السعودية وسوريا: خفايا القطيعة وشروط المصالحة.. الأسد خسر الدعم العربي لأسباب لبنانية وإيرانية

تاريخ الإضافة الجمعة 12 أيلول 2008 - 2:20 م    عدد الزيارات 1386    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم ابو النصر

"التأزم الشديد في العلاقات بين القيادة السعودية ونظام الرئيس بشار الاسد يضعف موقع هذا النظام اقليميا ودوليا، اذ انه في الواقع تأزم سوري – عربي، ذلك ان السعودية في موقفها الحازم الرافض سياسات هذا النظام حيال لبنان وفلسطين والعراق وقضايا اقليمية اخرى، تعكس آراء واقتناعات غالبية من الدول العربية المعتدلة المتمتعة بالصدقية في علاقاتها الدولية مما يجعل سوريا تفقد دعم العرب السياسي والديبلوماسي وحمايتهم الضرورية لها في وقت تواجه تحديات وتهديدات مختلفة داخلية وخارجية. ورئاسة سوريا الحالية للقمة العربية لم تبدل هذا الواقع. وباستثناء قطر، ذات الحسابات الاقليمية والايرانية الخاصة بها التي تدفعها الى مساندة سوريا، فليس ثمة دولة عربية واحدة تدعم فعلا وبشكل حقيقي، في اتصالاتها الدولية، مواقف نظام الاسد وسياساته، وتدافع عنها.
ويتبين، على صعيد الحسابات الواقعية، ان علاقات سوريا مع ايران ليست بديلا جديا ملائما من علاقاتها القوية السابقة مع السعودية، اذ ان النظام الايراني يستغل تحالفه مع دمشق لتحقيق اهدافه ومخططاته الخاصة في المنطقة وهي متعارضة مع المصالح الحيوية العربية، بينما شكلت السعودية باستمرار، قبل القطيعة السياسية مع نظام الاسد، مصدر دعم قوي ومتعدد الجانب لسوريا سواء على الصعيد الداخلي او على الصعيدين الاقليمي والدولي".
هذا ما اكدته لنا مصادر سياسية عربية وثيقة الاطلاع. واوضحت ان الازمة بين السعودية وسوريا التي يرفض المسؤولون السعوديون التحدث عنها علنا ومباشرة وبالتفصيل "هي ازمة جدية وعميقة وليست ناتجة من سوء تفاهم عابر بل ان لها اسبابها ومبرراتها الجوهرية اللبنانية والايرانية والفلسطينية والاقليمية، وقد وصلت الى حد انعدام الثقة بالقيادة السورية الحالية وبوعودها وتعهداتها التي لم تف بها، والى حد الاقتناع بان سياسات نظام الاسد وممارساته وتحالفاته تلحق اضرارا بالمصالح العربية الحيوية وبالامن القومي العربي".
وكشفت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وعربية وثيقة الاطلاع على خفايا القطيعة السياسية بين السعودية وسوريا، إن اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في شباط 2005 شكل نقطة التحول، اذ ان هذه العملية الارهابية احدثت صدمة كبيرة للقيادة السعودية وهزت ثقتها بالنظام السوري ووضعت العلاقات بين البلدين على مسار التأزم الشديد للاسباب الاساسية الآتية:
- السبب الاول، ان عملية الاغتيال هذه استهدفت زعيما لبنانيا وعربيا كبيرا مسالما عمل باستمرار من اجل تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في لبنان ومن اجل تحقيق الامن والسلام والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيه، وان السعودية ترفض مع دول عدة اخرى منهج استخدام الاغتيالات السياسية والاعمال الارهابية لمحاولة تحقيق مكاسب او اهداف سياسية.
- السبب الثاني، ان عملية الاغتيال هذه تمت في ظل السيطرة الامنية والسياسية الكاملة للمسؤولين السوريين وحلفائهم على السلطة في لبنان مما يعني انه يستحيل او يصعب جدا ان يتم تنفيذها من دون ان يكون ثمة تورط سوري ما فيها سيحدد التحقيق الدولي حجمه وطبيعته واسماء جميع المشاركين في هذه الجريمة الارهابية.
- السبب الثالث، ان عملية اغتيال الحريري اظهرت لدول عدة معنية بمصير لبنان وتعرف الكثير من الحقائق مدى تصميم نظام الاسد على مواصلة فرض هيمنته على هذا البلد بوسائل الضغط والترهيب والاكراه المختلفة، في الوقت الذي كانت السعودية ودول اخرى تأمل بل تتوقع ان تتخذ القيادة السورية قرارا من جانبها بالتفاهم مع الحكم اللبناني يقضي بالانسحاب الكامل من هذا البلد على اساس انه لم تعد ثمة مبررات حقيقية لتمديد الوجود العسكري والامني السوري في الاراضي اللبنانية.
