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الزمن المناسب والحرص على اغتنام الفرص المتاحة، وملاحقة التقدم الإنساني بعد الخروج من الدائرة المنغلقة والانطلاق في الفضاء الرحب الذي ينفتح على آفاق العصر. وهذه الملاحقة تتطلب المعرفة الواسعة بالمتغيرات السريعة، وتلك المعرفة لابد أن تستند إلى الوعي الرشيد بالعوامل التي تؤدي إلى هذه المتغيرات، وإلى الإدراك العميق لمتطلبات التغيير ولدواعيه ولأسبابه التي تتفاعل وتنصهر في بوتقة التحديث الشامل الذي هو المنطلق في عملية التغيير، وعلى جميع المستويات.
إن انفتاح الأمة الإسلامية على العصر يتطلب جملة من الشروط التي ثبتت صحتها وتأكد لزومها للنهوض بالمجتمعات الإنسانية. فقبل أكثر من ثمانية عقود، كانت النخبة من المفكرين العرب والمسلمين تنشغل بسؤال : (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟). وهو سؤال لم يعد مطروحاً اليوم بتلك الصيغة؛ لأن الحقائق وضحت والأسباب كُشِفتْ، وأصبح أغلب الناس يعرف مسؤولياته ويدرك واجباته، إلاَّ من أراد أن يعزل نفسه عن تيار الحياة العامة. وقد أصبح السؤال الجديد الذي يُطرح اليوم، هو معرفة الطريق للانفتاح على العصر، ولفهم المتغيرات المتلاحقة التي تكتنفه. والطريق فيما يقول الحكماء ويذهب إلى ذلك العقلاء، هو العلم والتكنولوجيا والابتكار في المجالات كافة، وإقامة الأسس الثابتة للحكم الرشيد، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، والالتزام بمبادئ الديمقراطية والشورى والاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والتشجيع على البحث العلمي وبذل الجهود واستنفار الطاقات من أجل بناء مجتمع المعرفة الذي هو مجتمع الغد بكل تأكيد.
إن الانفتاح على العصر، يعني بكل بساطة فهم طبيعته، والتفاعل معه، والتعامل مع متغيراته، برؤية شفافة وبعقلية مستنيرة، واقتحام المناطق الصعبة في الحياة العامة، بفكر جديد وبإرادة حازمة، لتجاوز المعوقات ولتذليل الصعاب ولإزالة كل ما من شأنه أن يعوق مسيرة التقدم. والعملية تبدأ من تطوير الفكر من خلال تجديد منظومة التربية والتعليم التي تتشكل منها منظومة القيم، من غير مساس بالثوابت الراسحة والكليات القاطعة والخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية للأمة.
وتلك هي الشروط الحضارية لأن تكون الأمة الإسلامية منفتحة على العصر ومتغيراته، مشاركة في بناء كيانه من موقع التميز والاقتدار.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,234,262

عدد الزوار: 6,941,527

المتواجدون الآن: 128