الإشعاع.. سلاح «حزب الله» السرِّي

تاريخ الإضافة الثلاثاء 21 نيسان 2009 - 10:46 ص    عدد الزيارات 751    التعليقات 0

        

لبنان لا يملك مادة اليورانيوم الثمينة. لكنه بلد مشِعّ. إشعاعه الثقافي ليس على الغرب، كما يهوى دعاة العزلة والغربة فيه، إنما على عالمه العربي الذي يرفضه. لبنان، بعد مصر، منارة إشعاع ثقافي، بما ينتج ويترجم من كتب وأفكار.

لكن لبنان يطلق إشعاعاً آخر. هذا الإشعاع هو الموجه نحو الغرب خصوصاً والعالم عموماً. إشعاع مخدِّر بهيج حيناً، منبه ومحفِّز حيناً. كان لبنان أكبر منتج للحشيش في العالم، قبل أن تنتزع منه طالبان هذه القدرة على تدويخ حشاشي العالم ومدمنيه. لكن كان لبنان أيضاً ينتج الهيروين والأفيون والكوكايين.

من حسن الحظ أن اللبنانيين لا يستهلكون سوى عشرين بالمائة من إشعاعهم السلبي. الباقي للتصدير إلى أوروبا والولايات المتحدة. ثم إلى روسيا وأوروبا الشرقية. أما الحشيش فيتم تصدير معظمه إلى الشقيقة مصر.

لكن من أين للبنان هذه القدرة على الإشعاع المدوِّخ؟ أستحي أن أقول إن زراعة المخدرات وتصنيعها وتسويقها يتم في منطقة شيعية معزولة، منطقة شديدة الفقر. إنها منطقة بعلبك في سهل البقاع، وفي جرود الهرمل الوعرة المجاورة للحدود السورية. كالعادة، لكل إنتاج شعاعي محرّم، شبكات ومافيات تهريب. وهي في لبنان، كانت تحصل على أربعة آلاف مليون دولار سنوياً. المزارعون يحصلون على القليل الكافي لتأمين عيش هنيء نسبياً.

الحشيش زراعة وصناعة عريقة في لبنان. الدولة العثمانية أصيبت سيقانها بتصلب الشرايين. لم تعد قادرة على تسلق جرود الهرمل للمكافحة. دولة الاستقلال عندها العلم والخبر، لكنها كانت تمر على الحقول مرّ النسيم، كي لا تجرح خدود الإقطاعيين والساسة والعشائر والعوائل، وكل من يمارس اللعبة المحرّمة.

ازدهرت زراعة وتجارة المخدرات خلال الحرب الأهلية، بحكم غياب الدولة، وانفراط عقد الجيش وأجهزة الأمن. وباتت للتجار والمهربين موانئ صغيرة تسيطر عليها شبكات ومافيات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بأمراء الحرب من كل الطوائف والتنظيمات. للأمانة، أودُّ هنا أن أسجل موقفاً للعماد ميشال عون. فقد تمكن خلال توليه قيادة الجيش في الثمانينات، من إحكام الرقابة على موانئ التهريب في المنطقة المسيحية فقط.

أما النظام السوري فقد كان له موقف مزدوج. كان الأسد الأب ضد زراعة وتجارة المخدرات في لبنان. قواته ومخابراته في لبنان تشدد الرقابة وتكافح، أو ترخي الحبل، حسب انشغالاتها الأمنية هناك. غير أن هذا الموقف الإيجابي، كانت له مرآة سلبية. فقد تورط نافذون سياسيون وعسكريون في التجارة المحرّمة من وعبر لبنان. ووصل التهريب إلى استخدام بعض موانئ الساحل السوري. بعد مشاركة سورية في إخراج صدام من الكويت، تحسنت العلاقة بين دمشق وواشنطن في التسعينات. رأى الرئيس كلينتون في هذا التحسن فرصة لمفاتحة الأسد شخصياً في موضوع القضاء نهائياً على زراعة وتجارة المخدرات في لبنان. تجاوب الأسد. ضغط بدوره على الإدارة اللبنانية الجديدة. تم عقد اتفاق مع الأمم المتحدة (1992) يحرم زراعة وإنتاج المخدرات، في مقابل تقديم مال وخبرات دولية، لنشر زراعات بديلة.

بين عامي 1992 و1999، تم القضاء نهائياً على الإشعاع اللبناني المسموم. لكن أميركا والأمم المتحدة تأخرتا في تقديم المطلوب، بحجة انتشار حزب الله و «الإرهاب» في مناطق الشيعة. وهكذا، عادت زراعة المخدرات وتصنيعها إلى البقاع وجرود الهرمل مع بداية العقد الجديد. كلما حاولت سورية أو الحكومة اللبنانية التدخل، كان زعماء المنطقة الجدد، وعلى رأسهم نواب «حزب الله» يعترضون بشدة. وصل الأمر إلى حد تهديد الشيخ الراحل مهدي شمس الدين رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بزراعة الحشيش علناً. الرجل كان محسوباً على «أمل» نبيه بري الزعيم الشيعي (رئيس البرلمان اللبناني) المحسوب على سورية.

