النظام السوري وتقاسيم التقسيم

تاريخ الإضافة الأحد 26 شباط 2012 - 6:10 ص    عدد الزيارات 410    التعليقات 0

        

 

النظام السوري وتقاسيم التقسيم
بول شاوول
بدأت نغمة "التقسيم" تتردد من جهات النظام السوري وليس من أوساط المعارضة. ويعني ذلك، إذا تحقق (وهو لن يتحقق!) الوقوع في الكانتونية المذهبية لا الأيديولوجية. والوقوع في عسكرة المجتمع، كل المجتمع، لتتحول سوريا مجموعة دويلات كانتونية تتناصر وتتذابح في حروب أهلية تبدأ ولا تنتهي. فالنظام الذي كان يتغنى في الأشهر الأولى من الثورة بأنه "حامي الحمى"، وحامي "الوحدة الوطنية"، وممانع "التقسيم"، ها هو ينقلب على نفسه، وعلى خطابه، ويهدد بالشرذمة، "حماية" له، لا حماية سوريا، وحفاظاً على "سلطتِه"، لا حفاظاً على الدولة. رائع! أن يفصح هو "أهل" الدولة المركزية نيتهم بفرط الدولة. أو لم يقل جماعة النظام، على امتداد أربعين عاماً، انهم دخلوا إلى لبنان لمنع الحرب الأهلية، ولمنع التقسيم، لأنهما يخدمان العدو الصهيوني الذي يسعى إلى تفتيت "الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة"، في دويلات مذهبية؟ رائع! لكن يبدو ان النظام بات يرى أنه يصون سوريا بتقسيمها، وان يمانع "اسرائيل" (متى مانع النظام إسرائيل وأين؟ في الجولان. أم في فلسطين، أم في العراق أم في لبنان؟). ولكن نظرية أن التقسيم وحده يخدم اسرائيل وأعداء العرب والعروبة جزئية إذا ما رأينا أن بعض الأنظمة "الموحدة" خدمت أيضاً اسرائيل، عبر علاقات "سرية" وعبر ممارسات "مموهة" بشعارات المقاومة والصمود والتصدي و"دول الطوق" عندما قسمت لبنان تحت عنوان وحدته، وقسمت القرار الفلسطيني عبر افتعال "عداء" بين مكونات الشعب وحركاته وانحازت إلى تقسيم العراق.... فالنظام السوري هو أولاً وأخيراً نظام تقسيمي. اعتاش على التناقضات العربية، وعلى هذا الدور الذي يتقاسمه مع إيران منذ قرابة ثلاثة عقود. ومن فجوات هذا الدور تسلل ليحقق أطماعه في لبنان، وإلى فلسطين وإلى العراق. وهل يمكن تجاوز حقيقة ان هذا النظام لعب في لبنان لعبة "فرق تَسُدْ" (كما في سوريا أيضاً!) فرّق بين الأحزاب العروبية إلى فصائل متناحرة. وإلى الحركات القومية وإلى الجيش اللبناني نفسه. وإلى المناطق اللبنانية وإلى الطوائف والمذاهب ليشرذمها وليهيمن عليها، ويشلّها ويصادر قراراتها، إمّا طوعاً وإما بالقتل أو التهديد أو الترغيب. ساهم مع الطغاة الآخرين: صدام حسين، القذافي، واسرائيل، بهدم الدولة اللبنانية لتتحول أشلاء بين أيدي هؤلاء (الذين رحلوا وينتظرونه على أحر من الجمر!) إنها دكتاتوريات "التقسيم" و"التفكيك"؛ هذا ما فعله صدام، والقذافي وعلي صالح وخامنئي لأن الاستبداد لا يمكن أن يستتب "هانئاً" إلاّ عندما "يُعيد" "تركيب" "الكانتونات" تحت شعار توحيدها بقيادة واحدة. فوحدة النظام السوري تربعت على تجزئة المجتمع السوري عمودياً. والمهم بالنسبة إلى النظام (نظام مضاد للدولة) تقديم هذه "الفسيفسائية" وكأنها اشارة إلى وحدة. وهذه هي الشمولية (التوتاليتارية) وان تبني وحدة بالقوة في ظل دكتاتورية الرجل الواحد أو الحزب الواحد او المرشد الأعلى أو القائد التاريخي أو الأخ الأكبر. هذه كانت حال الدكتاتوريات العربية (وقبلها الستالينية والنازية فإلى ولاية الفقيه). تضع "الوحدة" "القومية" أو "الوطنية" شعاراً هشاً لترسيخ استبدادها. وترفع لافتات "الشعب الموّحد" و"الدولة القومية" كذرائع