- السبب الرابع، ان دولا عربية عدة تلقت معلومات من دمشق تفيد ان عملية اغتيال الحريري تستهدف ايضا ضرب الطائفة السنية في لبنان والعمل على اضعافها مما ينعكس سلبا على صيغة العيش المشترك ويفجّر الفتن الطائفية والنزاعات الداخلية في هذا البلد وقد دعمت السعودية باستمرار في لبنان القيادات السنية المعتدلة الحريصة على التعايش المشترك والتعاون الوثيق مع المسيحيين وسائر الطوائف الاخرى، وكان رفيق الحريري رمزا بارزا للزعيم السني المعتدل.
- السبب الخامس، ان السعودية ودولا اخرى عدة معنية بالامر ترفض المفهوم السوري للعلاقة مع لبنان والقائم على اساس ان المصالح السورية الحيوية تتحقق باضعاف لبنان وتقليص دوره وموقعه بحيث تظل سوريا هي المرجعية الاولى التي يجب ان تتعاطى معها سائر الدول المهتمة بمصير الوطن الصغير. بل ترى السعودية ودول عدة اخرى ان مصالح سوريا تتحقق بشكل افضل اذا اقام نظامها علاقات طبيعية سليمة وصحية مع لبنان على اساس المساواة والندية وعدم تدخل اي من البلدين في شؤون الآخر وعلى اساس الاحترام المتبادل الحقيقي لاستقلال البلدين ولمصالحهما الحيوية المشروعة. وقد بدت عملية اغتيال الحريري بمثابة عقاب لزعيم سياسي عمل بكل طاقاته من اجل استقلال لبنان وهو على اقتناع بان هذا الاستقلال ليس عملا عدائيا موجها ضد سوريا.
الاسد حليف التشدد الايراني
واوضح لنا مسؤول عربي بارز ان السعودية تتصرف على اساس ان لديها مسؤولية خاصة حيال لبنان الذي تربطها به علاقات وثيقة وتاريخية قديمة، لانها دولة كبرى تقدر اهمية لبنان كنموذج فريد في المنطقة للتعايش السلمي بين الطوائف، ولانها قامت بدور حاسم لانهاء الحرب الاهلية فيه وتدخلت باستمرار لمصلحة السلام والوفاق والاستقرار في هذا البلد. والسعودية ترفض سياسات نظام الاسد حيال لبنان لانها تتفق مع الغالبية الكبرى من اللبنانيين على الامور الاساسية الآتية:
- اولا، رفض اخضاع لبنان مجددا للهيمنة السورية لان ذلك يتعارض مع حق اللبنانيين المشروع والمعترف به دوليا في الاستقلال والسيادة.
- ثانيا، رفض انهاء لبنان كوطن ورفض استخدامه كورقة مساومة واضعافه كدولة وتحويله ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل ودول اخرى من اجل خدمة المصالح السورية والايرانية.
- ثالثا، رفض استخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي من اجل تحقيق مكاسب سياسية او من اجل ان يفرض حلفاء دمشق شروطهم ومطالبهم بالقوة على الغالبية النيابية والشعبية.
- رابعا، رفض كل الاعمال والممارسات والمواقف التي تفجر الاحتقان الطائفي والفتن بين السنة والشيعة لان ذلك يقضي على السلم الاهلي ويجر البلد الى حرب اهلية تهدد امن المنطقة واستقرارها.
خامسا، التمسك بضرورة تحقيق العدالة في ما يتعلق بجريمة اغتيال الحريري وبجرائم سياسية اخرى تعزيزا للوحدة الوطنية ولاستقلال هذا البلد واستقراره.
