لماذا ترفض واشنطن إعطاء دور لـ"الإخوان المسلمين" السوريين ؟

تاريخ الإضافة الخميس 26 شباط 2009 - 7:20 م    عدد الزيارات 783    التعليقات 0

        

لماذا ترفض واشنطن إعطاء دور لـ"الإخوان المسلمين" السوريين ؟

النظام السوري يعلم حضور "الإخوان المسلمين" الواسع في سورية لكنه يتجاهلهم... لماذا؟
إذا كان المقال يقرأ من عنوانه فقد يقول قائل: إذا كان لـ"جماعة الإخوان المسلمين" هذا الحضور الواسع على الساحة السورية كما يزعم كاتب المقال، فإنه من الطبيعي أن يتجاهل النظام البعثي هذه الجماعة كي لا يزيدها حضورا في الشارع السوري، وتساؤل عنوان المقال ليس في محله، لأن مصلحة النظام تقتضي تجاهل هذه الجماعة واستبعادها.
هذا الاعتراض له وجاهته، لكنه ليس الوحيد الذي يحول بين النظام وتسوية خلافاته مع الإخوان رغم وجود جماعات وأحزاب إسلامية لها علاقات وطيدة مع النظام، كـ"حركة حماس" و"جبهة العمل الإسلامي" في الأردن، ما يدفع في اتجاه إنهاء خصومة النظام مع الإخوان، ظاهرا على الأقل. لكننا لا نعتقد أن لهذا التأثير الأهم في موضوعنا، لأسباب سوف نأتي على ذكرها في سياق هذا الموضوع الشائك، الذي يحتاج السير فيه إلى عبور مطبات وأشواك.
ليس من نافل القول بل من صلبه، أن نؤكد أن "الإخوان المسلمين" لم يتركوا فرصة كانت تلوح في الأفق لتسوية كريمة مع النظام السوري إلا طرقوها. وهذا ليس عن ضعف، لأن الإخوان مواطنون أصلاء وليسوا طارئين في سوريا ولا منة لأحد في عودتهم. هذه الفرص كانت على أنواع. بعضها عرضها النظام على الإخوان مباشرة كما في عامي 1984و1987، حيث تمت بين الطرفين لقاءات على مستويات رفيعة انتهت إلى لا شيء، بعد أن تبين لـ"الاخوان المسلمين" أن النظام لم يكن جادا في عروضه بل يريد زرع بذور التفرقة بين أجنحة في الإخوان، الذين انقسموا في عام 1986، وتوحدوا ثانية في عام 1993. وإن كنا نعتقد أن المفاوضات سبب ظاهري وهامشي للانقسام، لأن هناك أسبابا أخرى أهمّ دفعت اليه.  
أما النوع الآخر من الفرص فكان من طريق وسطاء بعضهم من داخل سوريا كالأستاذ "أمين يكن" نائب المراقب العام الأسبق الذي استدعي إلى القصر الجمهوري أواخر عام 1979، حيث تم الاتفاق معه على تهدئة نهاية ذلك العام أدت إلى إطلاق مئات من المعتقلين، انقلبت بعدها الأجهزة الأمنية على الاتفاق في آذار1980، واستأنفت الاعتقالات.
وجاءت الفرصة الأخرى عبر لبنانيين كانت لهم علاقة مع النظام في زمن الوصاية السورية على لبنان، تم بعدها نزول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى إلى سوريا بناء على وعد بعقد لقاء مع الرئيس الراحل حافظ الاسد لحل كل الإشكالات العالقة بين الطرفين، لكن اللقاء لم يعقد. هذه المرة كان واضحا أن النظام لم يكن جاداً، وأنه كان يسعى لزرع الفرقة بين "الإخوان المسلمين" الا ان صف الإخوان بقي متماسكا. وقد انتهت الوساطة إلى لا شيء، عاد بعدها الشيخ إلى السعودية، ثم لم يلبث حتى توفاه الله.
مناسبة هذه المقدمة التاريخية الطويلة أن جريدة "النهار" البيروتية نشرت مقالا(•) يوم 17 شباط الجاري نقلا عن مجلة "ستراتفور" الأميركية للتحليل الأمني الاستراتيجي التي تصدر على الانترنت، جاء في مقدمته: "علمت مجلة ستراتفور في أواخر كانون الثاني الماضي أن النظام (...) السوري الذي يقوده الرئيس بشار الاسد يجري نقاشات من خلال قنوات خلفية مع الإخوان المسلمين في سوريا. بعد أيام عدة، انتشر الخبر بأن الإخوان المسلمين قد انفصلوا عن جبهة الإنقاذ الوطني وهي حركة معارضة تضم تحت جناحيها مجموعات أخرى ويتولى قيادتها نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، الذي يعيش الآن في المنفى. وقد اعتبرت الجماعة أن نضالها الأساسي هو ضد إسرائيل وليس ضد النظام السوري. ومن دون الإخوان المسلمين لا تشكل جبهة الإنقاذ الوطني مصدر إزعاج كبيرا للنظام السوري...”. (تعليق من كاتب هذا المقال: ليس صحيحا أن عبد الحليم خدام يتولى قيادة الجبهة. الصحيح أن القيادة يتعاورها في آن واحد مع المراقب العام للإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني).  
