تحذير اوروبي: تهديد سوري - إيراني لمؤتمر الحوار الوطني مأزق "حزب الله": عاجز عن الحكم وعن تحقيق المكاسب بالقوة

تاريخ الإضافة الجمعة 19 أيلول 2008 - 9:03 ص    عدد الزيارات 1307    التعليقات 0

        

بقلم: عبد الكريم أبو نصر

نجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في رعاية الرئيس ميشال سليمان وبمشاركة جامعة الدول العربية، مرتبط خصوصا بتبني استراتيجيا دفاعية جديدة تطمئن اللبنانيين وتتضمن ثلاثة عناصر اساسية:
أولا – تنظيم العلاقة بين الدولة و"حزب الله" بما يؤمن المصالح اللبنانية، مما يعني انهاء الاستخدام او الاستغلال السوري – الايراني لسلاح هذا الحزب وجعل الدولة هي المسؤولة عن الدفاع عن الوطن. وهذا يتطلب وضع سلاح "حزب الله" في تصرف الجيش وتخلي الحزب عن قرار الحرب للدولة وحدها والتفاهم في مؤتمر الحوار على ضمانات جدية محددة لمنع استخدام السلاح في الصراع الداخلي.
ثانيا – اعطاء الاولوية للدفاع عن لبنان وحمايته من اي اخطار اسرائيلية وليس اعطاء الاولوية للهجوم، وخصوصا نتيجة القدرات العسكرية المحدودة لهذا البلد بالمقارنة مع قدرات دول اخرى كسوريا. وهذا يعني التفاهم على امتناع اي طرف عن القيام باعمال تعطي ذرائع لاسرائيل للاعتداء على لبنان.
وقد اثبتت حصيلة حرب صيف 2006 ان سلاح "حزب الله" قادر على الحاق الاذى بالاسرائيليين لكنه ليس قادرا على تأمين الحماية للبنان واللبنانيين من هجماتهم.
ثالثا – اعطاء الاولوية لاستعادة الارض المحتلة ومعالجة القضايا العالقة الاخرى مع اسرائيل بالوسائل الديبلوماسية وبالاعتماد على صداقات لبنان العربية والدولية الواسعة، ومن خلال الاصرار على تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والتمسك بمبادرة السلام العربية وتعزيز الحماية الدولية والعربية لاستقلال هذا البلد ولسيادته. وما يجب ان يعزز هذا التوجه ان سوريا تعتمد الخيار السلمي والديبلوماسي لاستعادة الجولان المحتل وذلك منذ 34 عاما".
هذا ما اكده لنا مسؤول عربي بارز معني مباشرة بالملف اللبناني، بينما حذرت جهات اوروبية رسمية دولا عربية من ان القيادتين السورية والايرانية تعارضان بصورة غير معلنة وضع استراتيجيا دفاعية تؤدي الى تخلي "حزب الله" عن سلاحه وعن قرار الحرب للدولة وشددت على ان السوريين والايرانيين يتمسكون بالمطالب والمواقف الاساسية الآتية:
أولا: القيادتان السورية والايرانية مصممتان على تأمين الحماية لـ"حزب الله" لكي يحتفظ بسلاحه وبقرار الحرب مع اسرائيل بمعزل عن الدولة اللبنانية، لان هذه القضية، في تقديرهما، ليست لبنانية بل اقليمية يجب التوصل الى اتفاق في شأنها بين السوريين والايرانيين والدول الكبرى والمؤثرة.
ثانيا – اي اتفاق سوري – ايراني – اقليمي – دولي كهذا يجب ان يشمل حصول نظام الرئيس بشار الاسد على ضمانات لإعادة الجولان كاملا الى السيادة السورية ويجب ان يشمل تأمين الحماية لهذا النظام من اي ملاحقة او محاسبة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
كما ان هذا الاتفاق يجب ان يشمل التوصل الى تفاهم بين ايران والدول الكبرى على البرنامج النووي الايراني يحقق للجمهورية الاسلامية مصالحها الحيوية. وبعد ذلك تتم جديا مناقشة قضية سلاح "حزب الله" بجوانبها المختلفة.
ثالثا – تريد القيادتان السورية والايرانية، بعد تأمين مطالبهما الاساسية، دعم موقف "حزب الله" المؤيد ضمنا لتعديل اتفاق الطائف والدستور اللبناني من اجل تعزيز صلاحيات الشيعة ودورهم في السلطة وفي ادارة شؤون البلد، بحيث يحصل الحزب على "ثمن سياسي داخلي مقبول لديه" في مقابل تخليه عن سلاحه وعن قرار الحرب للدولة ومؤسساتها الشرعية.
رابعا – يمكن ان يعقد مؤتمر حوار وطني لبناني تناقش خلاله مسألة التفاهم على استراتيجيا دفاعية جديدة وعلى تنظيم العلاقات بين الدولة و"حزب الله"، لكن مثل هذا المؤتمر لن يتوصل الى اي نتائج ملموسة او تفاهمات قابلة للتنفيذ تؤدي فعلا الى تخلي "حزب الله" عن سلاحه وعن قرار الحرب للدولة، ما لم يتم التوصل الى "الصفقة" التي تريد القيادتان السورية والايرانية عقدها مع الدول  الكبرى والمؤثرة.

