نصيحة غربية للأسد

تاريخ الإضافة الخميس 5 آذار 2009 - 7:28 ص    عدد الزيارات 748    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر
"نصحت دول غربية بارزة لنظام الرئيس بشار الاسد بتشكيل فريق جيد من المحامين ورجال القانون السوريين والاجانب لتولي مهمة الدفاع امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن المسؤولين السوريين الذين يمكن ان يتهمهم مدعي عام المحكمة بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، في حال طلب القضاة تسليم هؤلاء الى العدالة الدولية لمحاكمتهم مع متهمين لبنانيين في هذه الجريمة. واكدت هذه الدول، في اتصالات مع مسؤولين سوريين رفيعي المستوى، على ضرورة تعاون السلطات السورية التام والكامل مع المحكمة الدولية التي ستبدأ اعمالها في لاهاي في مطلع آذار 2009، وعدم القيام باي عمل لعرقلة مهمتها او لمحاولة تسهيل افلات المتهمين من المحاسبة الدولية، لان هذه المحكمة امر واقع دولي ليس ممكنا تجاوزه او التهرب منه ولن تستطيع اي جهة دولية او اقليمية تعطيلها او تحويل مسار التحقيق الدولي المستقل في جريمة اغتيال الحريري وفي جرائم سياسية وارهابية اخرى شهدها لبنان خلال السنوات الخمس الماضية"...هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس واوضحت ان هذه الدول الغربية شددت خلال اتصالاتها مع المسؤولين السوريين على ثلاث مسائل اساسية تتعلق بالمحكمة الدولية هي الآتية:
اولاً، ان السوريين يجب ان يدافعوا عن انفسهم بانفسهم اذ لن تتولى هذه المهمة بالنيابة عنهم اي دولة اخرى، كما ان رفض السوريين التعاون مع المحكمة الدولية وتبرير ذلك بالقول ان هذه المحكمة مجرد اداة ضغط سياسية على نظام الاسد لاضعافه او اسقاطه، ان هذا الموقف السلبي لن يجدي نفعا ولن يمنح المتهمين السوريين اي حصانة للافلات من المحاسبة الدولية لان المحكمة تقع تحت رعاية ومسؤولية مجلس الامن الدولي ككل وليست خاضعة لمسؤولية دولة معينة بالذات.
ثانياً، ان رفض نظام الاسد تسليم المسؤولين السوريين، الذين يمكن ان تتهمهم لجنة التحقيق الدولية في تقريرها النهائي بالتورط مع بعض حلفائهم اللبنانيين في جريمة اغتيال الحريري الى المحكمة الدولية يعني ان النظام السوري يدين نفسه بنفسه، ومثل هذا القرار لن يؤدي الى اخفاء الحقيقة بل الى حدوث تأزم حقيقي في العلاقات السورية – الاميركية – الاوروبية – الدولية وسيدفع مجلس الامن الى اتخاذ اجراءات دولية ضد سوريا والى فرض عقوبات جديدة عليها ثم محاكمة هؤلاء المتهمين غيابيا من دون ان تتاح لهم فرصة الدفاع عن انفسهم.