للاخضاع، ومواد اتهام لكل من يعارضها، بأنه يهدد "الأمن القومي" ويثير "الفتنة التقسيمية" كوسائل قمع. انت تعارض فأنت خطر على البلاد. انت تحتج فأنت تخدم مخططات العدو" وانت تصرخ فأنت تعبث بمكونات المجتمع. انت تنتقد فأنت تنفذ مؤامرة خارجية تمس بأسس التعايش. فالخضوع شرط من شروط تحقيق الوحدة. والخنوع عنصر من عناصر السلم الأهلي. والامتثال أساس لتوفير الرفاهية، والاقتصاد: فأنت أمام أمرين:إما ان تدخل القفص الذهبي الأمني الآمن الصامت، وإما المصير المجهول: يعني أن الحرية هي معادل الخوف والحروب والفتنة والخيانة وهنا يأتي دور "الدكتاتور" المنقذ حامل الاقفاص بيد والمسدس بيد أخرى. وعليك الاختيار بين الأثنين لتكون إما عميلاً أو مواطناً صالحاً. أي ان الحرية تأتي مرادفاً للخراب والتقسيم وإضعاف "الروح المعنوية" وتحطيم الدولة من هنا تكون الوحدة نظرياً وعملياً هي اللادولة لأن الدكتاتور يصبح "صانع الشعب" وفوق القوانين والدساتير: هو الشعب والشعب هو. وهو الدولة. وهو التاريخ. وهو المجاز. وهو "المعجزة".
او ليس ما فعله كل الذين "وفدوا" إلى لبنان مثلاً من طغاة، وأعداء. كلهم جاء بذريعة "منع تقسيم" لبنان وهم الذين قسموه. وكلهم لمنع "الحروب"التي افتعلوها. وكلهم جاء لانقاذ وحدة البلد التي دمروها وهذه "الانجازات" سبق أن حققوها في بلدانهم: في سوريا والعراق وليبيا. (وهذا ما يُسمى تحقيق المخطط الصهيوني) القذافي طالب المسيحيين في أحد خطبه باعتناق الاسلام في عز "الفتنة" الطائفية لتأمين "انسجام" يشبه الانسجام المستتب في بلاده: أي انسجام يطفو على تقسيم "الفئات" بالقوة تحت شعار التوحيد. فالانسجام بين المكونات يقول غياب التعدد. وهذا ما فعله النظام السوري في سوريا... والعراقي في العراق واليمني في اليمن: سطح ساكن يخفي براكين كامنة. ومن الطبيعي عندما تندلع الثورات والانتفاضات وتهدد هيمنة الدكتاتوريات، ان تلجأ هذه الأخيرة إلى التهديد بالتقسيم: وهذا ما صرح به بعض المسؤولين السوريين مؤخراً: سيبقى النظام وإن قسمت سوريا! أو ليس هذا ما ردده القذافي عندما كان يشهر "دويلته" في الصحراء. او ليس هذا ما "أنجزه علي صالح؟ أو ليس هذا ما وضعه كاحتياط "استراتيجي" نظام "البعث": من الوحدة العربية الشاملة من المحيط إلى الخليج إلى كانتون طائفي؟ (بل أو ليس هذا ما سعى إليه ميلوسوفيتش في صربيا!). لكن التقسيم في هذه البلدان كان واقعاًَ عملياً! فعندما تهيمن فئة أو حزب أو عائلة أو قبيلة بالقوة على البلد، فيعني انها قسّمته إلى طبقتين وأكثر: طبقة حاكمة.. وطبقات معطلة والاثنتان منفصلتان وعندما "تستملك هذه الفئة ادوات الدولة، وتستفردها، فيعني أن هناك من هو مهمش: أي 99,99 من الناس في لوائح الغياب. فالحزب هو قائد الأمة المفككة وليس العكس. لا دكتاتورية تقوم إلا على الإلغاء. في لبنان مثلاً، كان هناك دائماً بالنسبة إلى الوصايات "المتعاقبة" تغليب فئة على أخرى، لإبقاء سيف "التقسيم" مصلتاً. اليوم تخوّن هذه الطائفة وتحارب وتضرب لمصلحة طائفة أخرى حليفة، وغداً الطائفة الحليفة في خانة الأعداء. في الثمانينات ضرب النظام السوري الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية بامتداداتها الأيديولوجية والوطنية الدينية والطائفية وتحديداً السنة وكذلك زعماء "الطائفة" المارونية. إما بالقتل، أو السجن، أو النفي، أو التهديد: أو ليس هذا ما نسميه "تقسيماً" ولعب النظام