مأزق "حزب الله"

ضمن هذا الاطار توصلت جهات اوروبية رسمية معنية مباشرة بالملف اللبناني، في ضوء معلوماتها وتقويمها لمسار الاوضاع، الى اقتناع بان "حزب الله" يتصرف على اساس انه القوة الاساسية في لبنان وانه يستطيع ان يفعل ما يريد، لكنه في الواقع يواجه مأزقا حقيقيا داخليا واقليميا وذلك للاسباب الرئيسية الآتية:
اولا – حزب الله ليس قادرا على تسلم الحكم في لبنان بالقوة لان ذلك سيفجر فتنة طائفية وحربا اهلية وسيؤدي الى انهيار الدولة ومؤسساتها والى تدخلات خارجية قد تعرض الحزب واللبنانيين لاخطار كبيرة. كما ان "حزب الله" ليس قادرا على ان يبدل موازين القوى السياسية والشعبية ويحقق مكاسب ملموسة لذاته ولحلفائه عبر استخدام السلاح والعنف والترهيب، وهو ما اظهرته خصوصا عملية اقتحامه المسلح لبيروت الغربية وبعض المناطق الجبلية في ايار الماضي والتي ادت الى تدخل عربي مدعوم دوليا والى اتفاق الدوحة والى اعادة الحياة الى مجلس النواب وتاليا الى دور الغالبية النيابية والى تشكيل سلطة جديدة ليست تابعة للحزب او مرتبطة به.
ثانيا – سياسات "حزب الله" واعماله وممارساته المختلفة، سواء منها ما يتعلق بتمسكه بسلاحه وبقرار الحرب او بطريقة تعامله مع الجيش او بهجومه المسلح على بيروت ومناطق اخرى، اضعفت كثيرا "جناحه العوني" اي العماد ميشال عون حليفه الاساسي في تكتل المعارضة. ذلك ان القاعدة الشعبية المسيحية التي امنت فوز عون الكبير في انتخابات العام 2005 هي ذات توجهات استقلالية وتتمسك بالدولة ومؤسساتها وبالنظام الديموقراطي وترفض خيارات "حزب الله" واعماله المسلحة وتعارض بشدة مساعي سوريا وايران للسيطرة على لبنان. وتحول عون حليفا وثيقا لـ"حزب الله" يدافع عن كل اعماله وتوجهاته اضعف كثيرا الجنرال في صفوف المسيحيين لانه تراجع في مواقفه "الجديدة" هذه عن كل المواقف التي اعلنها خلال حملته الانتخابية عام 2005. وستُظهر نتائج الانتخابات النيابية في 2009 مدى ضعف عون في صفوف المسيحيين.
ثالثا - "حزب الله" يثير قلقا جديا لدى الغالبية الواسعة من اللبنانيين كما انه يثير مخاوف الكثير من الشيعة وخصوصا من ابناء الجنوب وذلك لثلاثة اسباب: الاول هو اصرار الحزب على الاحتفاظ بسلاحه الثقيل وبآلاف الصواريخ والقذائف وبقرار تفجير الحرب مع اسرائيل من دون التنسيق مع السلطة الشرعية، وهو ما ليس له مثيل في اي دولة اخرى. السبب الثاني هو استخدام "حزب الله" السلاح في الصراع السياسي الداخلي، وهو ما يهدد السلم الاهلي ويتعارض مع الدستور والنظام الديموقراطي وما يثير قلق اللبنانيين عموما وغضبهم وليس فقط السنة والدروز.