على كل حال، ما أوردته مجلة "ستراتفور" لايصح. وسنذكر لاحقا لماذا. بعض المراقبين لا يستبعد أن يكون وراء تسريب خبر "ستراتفور" أعضاء في "جبهة الخلاص"، وقد ساءهم تعاظم نفوذ "الإخوان المسلمين" داخل مؤسسات الجبهة، التي لا يُعتمَد فيها قرار بدون موافقتهم. "الإخوان المسلمون" من جهتهم أرجعوا تعليقهم لنشاطهم المعارض للنظام السوري إلى تعاطفهم مع حركة "حماس" – التي وقف النظام معها - أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة.
أما في شأن المفاوضات فما نؤكده هنا أن النظام السوري لم يكن جادا في أي وقت في مفاوضاته مع الإخوان المسلمين في سوريا. وحتى المفاوضات التي أجراها نائب المراقب العام الأسبق أمين يكن أواخر 1979، كانت لشراء الوقت من قبل النظام حيث كادت الأمور تفلت من يده في مدينة حلب بسبب الصدامات الدموية مع جماعة "الطليعة المقاتلة"، وكذلك التظاهرات التي تدفقت في شوارع حلب في آذار عام 1980 ما عجل بإطلاق سراح المئات من المعتقلين كما أسلفنا، قبل أن توقف الأجهزة الأمنية التهدئة في 31 آذار 1980.  
أما لماذا لم يكن النظام السوري جاداً في السعي لمفاوضة "الإخوان المسلمين" في أي يوم مضى؟ يرجع مراقبون ذلك إلى خوفه من التأييد الشعبي الذي تحظى به الجماعة في سوريا. هذا التأييد الذي ازداد بسبب القمع الذي تعرض له الإخوان في بداية ثمانينات القرن العشرين.
أماالآن فأصبح النظام يخشى أكثر من أي وقت مضى أن تؤدي المفاوضات لعودة الإخوان إلى سوريا، حيث تعطيهم عمليات "قياس الرأي" تقدما في صفوف الشعب. مع اعتقادي  أنهم قد لا يحصلون على الغالبية في أول انتخابات نيابية حرة ونزيهة بسبب بقائهم في المنفى لأكثر من ثلاثة عقود ونشوء قيادات إسلامية تحت الأرض في سوريا قد يصعب زجها سريعا داخل التنظيم، إضافة الى وجود اتجاهات وطنية ازداد حضورها بسبب قمعها واعتقال رموزها.
أما الأمر الأهم الذي يدفع بالنظام في سوريا بعيدا عن إجراء مفاوضات مع الإخوان المسلمين فهو رفض واشنطن إعطاء أي دور للإخوان في حكم سوريا. وإذا كان عهد حافظ الاسد قد استطاع حكم سوريا في ظل معادلة تشريد الإخوان محققا بذلك رغبة واشنطن ورغبة مجموعة ضباط الأمن المتنفذين، فإن الأمر يظهر على خلاف ذلك في عهد الرئيس بشار الاسد.
لعل الوهم هو ما جعل مجلة "ستراتفور" تخلط بين تعليق الإخوان المسلمين نشاطهم المعارض وإمكان وجود مفاوضات مع النظام السوري. إن محرر"المجلة" يجهل عواطف جماعة "الإخوان السوريين" وهم يرون القصف المجرم الذي أوقع آلاف الضحايا في غزة، فأراد الإخوان إرسال رسالة تأييد، وقد قدر إخوان "حماس" لإخوانهم السوريين هذه الرسالة. من جهتهم، فإن بعض الهامشيين في جبهة الخلاص، أرادوا إثارة الغبار في وجه الإخوان بعدما ساءهم تقدير معظم الشعب السوري، الذي فهم تعليق الإخوان نشاطهم المعارض على أنها رسالة لأهل غزة، لا كما فهمها الهامشيون في الجبهة.
أخيرا: أستطيع أن أؤكد بملء الثقة أنه ليس هناك مفاوضات مع النظام السوري لا من وراء ظهر الجبهة، ولا من أمام عينيها، والقضية أعقد من ذلك بكثير.

 

(•) الدور الايراني في المحادثات مع الاخوان المسلمين – ستراتفور – 17/2/2009 - "قضايا النهار".
 


 

الطاهر إبرهيم     
(قيادي في الاخوان المسلمين السوريينمقيم في الخارج)

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,168,684

عدد الزوار: 6,758,566

المتواجدون الآن: 130