ترميم المناعة اللبنانية

تاريخ الإضافة الخميس 5 آذار 2009 - 7:27 ص    عدد الزيارات 757    التعليقات 0

        

غسان شربل
الاغتيالات السياسية ليست غريبة عن تاريخنا القديم منه والجديد. نحن ابناء منطقة عانت طويلا من نهج الشطب والإلغاء. حاولت ذات يوم ان استرجع مع سياسي عراقي ابرز الاغتيالات التي شهدتها بلاده في العقود الاخيرة. انهمرت الجثث حتى ضاق بها المكان. وسمعت من مسؤول عراقي ان صدام حسين كان يعتقد بضرورة اقتلاع العشبة السامة والشريرة من جذورها وقبل استفحال خطرها. وانه كان يزعم امتلاك القدرة على معرفة المتآمرين بمجرد التحديق في عيونهم. وكان يكتفي احيانا بدسائس التقارير فيصدر امر الشطب من دون ممارسة التحديق. 
يتعرض السياسي للاغتيال لأسباب عديدة. لأنه مرشح محتمل لدخول القصر. لأن وجوده نفسه يساهم في استنزاف قدرة سيد القصر او هيبته او طمأنينته. يغتال بسبب دور لعبه او يزعم أنه لعبه. او بسبب قراءة للدور الذي يمكن ان يلعبه مستقبلا. يغتال ثأراً وانتقاماً لشطبه كفرد يراقب ويعاند ويتربص. واحيانا يغتال لأن حذفه من المعادلة يعني اغتيال مشروعه ايضاً..... في البلدان التي تملك مؤسسات عريقة او متماسكة لا يؤدي الاغتيال الى انهيار. يتحول مجرد رسالة وحشية صارخة. في البلدان الهشة يؤدي الاغتيال احيانا الى اشعال فتيل الحرب او الفوضى او فتح ابواب الجحيم فيتحول من عقاب لفرد او حزب او طائفة الى عقاب لبلاد بأكملها.... لم يؤد اغتيال انور السادات الى اسقاط الاتفاقات التي وقعها. اغتيال اسحق رابين ترك بصمات واضحة على عملية السلام. اغتيال بشير الجميل ادى الى اغتيال الرجل والمشروع معا. اغتيال رينيه معوض ضرب لغة منتصف الطريق. اغتيال احمد شاه مسعود عشية هجمات 11 ايلول (سبتمبر) حرم القوات الاميركية من قائد افغاني كان يمكن ان يكون رأس الحربة في اسقاط نظام طالبان. اغتيال بينظير بوتو اغتال ايضا اتفاقا للتعايش بينها وبين الرئيس برويز مشرف تبلور سراً في جهود بذلتها دولة عربية. آثار الاغتيال واضحة في الوضع الباكستاني الحالي. المؤسسات الهندية نجحت في استيعاب اغتيال انديرا غاندي ولاحقا نجلها راجيف.
مر شريط الاغتيالات في بالي وأنا اتابع امس افتتاح «المحكمة الخاصة بلبنان» لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم التي يمكن ان يظهر التحقيق وجود رابط بينها وبين الجريمة الاولى. وكما العادة في الاغتيالات الكبرى تطرح التساؤلات عما دار في ذهن المنفذين والمخططين. هل للاغتيال علاقة بدور يعتقدون ان المستهدف لعبه ام له علاقة بدور يمكن ان يلعبه مستقبلا؟ وهل الغرض اغتيال رجل ومشروع في آن؟ ام كان الغرض ايضاً فتح أبواب الجحيم ودفع لبنان إليه؟ وهل عوقب الحريري لأنه بدا في صورة العمود الفقري لأي تركيبة لبنانية مستقرة؟
كان يمكن لاغتيال الحريري ان يكون مجرد حدث مأسوي يثير الاستهجان والاستنكار والغضب ثم يأوي سريعا الى ملفات رمادية تقيم تحت غبار الغموض والنسيان. وأغلب الظن ان الجهة التي ارتكبت هذه الجريمة اساءت تقدير رصيد الرجل لبنانيا وعربيا ودوليا وأساءت قبل ذلك قراءة المناخ الدولي الجديد.
لم تعد المحكمة الخاصة بلبنان شبحا يمكن ان يأتي وأن لا يأتي. لم تعد حلما او مطلبا او افتراضا. صارت واقعا. ومن واجب هذه المحكمة ان تتّصف بما وعد به القاضي دانيال بلمار لجهة النزاهة والابتعاد عن التسييس ورفض الضغوط والبحث عن الأدلة وفقا لمعايير القضاء الدولي.
في انتظار المحكمة الدولية امضى لبنان اربع سنوات قاتلة كادت تطيح ما تبقى من وحدته واستقراره. ولعل افضل ما يمكن ان يقدمه اللبنانيون اليوم هو ترك القضية في عهدة المحكمة والابتعاد عن الحملات السياسية والسيناريوات الاعلامية للتحقيق والمجريات والاسماء والتكهنات. تشكل المحكمة جزءا من الرد على اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الجزء الآخر الذي لا يقل أهمية هو إعادة إعمار المعادلة اللبنانية والمؤسسات ليتمكن لبنان من استعادة الحد الضروري من المناعة كدولة ووطن. ان قيام المحكمة حدث مهم يشكل سابقة تتخطى لبنان لكن هذا الحدث سيفقد الكثير من اهميته اذا نجحت محاولة اغتيال لبنان قبل صدور حكم المحكمة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,140,381

عدد الزوار: 6,756,542

المتواجدون الآن: 129