دمشق تتراجع: نريد السلام مهما حدث للفلسطينيين....

تاريخ الإضافة الأربعاء 11 شباط 2009 - 2:44 م    عدد الزيارات 718    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر
"أكد مسؤولون سوريون بارزون لجهات دولية رسمية ان نظام الرئيس بشار الاسد ليس راغبا في اعلان الحرب على اسرائيل، او فتح جبهة الجولان أمام عمليات المقاومة المسلحة خلافا لاتفاق فك الارتباط الموقع عام 1974 بين البلدين، بل مستعد للعودة الى طاولة المفاوضات مع الدولة العبرية في اقرب وقت ممكن لاستعادة ارضه المحتلة بالوسائل الديبلوماسية والسلمية، بقطع النظر عما يجري في الساحة الفلسطينية، اذا كان ثمة استعداد اميركي – اسرائيلي جدي للعمل من اجل تحقيق السلام. وقدمت دمشق هذه "التطمينات" الى الجهات الدولية المعنية بعدما تم طرح تساؤلات في عدد من العواصم حول ما اذا كان الرئيس بشار الاسد تخلى فعلا عن خيار السلام والتفاوض في التعامل مع اسرائيل بعدما اعلن في قمة الدوحة موت مبادرة السلام العربية وهدد باستخدام القوة، وبعدما طالب قمة الكويت العربية بأن تتبنى رسميا وصف اسرائيل بـ"الكيان الارهابي" بسبب ما قامت به في غزة، وهو ما لم يفعله سابقا. وقد شدد المسؤولون السوريون خلال اتصالاتهم السرية مع هذه الجهات الدولية على ان موقف الاسد في قمتي الدوحة والكويت ليس ناتجا من قرار استراتيجي مدروس يقضي باعتماد الخيار العسكري ضد اسرائيل من الآن فصاعدا، بل ناتج من رد فعل لا اكثر على المجازر التي ارتكبتها الدولة العبرية خلال حربها على قطاع غزة، واكدوا ان سوريا كانت ولا تزال متمسكة في الاساس بخيار السلام". هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية غربية وعربية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت ان الاسد لجأ الى التصعيد السياسي والتهديد الكلامي لمحاولة التغطية على عجزه عن تقديم اي مساعدة ملموسة لـ"حماس" في مواجهة اسرائيل، ولتحويل الانظار عن فشله وفشل حليفه الايراني في قيادة معركة غزة سياسيا وديبلوماسيا في الساحتين الاقليمية والدولية، وفي تحقيق اي انجاز او مكاسب للمحور السوري – الايراني. ووفقا للمصادر ذاتها فان الاستراتيجية الفلسطينية للمحور السوري – الايراني وصلت الى طريق مسدود بعد حرب غزة، اذ ان "حماس" مضطرة للعودة الى حضن السلطة الشرعية الفلسطينية لان تجربة حكمها المنفرد لغزة منذ انقلابها على السلطة في حزيران 2007 جلبت المآسي الفظيعة للفلسطينيين، وساهمت في اضعافهم. كما ان "حماس" ليست قادرة وحدها على تأمين حاجات اهل غزة ومتطلباتهم الكبيرة بل عليها الاعتماد على الدعم العربي والدولي الواسع لايصال المساعدات اللازمة الى القطاع، ولاعادة اعمار ما تهدم في الوقت الذي يرفض المجتمع الدولي وكذلك المجموعة العربية عموما دولتها المستقلة وسياساتها وتوجهاتها. اضافة الى ذلك، فان خيار المقاومة المسلحة المنفردة سقط بعد حرب غزة وكل ما الحقته بالقطاع من دمار وخراب، اذ ان اي مواجهة جديدة تفجرها "حماس" مع اسرائيل ستلحق المزيد من الخسائر والاضرار البشرية والمادية الهائلة بهذا الجزء من فلسطين وبأهله، وهذا ما لا يريده الغزاويون وخصوصا ان الحرب لم تحقق لهم اي مكاسب او انجازات.
