مطالب ساركوزي من سوريا والأسد من لبنان.. وأربعة عوامل سورية - إيرانية تعرقل إستعادة شبعا

تاريخ الإضافة الجمعة 5 أيلول 2008 - 2:48 م    عدد الزيارات 1348    التعليقات 0

        

عبد الكريم أبو النصر

"العلاقة الجديدة الجيدة التي يريد الرئيس نيكولا ساركوزي اقامتها مع نظام الرئيس بشار الاسد تستند الى ثلاث ركائز اساسية هي الآتية:
اولاً، الحرص على الانفتاح السياسي على سوريا لدورها اللبناني والاقليمي والتعامل معها بتيقظ وحذر مع الحرص على ايجاد علاقة ثلاثية مستمرة فرنسية – لبنانية – سورية لعدم ترك اللبنانيين يواجهون وحدهم السوريين ولمنع نظام الاسد من الهيمنة مجدداً على هذا البلد، ومن التصرف به وبخياراته كما يريد، وبحيث تواصل فرنسا تأمين الحماية مع دول عدة اخرى لاستقلال لبنان وسيادته.
ثانياً، تمسّك فرنسا بضرورة حدوث تطبيع كامل في العلاقات بين لبنان وسوريا يشمل ليس فقط تبادل التمثيل الديبلوماسي والامتناع عن التدخل السوري سلباً في الشؤون اللبنانية، بل يشمل ايضاً ترسيم الحدود بين البلدين وضبطها وتكريس لبنانية منطقة شبعا خطياً ورسمياً لتسهيل استعادتها ووقف نقل الاسلحة وارسالها الى "حزب الله" والى تنظيمات فلسطينية وتسوية ملف المعتقلين والمفقودين والغاء أي علاقة وحدوية وضمان مواصلة عمل المحكمة الدولية.
ثالثاً، التحاور مع نظام الاسد حول لبنان وفقاً لمطالب المجتمع الدولي والمجموعة العربية وليس وفقاً للشروط السورية، ورفض الاكتفاء بالوعود والاصرار على ضرورة قيام سوريا بخطوات واجراءات محددة لتكريس قيام علاقات طبيعية وجيدة وصحية مع لبنان. واي تدهور في الاوضاع اللبنانية سينعكس سلباً على مسار العلاقات بين باريس ودمشق.
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس. واوضحت هذه المصادر ان المشكلة ناتجة من ان نظام الاسد لا يزال يتعامل مع لبنان، بشكل عام، على اساس التوجهات والمفاهيم والاقتناعات السورية القديمة، وهو ما تكشفه المواقف والقرارات والخطوات السورية الآتية:
اولاً، يرفض نظام الاسد التجاوب مع نصائح عربية ودولية تدعوه الى الانفتاح على رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة وتوجيه دعوة رسمية اليه لزيارة دمشق، اذ يرى هذا النظام ان السنيورة هو "رمز العداء اللبناني لسوريا" لانه "عنيد وصب في توجهاته ومواقفه الاستقلالية" وفقاً لديبلوماسي اوروبي مطلع. كما ان نظام الاسد يرفض التعاطي ايجابياً مع قيادات الغالبية ما لم تقدم له الولاء التام وتبدل مواقفها كلياً تجاهه سواء في ما يتعلق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبالمحكمة الدولية او ما يتعلق بمساعيها للحد من النفوذ السوري المؤثر سلباً على استقلال البلد.
ثانياً، يريد نظام الاسد اقامة علاقات تعاون وتنسيق مع الرئيس ميشال سليمان بهدف محاولة تجاوز دور الغالبية النيابية الاستقلالية ومحاولة تكرار تجربة "الحكم الرئاسي الثنائي" السوري – اللبناني التي عرفها لبنان قبل الانسحاب السوري منه والتي تجاوزت في حينه الدولة ومؤسساتها الشرعية. لكن الرئيس سليمان مختلف جوهرياً عن سلفيه اذ انه يتمسك باقامة افضل العلاقات مع سوريا قدر تمسكه برفض التبعية لها وبرفض اعطاء الاولوية لتنفيذ مطالبها وتأمين مصالحها على حساب مصالح اللبنانيين كما كان يحدث خلال سنوات الهيمنة السورية، كما ان سليمان حريص على تعزيز الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية وعلى احترام الدستور، وهو يريد تقوية علاقات لبنان العربية والدولية لتأمين الحماية والحصانة والدعم له في مواجهة اي محاولات للهيمنة عليه سواء من جانب دمشق او طهران او اي جهة اخرى.