ثالثاً، رهان نظام الاسد على ان حدوث انفراج او تحسن في علاقاته مع الولايات المتحدة ودول غربية اخرى ومع دول عربية بارزة سيؤدي الى تأمين حماية دولية – عربية لاي مسؤول سوري متورط في جريمة اغتيال الحريري، ان هذا الرهان خاطئ تماما ويتناقض مع واقع الامور اذ ليست لدى اي دولة معنية بالامر الرغبة او القدرة على عقد صفقة مع سوريا تؤدي الى الاطاحة بالمحكمة الدولية او تعطيل عملها، بددت ثمة تصميما دوليا مدعوما من دول عربية بارزة على ضرورة الذهاب الى النهاية ومحاسبة ومعاقبة المتورطين في هذه الجريمة وفي جرائم سياسية وارهابية اخرى شهدها لبنان. وفي هذا المجال كشفت المصادر الاوروبية ذاتها ان نظام الاسد حاول اقناع لجنة التحقيق الدولية باتخاذ موقف رسمي رافض للاتهامات التي وجهها القاضي ديتليف ميليس، اول رئيس للجنة التحقيق، الى عدد من المسؤولين السوريين بالتورط في جريمة اغتيال الحريري وذلك في تقريرين رفعهما الى مجلس الامن نهاية 2005. واكد المسؤولون السوريون للجنة التحقيق، بعدما تولى رئاستها القاضي سيرج برامرتس ثم القاضي دانيال بلمار، ان اتهامات ميليس هذه تفتقر الى الادلة وليس لها اساس وانها تسيء الى التحقيق الدولي، وتمنوا على لجنة التحقيق سحب هذه الاتهامات او شطبها والتراجع عنها ومواصلة عملها على اسس مختلفة كليا. لكن لجنة التحقيق رفضت هذا الطلب السوري وشددت على ان ثمة استمرارية في عمل اللجنة وانه ليس ممكنا تجزئة عملها. بل ان برامرتس وبلمار انطلقا من الملفات التي اعدها ميليس ومن المعلومات التي حصل عليها والتي تركز على الدور السوري الاساسي في هذه الجريمة، لجمع ما يلزم من الادلة والاثباتات القوية والشهادات الموثوف بها والمقبولة قانونيا من المحكمة الدولية لمحاسبة ومعاقبة المتورطين في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه.
ساركوزي والاغتيالات والمحكمة..... ضمن هذا الاطار اصدرت "مجموعة الازمات الدولية" التي يشرف على شؤون الشرق الاوسط فيها روبير ماليه مستشار الرئيس السابق كلينتون، تقريرين جديدين يتضمنان معلومات مهمة وخاصة عن سوريا والمحكمة الدولية حصل عليها فريق عمل "المجموعة" من مسؤولين وديبلوماسيين فرنسيين واميركيين وسوريين ولبنانيين وكذلك من مسؤولين في الامم المتحدة معنيين مباشرة بملف هذه القضية... التقرير الاول يتناول العلاقات الفرنسية – السورية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي. وقد اكد هذا التقرير ان ساركوزي يتبنى الموقف الحازم نفسه الذي يتبناه سلفه الرئيس جاك شيراك في ما يتعلق بضرورة التمسك بالمحكمة الدولية وتقديم كل الدعم اللازم والحماية الضرورية لها لاتمام مهمتها، على رغم  اعتماد الرئيس الفرنسي الحالي سياسة الحوار مع نظام الاسد والانفتاح المشروط عليه لتثبيت الامن والاستقرار في لبنان ولابعاد سوريا عن ايران ولاطلاق عملية تفاوض جديدة بين السوريين والاسرائيليين. وكشف التقرير ان الموقف الفرنسي من المحكمة الدولية في عهد ساركوزي يستند الى النقاط الاساسية الآتية:
اولاً - ان المسؤولين الفرنسيين على اقتناع "بان سوريا ستفعل كل شيء" لمحاولة احباط عمل المحكمة الدولية المكلفة محاسبة ومعاقبة قتلة الحريري ورفاقه. وهذا ما أكده لواضعي التقرير مسؤولون امنيون في باريس ونيويورك.