الفشل السوري – الايراني... واكدت لنا المصادر الديبلوماسية الغربية والعربية المطلعة ان الاسد فشل مع حليفه الايراني في تحقيق مجموعة اهداف اساسية سعى اليها من خلال تشجيعه "حماس" على افشال الجهود المصرية بعد الجهود السعودية لتحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وعلى تحدي اسرائيل وجرها الى المواجهة برفض تمديد التهدئة الامنية معها وقصفها بالصواريخ.... والاهداف الاساسية التي فشل الاسد مع حليفه الايراني في تحقيقها هي الآتية:
اولاً، فشل الاسد في تأمين شرعية عربية او دولية لـ"حماس" وفي تغيير المعادلة في ما يتعلق بالتعامل معها، كما فشل في اقناع اي دولة – باستثناء ايران وقطر – بأن دور الرئيس الفلسطيني محمود عباس انتهى، وان من الضروري التفاوض مع "حماس" لتسوية المشكلة الفلسطينية وليس مع السلطة الوطنية الفلسطينية وحدها. وقد رفضت الغالبية العظمى من الدول العربية هذا التوجه السوري – الايراني، اذ انها تتعامل مع السلطة الفلسطينية المنبثقة من منظمة التحرير على اساس انها هي التي تمثل الشعب الفلسطيني، كما تتعامل مع "حماس" على اساس انها تنظيم متمرد على الشرعية، وعليها بعد نكبة غزة ان تتصالح مع القيادة الشرعية الفلسطينية التي يرئسها عباس والانضواء تحت لوائها في اطار حكومة وحدة وطنية من اجل توحيد الموقف الفلسطيني والقرار الفلسطيني. اما المجموعة الدولية فترفض التفاوض او التحاور رسميا مع "حماس" قبل ان تلتزم نبذ العنف والارهاب، وتعترف بوجود اسرائيل وتقبل حل النزاع سلميا معها على اساس الاتفاقات الموقعة، وهو ما تطالب به اللجنة الرباعية الدولية.
ثانياً، لم يستطع الاسد ان يكون رجل حل ازمة غزة، بل فشل في ان يفرض نفسه محاوراً رئيسياً مع الدول العربية والاجنبية البارزة والمؤثرة لايجاد تسوية لهذه الازمة بجوانبها المختلفة. ذلك ان الحل القابل للتطبيق يجب ان يلقى دعما من الدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها مصر والسعودية والاردن، ومن السلطة الشرعية الفلسطينية ومن اميركا والدول الاوروبية المعنية بالامر، وهي كلها رفضت منح الرئيس السوري اي دور محوري واكتفت وتكتفي بمطالبته بالضغط على "حماس" لتقبل وقف القتال مع اسرائيل بشكل دائم تطبيقا لقرار مجلس الامن الرقم 1860 ولتتجه بسرعة نحو تحقيق المصالحة مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
ثالثاً، فشل الاسد في تأمين استمرار دولة "حماس" المستقلة المسلحة في غزة، اذ ان الاجراءات المشددة التي ستتخذها اميركا مع عدد من الدول الاوروبية والجهات الاقليمية لمنع وصول الاسلحة والصواريخ الى "حماس"، وكذلك الترتيبات التي ستتخذ في شأن فتح المعابر مع القطاع ضد ارادة السوريين والايرانيين، ستؤدي الى فرض حصار ليس له سابق على دولة "حماس" مع تأمين المواد الغذائية والانسانية الضرورية للفلسطينيين. واكد لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان القرار الدولي بانهاء دولة "حماس" المسلحة المستقلة في غزة ناتج من ان هذه الدولة لن تسهل حل المشكلة الفلسطينية سلميا بل انها ستكون قاعدة عسكرية ايرانية متقدمة يستخدمها المحور السوري – الايراني لتعزيز مواقفه التفاوضية مع الدول الكبرى ومع اسرائيل".
