لا ثلث ضامناً أو معطلاً في الطائف.. الثلثان هما "الضامن" و "المعطل"!

تاريخ الإضافة الأربعاء 29 نيسان 2009 - 12:16 م    عدد الزيارات 656    التعليقات 0

        

محمد مشموشي
في يوم واحد، وبتناغم سبقه الضرب على ايقاع واحد، طلع علينا اثنان من قادة الأقلية النيابية بنظرية مستحدثة عن "اتفاق الطائف". أحدهما رئيس حركة "أمل"، رئيس مجلس النواب نبيه بري بقوله ان "الثلث المعطل" ليس غريبا عن "اتفاق الطائف" بل هو في صلبه وفي روحه، والثاني رئيس كتلة "حزب الله" النيابية محمد رعد بحديثه عن ضرورة التوافق على مضمون هذا الاتفاق قبل أي كلام على التزامه أو تنفيذه.
والنظرية هذه، لإنعاش الذاكرة، تأتي بعد عشرين عاما بالتمام والكمال على ولادة الاتفاق في مدينة الطائف السعودية ثم إقراره من مجلس النواب اللبناني في العام 1989. مع ذلك، بل وبالرغم منه، قد يكون اللبنانيون ـ وليس الرئيس بري والنائب رعد فقط ـ في حاجة الى استعادة نص "اتفاق الطائف" وروحه (على حد تعبير بري) كما يأتي:
أولا: في نص الاتفاق، كما في روحه، أن لبنان القائم على صيغة عيش مشترك بين طائفتين كبريين، الطائفة الاسلامية والطائفة المسيحية، هو لبنان المناصفة بين هذين المكونين، خصوصاً في مجلسي النواب والوزراء ووظائف الفئة الأولى.
ثانيا: على هذه القاعدة، وبعد التوافق على أن تكون في مجلس الوزراء مجتمعا سلطة البلاد التنفيذية، نص الاتفاق على ثلاثة أمور، هي قيود في الوقت نفسه: أن يكون نصاب أية جلسة لمجلس الوزراء ثلثي أعضاء الحكومة، أن تعتبر الحكومة مستقيلة اذا استقال ثلث أعضائها، وأن يكون التصويت بالثلثين على عدد من القضايا التي تتعلق بحقوق الطائفتين (14 بندا) اعتبرت ميثاقية ومجسدة للعيش المشترك.
ثالثا: قيد الثلثين هذا، وتاليا قيد الثلث الذي يوصف الآن بـ"الثلث الضامن .. أو المعطل"، انما يستهدف، في نص الاتفاق كما في روحه، صيانة قاعدة المناصفة بحيث لا تستطيع أي من الطائفتين أن تطغى على الأخرى. كيف ذلك؟، بأن يكون النصف ـ أي كلتا الطائفتين ـ في حاجة الى بعض النصف الآخر، على الأقل، ليس لاقرار القضايا الميثاقية فقط بل حتى لمجرد انعقاد جلسة مجلس الوزراء، فضلا عن بقاء الحكومة نفسها في موقع السلطة.
رابعا: بهذا المعنى، يكون قيد الثلثين هو "القيد الضامن .. أو المعطل" وليس أي قيد آخر. وهو، بالمعنى نفسه، ضامن للمناصفة الحقيقية، قولا وعملا وممارسة، بين المكونين الأساسيين للبنان، ومعطل بالتالي لامكان طغيان واحد منهما على الآخر. وهو نظريا على الأقل، ما قال الرئيس بري إنه ليس غريبا عن "اتفاق الطائف"، وان يكن ذهب (بالتناغم والايقاع اياهما) الى تفسيره على نقيض ما هو عليه.
يؤكد ذلك، في أي حال، ما تحدث به قادة آخرون في الأقلية، وفي "حزب الله" بالذات، على امتداد المرحلة الماضية حول الزامية "الثلث المعطل" في تشكيل كل حكومة، وما قاله النائب رعد عن ضرورة التوافق على مضمون "اتفاق الطائف" قبل التزامه أو التقيد بتنفيذه. والقولان، خصوصاً في ضوء تفسير الرئيس بري، لا يقفان عند تشويه الاتفاق (واذا، دستور البلاد) فقط بل يتعديانه الى محاولة تعديله، وربما اظهار الرغبة في الغائه بصورة كاملة.
