مواقف وتصريحات سورية على هامش حرب إسرائيل على غزة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 17 شباط 2009 - 7:26 ص    عدد الزيارات 673    التعليقات 0

        

بكر صدقي

لا نعرف بدقة الوسيلة الذهنية التي مكنت وزير الخارجية السوري وليد المعلم من الربط بين الحرب الإسرائيلية على غزة ومفهوم الديموقراطية وحقوق الإنسان، حين زجر الأوروبيين قائلاً لهم: «لا تحدثونا عن الديموقراطية وحقوق الإنسان بعد اليوم». المرجح أنه أراد أن ينتقد الموقف الأوروبي المشين فعلاً من تلك الحرب. ولكن ما علاقة الديموقراطية بذلك؟ ترى هل سيقبل المعلم، بصورة مماثلة أن يقول له سياسي أوروبي: «لا تحدثونا عن حقكم في الجولان المحتل بعد اليوم»، تعليقاً على إجراء قمعي ما من قبل السلطات السورية بحق مواطنيها؟

بالطريقة نفسها أعلنت جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة، من مقرها في لندن، «تعليق نشاطاتها المعارضة للنظام السوري، لتوفير جميع الجهود من أجل دعم أهل غزة». لا نعرف أيضاً الآلية المنطقية التي ربطت بين الحرب الإسرائيلية على غزة، ووقف النشاط المعارض للجماعة ضد النظام. بيد أن خيطاً رفيعاً يصل حبل الود بين تصريح المعلم وبيان جماعة البيانوني، يتمثل في ما يمكن استنتاجه، رياضياً، على النحو التالي: العدوان الإسرائيلي على غزة يتعزز كلما أمعن النظام السوري في احترام معايير الديموقراطية وحقوق الإنسان، وكلما ارتفع منسوب النشاط المعارض له. وبالعكس، كلما أمعن النظام في عدم احترام تلك المعايير، وكلما توقف المعارضون عن معارضته، تعززت المقاومة الفلسطينية في غزة ضد العدو الإسرائيلي! إنها معادلة غريبة لا يستسيغها العقل، ولكن يبدو أن المعلم والجماعة يؤمنان بصحتها.

المفارقة، في تصريح المعلم، أن الطرف الأوروبي هو طرف خارجي وغير معني بالموضوع بصورة مباشرة، ويمكن الافتراض أن المعلم ينطلق من مبدأ أن الأوروبي ينبغي أن يمثل الضمير الحي للعالم، فإذا شذ عن دوره هذا في موقف ما، فَقَدَ اعتباره هذا وما عاد يحق له التمثيل ذاك. ينطوي تصريح المعلم بهذا المعنى على نقد ازدواج المعايير عند أوروبا، أو الغرب المتقدم بصورة أعم، وهذا الحكم صحيح، خاصة إذا تعلق الأمر بإسرائيل. وفي الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة بلغ الموقف الأوروبي، فعلاً، مستوى من السوء غير مسبوق يستحق وصفه بعبارات من نوع المشين، خاصة من حيث الهوة بينه وبين موقف المجتمعات الأوروبية التي عبرت عن نفسها بوسائل مختلفة منها التظاهر في الشارع.

من حيث المبدأ يمكن الاتفاق مع تصريح المعلم بالقول إن أوروبا التي تغطي على جريمة يمكن تشبيهها بسائق شاحنة يدهس بصورة متعمدة جمعاً من المارة، لا يحق لها تلقين الآخرين دروساً في الديموقراطية وحقوق الإنسان. بيد أن هذا الحكم ينطوي على قبول ضمني بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان بوصفها قيماً إنسانية إيجابية، شذوذ الحكومات الأوروبية عنها، في تغطيتها على «الدهس» الإسرائيلي للقطاع، أفقدها حقها في تلقينها إلى الغير. ويتوقع المرء، بعد هذه المحاكمة الصحيحة أن تلقن الحكومة التي يمثلها المعلم درساً لأوروبا في القيم المذكورة. وبما أننا نعرف واقع الحال الذي يشير إلى عداء حقيقي لتلك القيم، حق لنا تفسير التصريح بطريقة مختلفة.