لكن الحماية الفعلية والرعاية للمزارعين والمتاجرين قدمها «حزب الله». وهدد نوابه في المنطقة الدولة بالمقاومة المسلحة! إذا تجرأت وأقدمت على إتلاف المزروعات. كانت الحجة دائما أن الخضر والفواكه السورية والأردنية، والبطاطا المصرية، تنافس الزراعة البديلة للقنب الهندي ونبتة الخشخاش في جرود بعلبك والهرمل. باتت المخدرات سلاحاً سرياً للحزب.

إيران تركت لحزبها اللبناني حرية «شم النسيم». للأمانة أيضاً أقول إن مشايخ الحزب لم يكونوا كلهم مستريحين لحماية الزراعة المحرمة. بعضهم كان مرحباً، بحجة أن الإشعاع السام يدوِّخ أعداء الحزب والإسلام في أوروبا وأميركا.

أقول هنا إن الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان، سَهَّلَ أيضاً على مافيات التهريب الإسرائيلية لعب دور «الوسيط». راح تهريب الحشيش اللبناني من لبنان إلى إسرائيل يتمُّ بحراً وبراً، ومنه إلى المهربين من بدو سيناء. ومن هؤلاء إلى تجار الجملة المصريين.

بعد الانسحاب السوري من لبنان (2005) واستعادة الجيش اللبناني عافيته، راحت دورياته ومخابراته تشدد رقابتها على بعلبك والهرمل (المنطقة الشيعية المحمية بحزب الله، والمحرّمة على الجيش سابقاً). جرى إتلاف بعض المزروعات وملاحقة بعض المهربين. كان الرئيس اللبناني ميشال سليمان منذ توليه قيادة الجيش يتصل بـ «أمل» و«حزب الله»، ليشرح لهما ضرورة تسهيل مهمة القوى الأمنية، تفادياً لصدام محرج.

منذ نحو شهرين، قتل برصاص قوى الأمن مهرب أو أكثر، من عشيرة آل جعفر الشيعية. كان الرد عنيفاً. فقد رصد شباب العشيرة، أو بعض المتورطين منها في التهريب، دورية سيّارة للجيش، وفتكوا برصاصهم بأربعة من جنودها، وجرحوا ضابطهم.

لم يسكت الجيش. عمد إلى النزول إلى عرين حزب الله، في بعلبك والهرمل بقوى وأسلحة كبيرة. لم يكن الانتشار تحدياً للحزب، وإنما تأكيد لسلطة الدولة وهيبتها. إنصافاً للرئيس سليمان ولجيشه، فقد قدم نفسه، قبل وبعد انتخابه، كقوة تقف على مسافة محايدة في الصراع السياسي المحتدم في لبنان. كانت خشية سليمان وقيادة الجيش كبيرة من ذيول الحادث. فقد كان الجنود القتلى برصاص المهربين الشيعة من منطقة عكار السنية في شمال لبنان. وعكار المعروفة بشجاعة أهلها، كانت دائماً الخزان البشري الذي يمد الجيش اللبناني بالجنود.

في ذروة الأزمة مع مصر، سارع «حزب الله» و«أمل» إلى قبول احتلال الجيش للمنطقة الشيعية التي يحكمانها أمنياً وسياسياً. بل أعلنا عن تخليهما عن حماية تجار المخدرات وآل جعفر. لكن إلى متى يستمر الحزب في القبول بالإهانة لنفوذه وسلطاته؟ لماذا لم يستطع الجيش والأجهزة الأمنية القبض على القتلة إلى الآن؟ هل يخفي الحزب المتهمين؟ لماذا يسكت العماد عون حليف «نصر الله»؟ هل تم هرب أو تهريب القتلة إلى سورية؟ بشار أدان الاعتداء على الجيش، وقدم التعزية إلى الرئيس سليمان والجيش اللبناني الذي تدرب معظم ضباطه في سورية.

أكتب هذا الكلام يوم الأحد. لا أدري ما إذا كان الجيش قادراً على اعتقال القتلة، أم أن حياد الحزب ظاهرياً سينتهي بمواجهة مع الجيش؟ لقد أحببت أن أقدم هذه الواقعة الخطيرة إلى العرب، ليدرك الرأي العام وضع وخطر حزب يحمل السلاح، ليس فقط على الإساءة للعلاقة بين دول شقيقة، وإنما كخطر على أمن الدولة التي يعيش فيها، مستقلا عنها بأمنه وسلاحه، وحامياً للخارجين عن القانون وشرعية السلطة الوطنية.

\"\"
     

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,171,651

عدد الزوار: 6,758,734

المتواجدون الآن: 132