ثانياً - إن فرنسا ترفض الدخول في اي نوع من النقاش او المساومة مع المسؤولين السوريين بشأن احتمال عقد "صفقة ما" تتعلق بالمحكمة الدولية وبمصيرها، بل انها تتمسك بموقفها الحازم بضرورة ان تقوم المحكمة بعملها وواجبها وفقاً للأصول والقواعد القانونية وحدها من اجل كشف الحقيقة ومحاسبة قتلة الحريري وشخصيات سياسية وطنية اخرى. وذكر التقرير في هذا المجال ان المبعوثين الفرنسيين الذين التقوا في دمشق الرئيس الاسد باسم ساركوزي خلال الاشهر القليلة الماضية لم يبحثوا معه اطلاق موضوع المحكمة الدولية بل ان الرئيس السوري هو الذي تطرق مرة واحدة الى هذا الموضوع بشكل عابر، في المقابل بحث ساركوزي موضوع المحكمة مع الاسد خلال لقائهما في دمشق في ايلول الماضي ليؤكد له التزام فرنسا الكامل بدعم المحكمة لكي تقوم بعملها من دون اي ضعوط او تدخلات خارجية.
ثالثاً - نقل التقرير عن ساركوزي قوله ان "فرنسا ترفض بشكل قاطع وحازم استخدام اسلوب الاغتيال السياسي في لبنان وستفعل كل شيء لجعل القتلة يدفعون ذات يوم ثمن جرائمهم" ولاحظ ساركوزي ان الاغتيالات "تستهدف شخصيات لبنانية من فريق واحد – أي فريق 14 آذار – بهدف تحويل الغالبية النيابية أقلية. وهذا أمر غير مقبول اطلاقا".
رابعا – حرصت فرنسا على ان تطمئن المسؤولين السوريين بأنها ليست لديها اي نية لزعزعة اوضاع النظام السوري وان تمسكها بالمحكمة الدولية ناتج عن حرصها على ضرورة تحقيق العدالة ووضع حد للاغتيالات السياسية في لبنان ومعاقبة المجرمين بالوسائل القانونية. وكشف التقرير ان هذه النقطة بالذات نوقشت خلال اجتماع سري عقده في باريس في مطلع صيف 2008 رياض الداودي المحامي السوري المكلف ملف المحكمة الدولية مع مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية. ونقل هذا التقرير الدولي عن مسؤول فرنسي رفيع المستوى قوله ان فرنسا منفتحة على نظام الاسد "لكن من دون التخلي عن اعتماد الحزم معه اذا تطلب الامر". وأضاف هذا المسؤول الفرنسي: "ان ثمة موضوعين أساسيين ترفض فرنسا المساومة عليهما مع سوريا: الاول هو تأمين الحماية لاستقلال لبنان وسيادته والثاني هو ضرورة مواصلة المحكمة الدولية عملها الى النهاية".
"لا أحد يستطيع تعطيل عمل المحكمة"... التقرير الثاني الذي أصدرته اخيرا "مجموعة الازمات الدولية" يتناول العلاقات الاميركية – السورية، ويتضمن خصوصا المعلومات الاساسية الآتية عن المحكمة الدولية.
أولا: نقل التقرير عن  ديبلوماسي سوري اعترافه بأن مسؤولا رفيع المستوى في الامم المتحدة قال له: "لدي خبرة طويلة في شؤون لبنان وسوريا لذلك انا واثق من ان السوريين هم الذين اغتالوا الحريري".
ثانيا: نقل التقرير عن مسؤول سوري رفيع المستوى قوله: "ان هدف المحكمة الدولية الوحيد هو الضغط على سوريا. ونحن سندرس التقرير النهائي الذي ستصدره لجنة التحقيق الدولية في ما يتعلق بجريمة اغتيال الحريري، واذا لم نقتنع بمضمونه فاننا سنرفض ببساطة التعاون مع المحكمة الدولية".
ثالثا: نقل التقرير عن مسؤول في الامم المتحدة قوله: "لن يستطيع احد عرقلة عمل المحكمة الدولية. ان الكلام عن العرقلة هو مجرد كلام. الامم المتحدة تحتاج الى القليل من لبنان في ما يتعلق بالمحكمة الدولية، واذا لم تحصل على هذا القليل فإن المحكمة ستقوم بعملها وبما هو مطلوب منها بشكل طبيعي. ومجلس الامن الدولي ذاته لن يستطيع وقف عمل المحكمة اذ ان ذلك يتطلب اصدار قرار جديد في هذا الشأن يطلب وقف مهمة المحكمة الدولية. وهذا ليس وارداً اطلاقاً.