من المرجح أن الأمر يتعلق بمقايضة سياسية، بالنظر إلى سورية وأوروبا كطرفين في مفاوضات حول أسس الشراكة بينهما، فيما سمي بمسار برشلونة الأورو-متوسطي، كما بالنظر إلى الانفتاح السياسي الأوروبي المستجد على سورية، بعد سنوات من القطيعة. وتقوم المقايضة، وفق ما يمكن استنتاجه من تصريح المعلم، على مطالبة دمشق لأوروبا بالتخلي عن مطالبها المتعلقة باحترام المعايير الدولية للديموقراطية وحقوق الانسان، فيما لا نعرف الحد الثاني للمعادلة، عنيتُ ما يمكن أن تقدمه لها سورية بالمقابل. وتقتضي البراءة منا افتراض أن دمشق سوف تسكت بالمقابل على الموقف الأوروبي المشين من حرب غزة، وربما تسمح له بالتحول من موقف ظرفي إلى موقف دائم من الصراع العربي الإسرائيلي (حتى تكون المقايضة بين ثابتين). بيد أن هذا الافتراض يتناقض تماماً مع المطالبة السورية الدائمة لأوروبا لكي تلعب دوراً أكبر في العملية السلمية في المنطقة. وما دامت السياسة، والعلاقات الدبلوماسية بالأخص، لا تقوم على مواقف نهائية أو ثأرية، يتوجب استبعاد فرضية أخرى مفادها أن دمشق تعاقب أوروبا على موقفها المشين، بحرمانها من حق التحدث في شؤون الديموقراطية وحقوق الانسان. ويبدو العقاب الافتراضي هذا، على أي حال، عبثياً إذا تساءلنا عما يمكن للديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في سورية أن يحققاه لأوروبا من مكاسب. حقاً لا نعرف ما الذي يمكن أن تجنيه أوروبا من ذلك. قد يكون العكس هو الصحيح، أي أن تتعامل أوروبا مع الوضع القائم في سورية كما هو، فهي تريد هذه الشراكة بمستوياتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وليس من مصلحتها وضع العصي في العجلات، ما دام يمكن تحقيق ذلك بلا اشتراطات يراها الطرف الآخر مجحفة بحقه. وهذا هو معنى عودة الحوار الأوروبي – السوري بعد قطيعة فرضتها واشنطن، برغم ثبات السياسات السورية، ومعنى التقدم الحاصل في مسار الشراكة برغم الوضع المتراجع لكل من الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان، كما عبرت عن ذلك مواقف أوروبية رسمية عديدة وتقارير عديدة أيضاً لمنظمات أوروبية وعالمية تعنى بحقوق الإنسان.

بيد أن تصريح المعلم ينبغي أن يقرأ قراءة أخرى تتساءل هذه المرة عن نوع الجمهور الذي يتلقاه، فلا جدوى من تصريح من هذا النوع بغير وجود طلب عليه. ونعتقد أن الطلب هذا موجود في سوقنا العربية بمستوى يتناسب طرداً مع مستوى الإجرام الإسرائيلي والسياسات الغربية التي تغطيه. فكلما أمعنت إسرائيل في وحشيتها في التعامل مع المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، كلما ازداد النفور لدى شطر واسع من الجمهور العربي – الإسلامي من الغرب، ويكمن دور أنظمة الاستبداد في مطابقة الغرب ذاك مع مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وقيمهما، بما يحوّل النفور الشعبي من الغرب إلى نفور من تلك المفاهيم والقيم. يمكن قول الشيء نفسه بصدد تعامل أنظمة الاستبداد، إيديولوجياً، مع الاحتلال الأميركي للعراق. فقد دأبت على السخرية من مزاعم واشنطن حول نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط بالحديث عن «ديموقراطية غوانتانامو وأبو غريب». السخرية من والعداء لـ»ديموقراطية غوانتانامو وأبو غريب» هما في حقيقة الأمر سخرية وعداء من وللديموقراطية بالإطلاق، والقول بفشل الولايات المتحدة يعني فشلها في نشر الديموقراطية، الأمر الذي أبهج جميع الأنظمة العربية، بما فيها حلفاؤها.

لم ير المعلم في السياسات الأوروبية أو مطالب الشراكة ما يتصدى له غير تلك المطالب المتعلقة بما من شأنه أن يفتح الآفاق المسدودة أمام تقدمنا واندماجنا في العالم والعصر.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,766,267

عدد الزوار: 6,913,896

المتواجدون الآن: 132