ذلك أن نص "اتفاق الطائف"، كما روحه، يضعان قواعد ليس لتعطيل عمل السلطة التنفيذية بل لضمان حسن سير هذا العمل، ولكن مع القيود المطلوبة الهادفة الى المحافظة على صيغة العيش المشترك التي جاءت الفقرة (ي) من مقدمة الدستور لتتحدث عن لاشرعية أية سلطة تتناقض معها. ومن هنا فـ"الضامن"، أو "المعطل" لا فرق في هذه الحالة، ليس الثلث بل هما الثلثان باعتبارهما القيد الذي يحول دون استئثار طائفة من الطائفتين بالسلطة أو طغيانها على الأخرى. وتكريسا لهذه القاعدة، بل وضمانا لحسن سير العمل وليس التعطيل، جاء النص صريحا فيما بعد على أن تكون القرارات في مجلس الوزراء بالتوافق .. والا فبالتصويت.
أكثر من ذلك، فأن يترأس رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء عندما يرى ذلك، ولكن من دون أن يشترك في التصويت، ففي الأمر تأكيد ثان على المناصفة / المشاركة الحقيقية في السلطة التنفيذية من جهة وتجسيد لدور رئيس الجمهورية كحام للدستور وحكم بين الفرقاء من جهة ثانية. لا معنى عمليا لعبارتي "المشاركة الحقيقية" و "الديموقراطية التوافقية" اللتين يكثر الحديث عنهما الآن غير هذا المعنى. بل ولا معنى كذلك للديموقراطية البرلمانية / الطبعة اللبنانية، الموزعة بدورها مناصفة بين الطائفتين الكبريين ثم بين المذاهب المتعددة في الطائفتين، غير هذا المعنى. والا فلن تكون هناك حاجة الى الانتخابات النيابية التي يجري تزييفها، والغاء نتائجها حتى قبل اجرائها، من خلال "الثلث المعطل" .. سواء بتفسير الرئيس بري المستحدث هذا أو بغيره من التفسيرات والشروح.
أكثر من ذلك، فلا معنى للنصوص الواردة في "اتفاق الطائف" في ما يتعلق بـ"حلم" لبنان واللبنانيين في نهاية المطاف (الغاء الطائفية السياسية وانشاء مجلس الشيوخ) الا هذا المعنى تحديدا: الديموقراطية التوافقية بين الطوائف، على طريق الديموقراطية الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن الطوائف التي ينتمون اليها.
ولعله من هنا يطرح السؤال الحقيقي، بل الأساسي: هل الحديث عن "اتفاق الطائف" كما يتم في شكله الحالي، كما عن "الثلث المعطل"، يهدف الى الغاء المسيرة التي بدأت بهذا الاتفاق قبل عشرين عاما، فضلا عن وضع حد للحرب الأهلية التي ضربت لبنان على امتداد خمسة عشر عاما كاملة قبل ذلك ؟!.
والسؤال الآخر: هل نفذ هذا الاتفاق، أو جرب تنفيذه، كليا أو حتى جزئيا، ليبدأ العمل على تشويهه بهذه الطريقة الآن أو ربما البحث في امكان تعديله، فضلا عن الغائه ؟!.
غني عن القول ان الحملة الانتخابية تفسح في المجال أمام المرشحين، والقوى السياسية، لقول ما لا يجوز قوله في الظروف العادية. غير أن "تسميم" أذهان الناس، وقد باتت طائفية بل ومذهبية حتى العظم في خلال السنوات الماضية، لن يكون من دون تبعات بالغة السلبية (بل وكارثية) في المقبل من الأيام.
لكن المسألة، كما يبدو واضحا للعيان، ليست انتخابية ولا هي بحت شعبوية فقط. انها انقلاب كامل على "اتفاق الطائف" بالرغم من كل ما يقال عكس ذلك.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,890,516

عدد الزوار: 7,007,359

المتواجدون الآن: 77