الموقف من الاستقلاليين

ثالثاً، كان نظام الاسد، وفقاً لمصادر ديبلوماسية اوروبية مطلعة، يريد تأجيل اتخاذ قرار رسمي بالاعتراف بلبنان وتبادل التمثيل الديبلوماسي معه الى ان يتسلم حلفاؤه السلطة سواء عبر الانتخابات النيابية او عبر وسائل اخرى. لكن نظام الاسد "اضطر" الى اتخاذ هذا القرار لانه من جهة تجاوباً مع مطالب فرنسية وعربية ودولية ملحة، ومن جهة اخرى من اجل ان يكسب الرئيس سليمان الى جانبه ويوثق علاقاته معه. غير ان هذه الخطوة السورية، المهمة سياسياً وديبلوماسياً، تشكل في الواقع، وفقاً للمصادر الاوروبية المطلعة، تغطية لتمسك السوريين بمعاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة مع لبنان عام 1991 وبالمجلس الاعلى السوري – اللبناني الذي انشأ وحدة امر واقع بين البلدين.
رابعاً، يريد نظام الاسد التعاطي مع القضايا العالقة بين البلدين، سواء ما يتعلق بمصير المعاهدة والمجلس الاعلى والاتفاقات الموقعة خلال سنوات الهيمنة او ما يتعلق بترسيم الحدود وضبطها ومنع تهريب السلاح عبرها او ما يتعلق بعقدة منطقة مزارع شبعا وبمشكلة سلاح "حزب الله" وبمصير المفقودين او بسواها من القضايا، يريد النظام السوري التعامل معها من وجهة النظر السورية في الدرجة الاولى ووفقاً للتفسير وللفهم السوري، وهذا ما يتعارض مع ما يريده اللبنانيون بغالبيتهم العظمى ومع الحاجة الى اقامة علاقات جديدة فعلاً على اساس المساواة والندية اذ ان ذلك وحده يضمن تأمين المصالح اللبنانية والسورية بشكل عادل ومتوازن.
خامساً، يحرص نظام الاسد على تحميل اللبنانيين، وخصوصاً الاستقلاليين، مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين متجاهلاً كلياً الاعمال والممارسات والقرارات السورية الخاطئة في حق لبنان، وانطلاقاً من ذلك يربط النظام السوري فعلياً مصير العلاقات مع لبنان وطبيعتها بتغيير السلوك اللبناني حياله، وما يريده فعلاً هو ضبط الاعلام اللبناني ووقف الحملات عليه والانتقادات الموجهة اليه ثم "تجاوز" المحكمة الدولية وكل ما يرتبط بها لاحقاً. وهذا المطلب السوري ليس قابلاً للتحقيق اذ ان المطلوب فعلاً "ليس دفن الحقائق او تجاوزها بل تغيير السلوك السوري السلبي في التعاطي مع لبنان واللبنانيين من اجل اقامة علاقات طبيعية وجيدة فعلاً بين البلدين" وفقاً لما يقوله ديبلوماسي اوروبي بارز معني مباشرة بهذا الملف. وهذا الموقف الحازم تتمسك به فرنسا وسائر الدول المعنية بمصير لبنان.