رابعاً، فشل الاسد في اقناع المجموعة العربية والمجتمع الدولي بتحويل المساعدات والاموال المختلفة لاعادة اعمار غزة الى حكومة "حماس" مباشرة. اذ ان سائر الدول ترى ان حكومة "حماس" ليست شرعية لانها نتيجة انقلاب مسلح، كما ترى ان مسعى الرئيس السوري يكرس وجود سلطتين فلسطينيتين ويضعف بالتالي الجهود الديبلوماسية لحل النزاع. ولذلك ستتم عملية اعمار غزة باشراف عربي – دولي ملائم وبالتنسيق والتعاون مع السلطة الفلسطينية الشرعية، او مع حكومة الوحدة الوطنية.
خامساً، فشل الاسد في اضعاف وتقليص الدور الاساسي لمصر والسعودية والاردن والدول المعتدلة عموما في تسوية ازمة غزة والمشكلة الفلسطينية عموما، كما فشل في دفع المجموعة العربية الى التخلي عن مبادرة السلام العربية وخيار السلام، من جهة لان الزعماء العرب يعرفون تماما ان سوريا وايران لن تدخلا في اي نوع من المواجهة المسلحة المباشرة مع اسرائيل، ومن جهة اخرى لان الجهات الدولية المعنية بالامر ترفض كليا خيارات المحور السوري – الايراني لمعالجة النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي.
تحقيق دولي يفضح "حماس".... ضمن هذا الاطار كشف تحقيق دولي اجرته في فلسطين واسرائيل ودول اخرى "مجموعة الازمات الدولية"، وهي مؤسسة ابحاث تتمتع باحترام واسع في الاوساط الديبلوماسية العالمية، ونشرت نتائجه في تقرير طويل صدر اخيرا، كشف معلومات مهمة وجديدة عن حرب غزة وحقيقة مواقف "حماس". ويتولى ادارة شؤون الشرق الاوسط في "مجموعة الازمات الدولية" روبير ماليه مستشار الرئيس السابق بيل كلينتون لشؤون النزاع العربي – الاسرائيلي. وقد كشف تقرير "مجموعة الازمات" المعلومات المهمة الآتية:
1 – قبل ايام قليلة من بدء الحرب الاسرائيلية على غزة في 27 كانون الاول الماضي، قام ديبلوماسيون يمثلون دولتين من دول العالم الثالث بنقل رسائل من المسؤولين الاسرائيليين الى بعض قادة "حماس" في الداخل تحذر بوضوح من ان اسرائيل ستنفذ هجمات عسكرية كبيرة ضد غزة اذا لم تتوقف "حماس" عن قصف اراضيها بالصواريخ والقذائف. وقد تعامل قادة "حماس" بجدية مع هذا التحذير الاسرائيلي اذ اوضح التقرير ان المسؤولين الكبار في "حماس" لجأوا يوم 25 كانون الاول الى المخابئ بعد تلقيهم الرسائل الاسرائيلية، كما تم نقل معدات حساسة مهمة ومنها اجهزة كومبيوتر من الجامعة الاسلامية والوزارات الى اماكن آمنة اخرى. وغادر عدد غير محدد من مقاتلي الحركة قواعدهم الى مواقع اخرى آمنة.
واكد التقرير الدولي انه تم الحصول على هذه المعلومات من مسؤول كبير في "حماس" ومن مسؤولي دولي في القدس. وهذه المعلومات تنسف رواية "حماس" بانها فوجئت بالهجوم الاسرائيلي على غزة وتطرح تساؤلات حول اسباب امتناع الحركة عن اتخاذ الاجراءات والاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين من العمليات الاسرائيلية او للتخفيف من معاناتهم. كما ان معلومات هذا التقرير تسقط الاتهامات التي وجهتها "حماس" الى القيادة المصرية بانها "طمأنتها" الى ان اسرائيل لن تهاجمها، في الوقت الذي كانت الحركة على علم مسبق بوقوع هذه الحرب واتخذت لذاتها ولعدد من قادتها اجراءات الحماية اللازمة.