السبب الثالث ان "حزب الله" يتمسك بالخيار العسكري وحده لاستعادة منطقة مزارع شبعا المحتلة ويرفض استعادتها بالوسائل الديبلوماسية، ما يجعله يمنح ذاته "حق" تفجير الحرب متى يريد مع اسرائيل من اجل استعادة شبعا او لأي سبب آخر، كما فعل صيف 2006 وبالتنسيق مع السوريين والايرانيين، بينما يستطيع لبنان استعادة شبعا بالوسائل الديبلوماسية شرط ان توافق القيادة السورية اولا على تكريس لبنانية شبعا رسميا وخطيا لتسهيل عملية استعادتها عبر الامم المتحدة وبمساعدة الدول الكبرى.
لكن "حزب الله" يتصرف وكأنه يعمل، فعلا، ضد مصالح اللبنانيين، اذ انه يرفض الطلب إلى حليفه السوري تثبيت لبنانية شبعا رسميا وخطيا ليكون ذلك مقبولا لدى الامم المتحدة، كما يرفض، فعلا، اعتماد الخيار السلمي الديبلوماسي لاستعادة شبعا، وهو الخيار الوحيد الذي تعتمده سوريا لاستعادة الجولان المحتل منذ العام 1974، بل ان "حزب الله" يدعم ضمنا وجهة النظر السورية الرافضة لتكريس لبنانية شبعا خطيا ورسميا وترسيم الحدود في هذه المنطقة قبل استعادة الجولان. اضف ان "حزب الله" يرفض ان يناقش بهدوء وموضوعية قضية شبعا وسبل استعادتها وكل ما يتعلق بمصير سلاحه وبقرار الحرب، مع الافرقاء اللبنانيين الذين يمثلون الغالبية النيابية والشعبية، اذ انه يريد ان يفرض على اللبنانيين بالقوة والتسلط خياره هو، الداعي الى ابقاء لبنان في حال مواجهة مستمرة مع اسرائيل من اجل شبعا، بينما توقفت سوريا عن استخدام القوة العسكرية ضد اسرائيل منذ العام 1974 من اجل استعادة الجولان. ويتهم "حزب الله" جميع الذين يخالفونه الرأي بالخيانة والعمالة ويتصرف على اساس انه "صاحب الحق الوحيد".
ووفقا لما ذكره سفير اوروبي معتمد في بيروت في تقرير بعث به اخيرا الى حكومته: "ان اقدام عناصر من حزب الله على اطلاق النار على مروحية للجيش في تلة سجد الخاضعة لنفوذ الحزب مما ادى الى استشهاد النقيب الطيار سامر حنا، احدث احتقانا شديدا في نفوس اللبنانيين عموما وزاد نقمتهم على حزب الله بسبب اصراره على الاحتفاظ بسلاحه وعلى التصرف بهذا السلاح كما يريد وعلى استخدامه احيانا ضد اللبنانيين مما يهدد السلم الاهلي ويضعف الدولة ومؤسساتها ويعرض البلد لاخطار كبيرة، فيما تسعى قيادات الغالبية الى معالجة المشاكل عبر المصالحات والحوار".