عقدة شبعا

ولعل التوقف عند قضية شبعا يوضح تماماً حقيقة التصوّر السوري للعلاقات مع لبنان. وقد كشفت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع ان اربعة عوامل اساسية تجعل القيادة السورية ترفض تسهيل مهمة اللبنانيين لاستعادة منطقة شبعا بالوسائل الديبلوماسية، كما تفعل هي في ما يتعلق بالجولان، وترفض بالتالي ترسيم الحدود مع لبنان في شبعا قبل زوال الاحتلال الاسرائيلي عنها او قبل استعادة الجولان، كما تعارض او تبدي تحفظات جدية عن وضع شبعا تحت سلطة الامم المتحدة مؤقتاً كاجراء يسهّل عودتها الى السيادة اللبنانية. وهذه العوامل هي الآتية:
- اولاً، تدرك القيادة السورية تماماً انها هي التي تمسك مفتاح حل مشكلة شبعا بالوسائل الديبلوماسية ولذلك تريد استغلال هذا الواقع والدخول في عملية مساومة ومقايضة في شأنها مع الحكم اللبناني او مع جهات دولية معنية بالامر، وان "تقبض" ثمناً باهظاً لتكريس لبنانية شبعا فتحصل من اللبنانيين في مقابل ذلك على تنالات لمصلحتها سواء في ما يتعلق بالمحكمة الدولية او بالعلاقات الثنائية.
فمنطقة مزارع شبعا هي، رسمياً وفقاً للامم المتحدة والقانون الدولي، ارض سورية ومرتبطة بالجولان وخاضعة بالتالي لاحكام قرار مجلس الامن رقم 242 ويتحدد مصيرها في المفاوضات السورية – الاسرائيلية وليس للبنان اي علاقة بها. ولذلك ليس ممكناً التحرك ديبلوماسياً لمطالبة اسرائيل بالانسحاب من شبعا واعادتها الى السيادة اللبنانية قبل ان توافق الحكومة السورية على توقيع اتفاق رسمي مع الحكومة اللبنانية مرفق بخريطة يكرّس لبنانية هذه المنطقة ويوضح حدودها ثم يتم ارسال هذا الاتفاق الى مجلس الامن لتبدأ الدول الكبرى مساعيها لاعادة هذه الارض الى اللبنانيين. وقد طالبت سائر الدول الغربية والعربية المعنية بمصير لبنان سوريا بالقيام بهذه الخطوة لكن نظام الاسد يرفض ذلك بعناد مما يساعد على استمرار الاحتلال الاسرائيلي لشبعا.
- ثانياً، تريدالقيادة السورية، وبالاتفاق التام مع القيادة الايرانية، المحافظة على "حزب الله" كقوة عسكرية - امنية كبرى تخدم مصالحهما ومخططاتهما، وذلك من خلال دعم تمسك الحزب بسلاحه وبحرية تلقي الامدادات العسكرية وبقرار الحرب والمواجهة مع اسرائيل تحت ذريعة العمل على تحرير منطقة شبعا وما يرتبط بها. واذا ما نجحت الدولة اللبنانية في استعادة شبعا وسائر الارض المحتلة بالوسائل الديبلوماسية وبمساعدة الدول الكبرى، فإن ذلك سيضعف الى حد كبير مبررات احتفاظ "حزب الله" بسلاحه وبقرار الحرب، ويزيد من الضغوط المختلفة على الحزب لكي يتخلى عن سلاحه للجيش وعن قرار الحرب للسلطة الشرعية. وهذا ما يرفضه السوريون والايرانيون كلياً على الاقل قبل ان يحققوا اهدافهم.
- ثالثاً، تريد القيادة السورية، وبالتفاهم التام مع القيادة الايرانية، الاحتفاظ بلبنان كساحة مواجهة ومساومة مفتوحة، وليس لديها اي اهتمام حقيقي بدعم لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة وبتعزيز مؤسساته الشرعية ووحدته الوطنية وصيغة التعايش السلمي فيه، ذلك ان السوريين يحتاجون الى لبنان كساحة مواجهة مفتوحة للضغط عسكرياً على اسرائيل اذا ما دعت الحاجة ومن دون ان تدفع سوريا ثمن المواجهة مع الدولة العبرية بل يدفع اللبنانيون الثمن، كما ان السوريين يحتاجون الى لبنان كساحة مواجهة مفتوحة للمساومة عليها مع سائر الدول المعنية بمصير هذا البلد. كما ان الايرانيين يحتاجون الى لبنان كساحة مواجهة مفتوحة لتفجير الحرب مع اسرائيل بواسطة "حزب الله" في حال تعرضت المنشآت الايرانية لهجمات اسرائيلية او اميركية، او للمساومة على مصير سلاح الحزب في اي مفاوضات محتملة بين ايران والدول الكبرى وابقاء منطقة شبعا تحت الاحتلال يسهل احتفاظ "حزب الله" بسلاحه وبقرار الحرب.
- رابعاً، العامل الرابع الذي يجعل نظام الاسد يمتنع عن تكريس لبنانية شبعا يتمثل في ان هذا النظام يرفض ان يحقق لبنان وحده انجاز استعادة شبعا بالوسائل الديبلوماسية، بل يريد ان تشارك سوريا في هذه العملية وان تتفاوض حول مصير شبعا، وفي الوقت الملائم، مع الاسرائيليين والاميركيين، وبعد ان يكون تم احراز تقدم كبير في عملية التفاوض حول استعادة الجولان. ويريد نظام الاسد، من وراء ذلك، تعزيز نفوذه ونفوذ حلفائه في الساحة اللبنانية، وهو، على هذا الاساس، يفضل "تأجيل"  تحرير شبعا من الاسرائيليين بالوسائل الديبلوماسية ما دام لم يحقق اهدافه الاساسية ولم يصبح طرفاً مباشراً في عملية استعادة هذه الارض اللبنانية.
يمكن القول، باختصار، ان الثابت والمستمر في السياسة السورية حيال لبنان اقوى واهم من المتحول والجديد. فالاعتراف الرسمي بلبنان ليس معناه تقبل استقلال هذا البلد فعلاً، اذ ان نظام الاسد، وبقطع النظر عن التصريحات العلنية وعن بعض الخطوات السياسية والديبلوماسية والرمزية، لا يزال يتعامل مع لبنان على اساس انه يشكل امتداداً حيوياً واستراتيجياً وامنياً لسوريا، وان من الضروري بالتالي استعادته واحتواءه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,680,319

عدد الزوار: 6,908,220

المتواجدون الآن: 113