2 – ذكر التقرير ان الكثير من اهالي غزة يوجهون في مجالسهم الخاصة انتقادات الى "حماس" لانها فجرت المواجهة مع اسرائيل مما ادى الى اصابة القطاع واهله بهذه الخسائر الهائلة، ولانها تقاتل من مناطق آهلة بالسكان. واوضح "ان حماس لن تستطيع البقاع طويلا في غزة، اي ان تستمر في الحكم المنفرد، اذا لم تؤمن حاجات اهله الاساسية ومتطلباتهم المعيشية". وهذا يشمل ليس المساعدات الغذائية والطبية والانسانية المختلفة فحسب، بل ايضا اعادة اعمار ما تهدم وما تضرر. ونقل التقرير عن مسؤول في حركة "فتح" قوله: "كل هذه الدماء سالت من اجل حكم ليست لديه اي صدقية".
3 – نقل التقرير عن احد قادة "حماس" قوله: "اذا اصبحت "حماس"، نتيجة هذه الحرب، عاجزة عن حكم غزة، فسننزل حينذاك تحت الارض ونمارس دورنا كحركة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال". لكن هذا المسؤول لم يوضح من اين ستأتي "حماس" بالسلاح اللازم، وكيف ستقاوم اسرائيل من دون ان يدفع اهالي غزة الثمن.
4 – نقل التقرير عن احد مستشاري الرئيس الفلسطيني محمود عباس قوله: "إن حماس اضعف من حزب الله، وهي  لم تحصل على الدعم الكبير الذي تقدمه ايران وسوريا الى الحزب، كما انها ليست مرنة مثله في التعامل مع الازمات والاوضاع المختلفة". واكد التقرير استنادا الى مسؤولين فلسطينيين في الضفة الغربية "اذا ما انهار حكم حماس في غزة فيجب ان تتولى مسؤولية ادارة القطاع مؤقتا قوة عربية او قوة دولية قبل نقل هذه المسؤولية الى السلطة الوطنية الشرعية".
5 – نقل التقرير عن مسؤول فلسطيني بارز قوله: "ان خصوم عباس ينتقدونه باستمرار، ولكن هل قامت حماس بعمل افضل مما قام به عباس؟ وهل تمكنت فعلا من تمثيل الشعب الفلسطيني والتعبير عن طموحاته وآماله المشروعة؟ ان حماس قامت بمغامرة بالغة الخطورة وغير محسوبة بعد حكم استمر عاما ونصف عام لم تنجح خلاله في تأمين حاجات اهالي غزة ومطالبهم الاساسية والحيوية".
6 – نقل التقرير عن مسؤول مصري قوله: "ان حماس لم تكن راغبة فعلا في تحقيق المصالحة مع السلطة الوطنية الفلسطينية او في تمديد العمل بالتهدئة الامنية مع اسرائيل بل انها تصرفت على اساس انها قوة لن يستطيع احد قهرها، ومن الضروري الآن اقناع حماس بانها ليست بالقوة التي تتصورها".
ووفقا لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي تعليقا على هذا التقرير: "ان اصرار حماس على القول انها خرجت منتصرة من الحرب مع اسرائيل، خلافا لكل الوقائع والحقائق الملموسة، يعكس عدم اكتراث الحركة للعدد الكبير من القتلى والجرحى والخسائر الهائلة التي اصابت قطاع غزة واهله كما يعكس اصرار الحركة على محاولة انقاذ حكمها باي ثمن. لكن هذه المكابرة لن تحقق شيئا لحماس اذ ان الحركة خسرت فعلا غزة كما انها الحقت اضرارا كبيرة برصيدها الفلسطيني. والمرحلة المقبلة ستكشف ذلك بوضوح".

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,190,228

عدد الزوار: 6,939,757

المتواجدون الآن: 133