الإصلاح في السعودية يتطلّب تعاون التيارين الليبرالي النخبوي والديني الشعبوي

تاريخ الإضافة الأحد 8 آذار 2009 - 11:28 ص    عدد الزيارات 951    التعليقات 0

        

منذ أعلن خادم الحرمين الشريفين قراراته الإصلاحية في 14 شباط الماضي، تكاد تجمع التحليلات على أن هذه الإصلاحات تكمن أهميتها في إضعاف التيار الديني المتشدد لمصلحة الإسلام المستنير، واعتبر الليبراليون السعوديون أن هذه القرارات تنتصر لهم، خاصة بعد إقالة رئيس مجلس القضاء الاعلى الشيخ صالح اللحيدان المشهور بفتاواه المتشددة إلى درجة الإحراج (كفتوى قتل أصحاب الفضائيات، والجهاد في العراق) ومواقفه المعطلة لمشروع الملك عبد الله للإصلاح خاصة في جانبه القضائي (تقنين الشريعة – تحديث القضاء وهيكلته الجديدة)، إضافة إلى إدخال المذاهب السنية المختلفة إلى هيئة كبار العلماء، وتعيين نورا الفايز كأول نائبة لوزير التعليم ضمن فريق جديد معروف ببحثه عن الانفتاح والتطوير، وأخيرا تعيين وزير للثقافة والإعلام ترك الوزارة سابقا احتجاجا على سياسة "عسكرة الإعلام" ومشهود له بالنزاهة والكفاءة والتسامح. 
هذا التحليل منطقي تماما. لكنه ناقص، منطقي لأن خادم الحرمين مضى في إصلاحات ينادي بها الليبراليون، ولكن... دون أن يكون لليبراليين أي فضل أو ضغط، بل على العكس. فمنذ تم اعتقال رجال البيانات الإصلاحية والعفو عنهم أو إطلاقهم، خفّت جذوة المطالبة بالإصلاح، ليس لأن رجال الإصلاح ضعفت عزيمتهم - وهم أهل الوطنية والشرف - بل لأن الظروف داخليا وخارجيا لم تعد مؤازرة للمطالبة بالإصلاح، ويبدو طريفا هنا أن كلمة "الإصلاح" أصبحت تملأ الصحف السعودية دون إشارة إلى روادها الذين انتقدوا من الصحافة مرارا، بل وأتيحت الفرصة لبعض خصومهم للحديث عن ضرورة الإصلاح وفضائله وفوائده.
إذن، فإن القرارات الإصلاحية، هي انتصار للنظام، وليس لجماعة متحالفة معه، ومن هنا، ليس مطلوبا من الليبراليين الاحتفال بنصر لم يشاركوا في صناعته، بل المطلوب هو البحث في كيفية استثمار هذا المنجز وتطويره والحفاظ عليه. ومن جهة أخرى، عدم الانشغال بالصراعات الضيقة عن مبادئ الإصلاح الأساسية، بل والأسس التي تقوم عليها الليبرالية نفسها إذا كان هنالك ليبراليون!
وهنا، نعود إلى مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي عقد في مكة، وشارك فيه رموز التيار الديني والليبرالي، ووصلوا جميعا إلى توصيات باركها خادم الحرمين حين كان وليا للعهد ووعد بالاهتمام بها، ومن هذه التوصيات : " توسيع المشاركة الشعبية – تطوير وسائل الاتصال بين الحاكم والمحكوم – تعزيز آليات الرقابة والمحاسبة – ومحاربة الفساد – ورفض الغلو والتطرف – وتطوير التعليم – وتمكين المرأة - التوزيع العادل للثروة" وعلى الرغم من وجود رموز التيار الليبرالي في ذلك المؤتمر الا أنهم طالبوا بـ "تأمين محاكمات عادلة للمتهمين في قضايا الإرهاب" دون نظر إلى أي تيار ينتمي أولئك المتهمون، لأنهم – أي الليبراليين -  ليسوا طلاب تصفية بل طلاب عدالة.
وهذه، نقطة أساسية يجب البناء عليها، للقول، بأن دعم الإصلاحات الأخيرة، واستثمارها، وتدعيمها، والمحافظة عليها، لا يمكن دون اجتذاب التيار الديني إلى صلب قضية الإصلاح، وإلى عمق مسألة الانتماء للدولة، وإلى مفهوم ومضمون الوحدة الوطنية.
ليس سرا، أن بين التيارين، (الليبرالي) النخبوي، و(الديني) الشعبوي، ما صنع الحداد، نتيجة تخوين وتكفير شنه التيار الديني باستباحة على التيار الليبرالي، ولكن من جهة أخرى، تجدر الإشارة، الى أنه  ليس كل التيار الديني أو المحافظ معاديا للإصلاح، بل إن جزءا مهما من موقعي بيانات المطالبة بالإصلاح كانوا من التيار الديني والمحافظ، وحتى مفتي البلاد كانت له تصريحات ومواقف يمكن أن توصف بأنها إصلاحية بالنسبة الى خطاب التيار السائد، مثل: "رفض إكراه المرأة على الزواج – رفض العمليات الانتحارية – رفض الإرهاب – رفض استغلال التجار للمواطنين ورفع الأسعار – التنبيه على ضرورة حل وتطويع أزمات البطالة والفقر"، دون أن نغفل مواقفه المعاكسة مثل موقفه من منتدى جدة الاقتصادي.