السوري، من قبل، في السبعينات لعبة الموارنة ليستخدم ميليشياتهم لاسقاط تل الزعتر ومواجهة الحركة الوطنية... واضعاً الجميع في مواجهة الجميع: يا قاتل يا مقتول! وإلاّ كيف نفسّر "قيام" ذلك المخطط الجهنمي بتحويل لبنان مجموعة كانتونات: ماروني ودرزي وبعد فشل "المشروع" دأب النظام بالتكافل والتعاضد مع ايران على انشاء كانتون "مذهبي" بديل، بالمواصفات السابقة نفسها! انها لعبة الطغاة الذين "يسيطرون" على لبنان، لعبة تحويل الشعب الواحد إلى مجموعة شعوب. وهذا ما ساهمت اسرائيل به (بالتفاوض والتكافل مع أنظمة الطغاة رافعي شعارات المقاومة، والمماثلة واسترداد فلسطين ومواجهة العدو!): شعب في عدة شعوب، جمهورية في جمهوريات: أي شعب بلا شعب. وجمهورية بلا جمهورية. ودولة بلا دولة. وجيش بلا جيش. ولكي يحافظ النظام السوري على "وجوده" آمناً اعتمد على فصل كل مكون من مكونات المجتمع عن سواه، وجعل من نفسه "الممر" الآمن، ونقطة اللقاء... إذا حدث لقاء: فممنوع على الطائفة المارونية مثلاً أن تحاور الدرزية. وممنوع على الطائفة الشيعية لقاء السنية. وممنوع على الأحزاب اليسارية أن تجتمع باليمين... وهكذا دواليك. فعلى كل شريحة أن تبقى مفترقة عن الأخرى إلا بإذن الوصاية خوفاً من تكوين مصالحة، أو حتى لقاء أو تقارب قد يهدد وجودها. وعندما تمت مصالحة "الجبل" بسعي من البطريريك صفير ووليد جنبلاط... قامت قيامة النظام واعتبرها موجهة ضده. وعندما أحس النظام بأن "اجتماعات" ما تجري بين جنبلاط والبطرك والرئيس الشهيد رفيق الحريري... هبّ بكل جنونه، وهدّد وأزبد وأرعد... ووضع البطريرك في خانة الأعداء والرئيس الحريري ووليد جنبلاط على "اللائحة السوداء" أي لائحة القتل! فالتقسيم "نعمة" الوصاية والفرقة ديدبانها. وقد دفع الرئيس الحريري حياته ثمناً لتلك المحاولات الاستقلالية الأولى، وطورد وليد جنبلاط وهُدّد بالتصفية. وعندما كسرت ثورة الأرز هذه العوائق وحققت السيادة عبر إخراج الجيش السوري من لبنان، كان على هؤلاء الذين تواجدوا تحت سقف 14 آذار، أن يدفعوا الثمن لأنهم حققوا "التوحيد الشعبي" فصفي بعض اعلامهم ورموزهم من سمير قصير وجورج حاوي وبيار أمين الجميل وانطوان غانم ووليد عيدو وجبران تويني ووسام عيد... بل ووصل تهديد هؤلاء إلى النواب المنتخبين أنفسهم وصولاً إلى حكومته الشرعية!
اليوم، وبعد 11 شهراً من اندلاع الثورة السورية، ها هو "نظام التقسيم" يلجأ إلى نغمة تقسيم بلاده. إما البلد مُوحد (بالقوة) وخاضع لنا، وإما الكانتون! فالنظام يمكن أن يركب في كانتون فئوي... كما ركب على مجموعة "كانتونات" معطلة" انا وبعدي الطوفان!
ولهذا، لم نُفاجأ عندما سمعنا هذه النغمة، لأننا عشناها في عهود هذا النظام في ظهرانينا أربعة عقود فنحن أمام خيارين. او نحن كوصاية مهيمنة أو التقسيم، او الحرب الأهلية والقتل أو الدمار أو الخراب. لكن، يبدو ان مؤامرات هذا النظام في لبنان (مع الطغاة الآخرين وخصوصاً ولاية خامنئي دام ظله الوارف الشريف بإذنه تعالى وبإذن المساعدات المادية والمعنوية والحربية لحزب الله!)، قد ارتدت عليه، اللعبة التي لعبها في لبنان وفلسطين والعراق يلعبه على نفسه، وعلى شعبه.
انها دكتاتورية التقسيم التي انعكست مع إرادة الثورة السورية إلى تقسيم الدكتاتورية... ووحدة الشعب.
بول شاوول

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,076,018

عدد الزوار: 6,751,615

المتواجدون الآن: 115