ومن العامل اللبناني الى العامل الايراني. فقد اكدت المصادر الديبلوماسية الاوروبية والعربية المطلعة ان طبيعة التحالف القائم بين دمشق وطهران ساهمت كثيرا في توتر العلاقات بين السعودية ونظام الاسد. فما يثير استياء السعودية ودول عربية اخرى ان التحالف السوري – الايراني وانعكاساته على ساحات اقليمية عدة ابرزها لبنان وفلسطين يلحق اضرارا بالمصالح العربية الحيوية ويهدد الامن القومي العربي. ذلك ان نظام الاسد، وفقا لهذه الدول، متحالف مع نظام ايراني متشدد وليس مع نظام ايراني واقعي ومتفهم وحريص على اقامة علاقات جيدة مع الدول العربية، وخصوصا الخليجية. فالنظام الايراني الحالي يعتمد سياسة تتميز بالتصلب والهجومية وبالرغبة في التوسع والهيمنة على المنطقة وفرض المطالب الايرانية على دول الخليج ودول اخرى. والنظام الايراني الحالي مستعد لجر المنطقة الى مواجهة عسكرية مدمرة كبرى من خلال اصراره على مواصلة نشاطاته ومساعيه لامتلاك السلاح النووي، ومن خلال رفضه سائر العروض والاقتراحات التي قدمتها اليه الدول الكبرى للتوصل الى حل سلمي متوازن للمشكلة النووية يحفظ لايران حقها الكامل في امتلاك برنامج نووي سلمي وتطويره وبدعم من هذه الدول الكبرى. كما ان النظام الايراني يساند القوى المتشددة الناشطة في لبنان وفلسطين والعراق وساحات اخرى والمؤمنة باستخدام العنف والسلاح ضد ابناء وطنها لتحقيق مطالبها بالقوة او لاضعاف طوائف معينة مما يهدد الامن والاستقرار في الدول المعنية وفي المنطقة عموما. واستنادا الى تقويم هذه الدول فان نظام الاسد خرج فعلا من الصف العربي وانحاز الى جانب ايران التي تبذل جهودا متنوعة من اجل اضعاف العرب وتفجير الاوضاع في عدد من الساحات الاقليمية لمحاولة تحقيق مصالحها واهدافها على حساب المصالح العربية الحيوية ومن دون احترام خيارات الدول والشعوب العربية.
ضرب الوحدة الفلسطينية
والتأزم بين السعودية وسوريا له ايضا اسبابه الفلسطينية. فقد اكدت لنا المصادر الديبلوماسية العربية المطلعة ان جهات عربية بارزة تملك معلومات دقيقة ومفصلة عن الدور الذي قامت به سوريا بالتعاون مع ايران من اجل اسقاط اتفاق مكة الذي حقق الوحدة الوطنية الفلسطينية ومن اجل دفع حركة "حماس" الى السيطرة بقوة السلاح على قطاع غزة. ووفقا لمسؤول عربي بارز "فان نظام الاسد، واستنادا الى معلوماتنا، يجد مصلحة حيوية في استمرار الانشقاق العميق والحاد بين "حماس" والسلطة الوطنية الفلسطينية، اذ كلما تم احراز تقدم في الجهود المصرية والعربية للتوصل الى صيغة واقعية ومتوازنة لتحقيق المصالحة والتقارب بين هذين الطرفين وتوحيد الصف الفلسطيني، يتدخل السوريون والايرانيون ويحبطون جهود المصالحة هذه. وواقع الحال ان نظام الاسد يتصرف في فلسطين كما يتصرف في لبنان حيث يحرض حلفاءه على استخدام القوة والعنف لمحاولة فرض شروطهم ومطالبهم على القوى الاستقلالية مما يمنع تحقيق مصالحة وطنية جدية بين الافرقاء اللبنانيين وفي فلسطين يشجع نظام الاسد "حماس" على رفض المصالحة المتوازنة مع السلطة الفلسطينية وعلى مواصلة جهودها لاسقاط هذه السلطة، لان الهدف الحقيقي غير المعلن للسوريين والايرانيين هو الامساك بالورقة الفلسطينية والمساومة عليها مع الدول الكبرى".
اضافة الى ذلك كله ثمة انزعاج سعودي من الموقف السوري ازاء قضايا مهمة اخرى كالقضية العراقية ومسألة وجود تعاون سري بين السوريين والجهاديين السعوديين والعرب لتسهيل انتقالهم الى عدد من الدول العربية. واكد لنا المسؤول العربي البارز: “ان لبنان ليس ضحية الخلاف السعودي – السوري كما يحاول حلفاء دمشق الايحاء، بل هو ضحية سياسات نظام الاسد الخاطئة. ويخطئ نظام الاسد اذ يعتقد انه يستطيع تحقيق المصالحة مع السعودية وفقا لشروطه وبما يعزز توجهاته الحالية. ان تحقيق المصالحة الجدية بين السعودية وسوريا يتطلب ان يتخلى نظام الاسد عن سياساته الخاطئة والخطرة الحالية، ويجري تغييرات جذرية في توجهاته حيال قضايا المنطقة بما يساعد على تحقيق مصالح اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين والعرب عموما".
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,089,330

عدد الزوار: 6,752,209

المتواجدون الآن: 99