ويجدر التذكير أيضا، بأن كل مواطن مهما كان اتجاهه الفكري والسياسي هو جزء أصيل وأساسي من الوطن، لذا ليس المطلوب أن يزاح التيار الديني، ويأتي مكانه التيار الليبرالي أو أي تيار آخر، بل المطلوب هو أن تتمثل جميع التيارات داخل السلطة، أو أن يتحول التيار الديني إلى جماعة ضغط مثله مثل باقي التيارات دون تمايز.
كلا الخيارين في يد النظام، والأفضل من هذا وذاك، هو الاستمرار في تطعيم النظام بآليات ديموقراطية تعطي تمثيلا عادلا  لتيارات المجتمع، وتتيح له تجديد طاقاته ومحاسبة جهازه التنفيذي والاستثمار الأفضل لموارده.
هذا يستلزم أن ينظر المجتمع السعودي نظرة جديدة الى الديموقراطية، وأن يفعّل أكثر ثقافة حقوق الإنسان، وأن يؤكد على أن مصدرالشرعية هو المواطن كفرد، وهذا لن يتحقق ما لم يتعاون التياران الديني والليبرالي، والنظام أيضا.
يجب أن لا ننسى أنه من المفترض ألا تكون العلاقة بين التيار الديني والليبرالي علاقة عداء أو خصومة، بل أن تكون علاقة تنافس، كلاهما يتنافس لتطوير الدولة وتحقيق الأفضل للمجتمع.
لذا، فالمسؤولية مضاعفة هنا، على التيار الليبرالي – وهو التيار المبادر، للبحث عن قواسم مشتركة مع التيار الديني، وهل هناك قاسم أكبر من الوطن؟! وهل هناك قاسم أهم من حفظ الحريات والحقوق والمواطنة؟! وأين نجد هذه القواسم ما لم نحيي الحوار وما لم نبذل الجهد.
 لا يحتاج إلى تذكير، أن الأصل من جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو ضرورة الإلغاء، ليس لرفض المبدأ، ولكن لرفض الآلية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعترضين هو رفض الظلم وحماية الحريات ودرء الفساد، والمطالبة بأن يكون هذا الدور لمجلس الشورى وديوان المراقبة العامة والإعلام والقضاء، بل أن يكون كل مواطن، وفقا للمعنى السابق داعيا للمعروف وناهيا عن المنكر، وليس مجرد جهاز يبحث في تفاصيل صغيرة أغلبها يتعلق بالحريات الشخصية، من منطلق توجهات شخصية.
لماذا لا تنتهز فرصة تعيين رجل جديد على رأس هذا الجهاز، للضغط والحوار، من أجل تغيير المفهوم، وليس فقط تغيير السلوك، إصلاح الهيئة من داخلها، لا بالانقضاض عليها وهو أمر غير واقعي.
ولماذا لا تطالب هيئة كبار العلماء بتكريس التنوع الذي أصبح جزءا منها خارجها أيضا، وتذكير العلماء بأن يتعالوا على الخلافات والتنافسات التي تجري داخل المجتمع، وأن يسخّروا مكانتهم ودورهم في خدمة الإصلاح، مثلما كان الأزهر في  وقت مضى، وأحيانا اليوم، ولن يتحقق هذا إلا بسحب التنوع إلى وسائل الإعلام والقضاء والتعليم، خاصة مع وجود رئيس مجلس قضاء جديد معروف بالتسامح، ووزير تعليم جديد، ووزير إعلام جديد.
قد يقول قائل، إن هذا صعب، بل مستحيل، وهنا أقول: ما الذي يمنع التجربة أو بذل الجهد؟! من وجهة نظري، إن أكبر محرض للتيار الديني على إصلاح خطابه وتطوير منهجه نحو العصرية والاعتدال والانفتاح هو إقحامه في مشروع الإصلاح.
المطلوب من المطالبين بالإصلاح، أن يستمروا في دورهم عبر استقطاب الرأي  العام حول مطالبهم والضغط والمطالبة من خلال المؤسسات والأجهزة القائمة خصوصا مجلس الشورى الذي أصبح يحق له تعديل الأنظمة القائمة أو اقتراح أنظمة جديدة، إضافة إلى الوزارات وإمارات المناطق والمجالس البلدية المنتخبة ووسائل الإعلام، ومرة أخرى التأكيد على الحوار مع النظام، والأهم، الحوار والبحث عن قواسم مشتركة مع التيار الديني.
   لقد كانت القرارات الأخيرة اصلاحا لا الإصلاح، والإصلاح لا يتحقق في يوم وليلة، ولا يتحقق بلا تضحيات أو تعب، لذا لا بد من العمل على أن يكون الإصلاح هو القاسم المشترك بين التيارين الديني والليبرالي ليصير مشروعا متفقا عليه بين أطياف الوطن لا مشروعا تتصارع حوله ولا ذريعة تستغل لتصفية الحسابات أو ترجمة موازين القوى.     
إن  التيار الديني أوالمحافظ لم يهزم في القرارات الأخيرة، لأن المطالبين بالإصلاح هم باحثون عن التنوع لا الإقصاء، ولا يحلمون إلا بدولة مدنية وعصرية قوامها النظام العادل، والمواطن الحر والآمن، والغد المستقر والمزدهر، وقرارات قائد الإصلاح عبد الله بن عبد العزيز لم تأتِ إلا في هذا السياق.


أحمد العدناني - الرياض     
(كاتب سعودي

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,732,808

عدد الزوار: 6,910,991

المتواجدون الآن: 107