رابعاً: نقل التقرير عن مسؤول لبناني رفيع المستوى قوله: "ان المحكمة الدولية اصبحت امراً واقعاً. وحزب الله نفسه يعترف ويقر بذلك".
خامساً: اكد هذا التقرير الدولي صعوبة التوصل الى "صفقة ما" مع نظام الاسد في حال ادانت المحكمة الدولية مسؤولين سوريين لتورطهم في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه. واضاف التقرير ان احتمال منح الحصانة لمسؤولين سوريين رفيعي المستوى متهمين بالتورط في جريمة اغتيال الحريري في مقابل قيام نظام الاسد بخطوات واضحة ومحددة تتعلق باحترام استقلال لبنان وسيادته فعلاً وتشمل الاعتراف بالاخطاء السابقة واجراء تغييرات في سياسات سوريا الاقليمية، ان هذا الاحتمال سيكون مرفوضاً من المجتمع الدولي الذي يريد محاسبة قتلة الحريري كما انه سيكون مرفوضاً من اللبنانيين في غالبيتهم العظمى. وقد ابلغ مسؤول في الامم المتحدة الى واضعي التقرير انه يستبعد كلياً منح الحصانة لاي مسؤول سوري رفيع المستوى متورط في جريمة اغتيال الحريري في اطار صفقة سياسية، اذ لن تستطيع اي جهة ان تضمن فعلاً ان الاشخاص الذين ستتم "التضحية" بهم سيحترمون مثل هذه الصفقة بل انهم قد يزودون المحققين في المحكمة الدولية بمعلومات عن جريمة اغتيال الحريري تؤدي بالتالي الى ادانة الذين سعوا الى عقد هذه الصفقة.
سادساً: ذكر التقرير ان ادارة الرئيس اوباما تتمسك بالمحكمة الدولية وتدعمها على اساس انها "عملية قانونية وليست سياسية"، وقال ان الادارة الاميركية يجب ان تمتنع عن مناقشة موضوع المحكمة او ما يمكن ان يصدر عنها من احكام مع المسؤولين السوريين.
سابعاً: ذكر التقرير ان اقدام المحكمة الدولية على ادانة مسؤولين سوريين لتورطهم في جريمة اغتيال الحريري سينعكس سلباً على العلاقات الاميركية – السورية، اذ ان ادارة اوباما ستتعرض حينذاك لضغوط قوية لاتخاذ اجراءات ضد سوريا ولوقف اي تحسين للعلاقات معها. كما ان العلاقات الاميركية - السورية ستتأثر سلباً اذا ما شكك نظام الاسد بشرعية المحكمة الدولية او اذا ما رفض ان يسلمها المسؤولين السوريين المتهمين بالتورط في جريمة اغتيال الحريري.
واكد لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع: "ان نظام الاسد يواجه تحدياً كبيراً مع بدء المحكمة الدولية اعمالها، لان مشكلة هذا النظام ليست مع دولة معينة بل انها مع المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الامن. ذلك ان المحكمة الدولية وكل ما يرتبط بها عملية دولية كبرى معقدة تتمتع فعلاً بالاستقلالية وتدعمها دول بارزة ومؤثرة ولن يستطيع احد وقفها او وضع حد لها قبل كشف الحقائق ومعاقبة قتلة الحريري ورفاقه وقتلة شخصيات اخرى. وفي ضوء ذلك تبدو عملية التقارب بين نظام الاسد وعدد من الدول الغربية موقتة وهشة في انتظار تطورات وتداعيات المحكمة الدولية والقرارات الصادرة عنها".

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,156,223

عدد الزوار: 6,757,713

المتواجدون الآن: 131