ورقة مساومة سورية – ايرانية

رابعا – حزب الله ليس قادرا على تحديد خياراته الاستراتيجية وتوجهاته الاساسية، وخصوصا في ما يتعلق بمصير سلاحه، بقرار ذاتي تتخذه قيادته، بل ان الحزب ملزم التنسيق والتشاور مع القيادتين السورية والايرانية والحصول على موافقتها المسبقة على اي قرار مهم ينوي اتخاذه، وذلك بسبب اعتماده الكبير على الدعم العسكري والتسلحي والمالي السوري – الايراني. وهذا الواقع يضعف "الدور اللبناني" للحزب ويقلص قدرته على المناورة والتحرك في الساحة اللبنانية ويجعل دوره الاقليمي وخياراته السورية والايرانية هي الاساس وهي التي تحدد سياساته وتوجهاته واعماله، بقطع النظر عن الثمن الباهظ الذي يمكن ان يدفعه اللبنانيون نتيجة اتخاذ هذا القرار او ذاك.
خامسا – حزب الله ليس راغبا فعلا وجديا في الموافقة على تبني استراتيجيا دفاعية جديدة يسلم في اطارها سلاحه الى الجيش ويتخلى بموجبها عن قرار الحرب للدولة، وذلك نتيجة ارتباطه الوثيق بسوريا وايران وايضا نتيجة رغبته في استخدام امر هذا السلاح لمحاولة تحقيق اهداف داخلية. وقد يضطر "حزب الله" إلى الموافقة على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني لمناقشة موضوع الاستراتيجيا الدفاعية، لكن الحزب سيفعل كل شيء لمنع تبني هذه الاستراتيجيا التي يريدها اللبنانيون بغالبيتهم العظمى لانها تهدف الى تأمين الاستقرار والسلم في البلد.
سادسا – حزب الله ليس قادرا على ان يتحكم وحده بقرار المواجهة مع اسرائيل. فالتهديدات والتحذيرات الاسرائيلية الجدية الموجهة الى لبنان واللبنانيين قد تدفع "حزب الله" الى الامتناع عن تنفيذ عمليات عسكرية ضد اسرائيل او شن هجمات على اهداف اسرائيلية سواء للثأر لاغتيال عماد مغنية او لاسباب اخرى، وذلك في ضوء حسابات لبنانية داخلية ولعدم اثارة مزيد من النقمة والغضب عليه وعلى حلفائه. لكن "حزب الله" سيجد نفسه مضطرا الى ضرب اسرائيل اذا ما طلبت منه القيادتان السورية والايرانية ذلك لاسباب تتعلق بمصالحهما وحساباتهما، ولو دفع اللبنانيون ثمنا باهظا لذلك.
سابعا - "حزب الله"، في النهاية، حليف ضروري واساسي لسوريا وايران ليس لديهما مثيل له في اي دولة عربية اخرى. لكن "حزب الله" هو، ايضا، "ورقة مساومة" يستخدمها المسؤولون السوريون والايرانيون في مفاوضاتهم مع اسرائيل ومع الدول الكبرى والمؤثرة، وهم مستعدون للتخلي عن هذه "الورقة" اذا توصلوا الى "صفقة ما" مع الدول المعنية تؤمن لهم مصالحهم وتحقق لهم المكاسب التي يريدونها. وهذا الواقع يحد ايضا من قدرة "حزب الله" على التحرك والعمل خارج اطار "الفضاء السوري والايراني".
هذا هو تقويم جهات اوروبية رسمية معنية بالملف اللبناني للوضع الدقيق والصعب الذي يواجهه "حزب الله" ويحاول تغطيته بالمواقف الكلامية المتشددة وبالتهديدات المستمرة للاستقلاليين.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,771,062

عدد الزوار: 6,914,184

المتواجدون الآن: 133