في موازاة السبق الإسرائيلي لإلغاء حقوقنا

تاريخ الإضافة الأربعاء 11 شباط 2009 - 2:42 م    عدد الزيارات 720    التعليقات 0

        

بقلم كلوفيس مقصود
إزاء التطورات الخطيرة التي ستشهدها، بل تختبرها الساحة العربية يبرز إجماع على أن الاداء العربي "المشترك" هو حتماً دون الحد الادنى المطلوب، بل يمكن الجزم ان الشراسة التي عوملت بها غزة والتي أوضحت في شكل قاطع مضمون التوجه العقيدي الصهيوني الى إلغاء - نعم إلغاء الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وما الانتخابات الاسرائيلية بعد يومين سوى تسابق على من يستطيع التعجيل في عملية الالغاء بدون مقاومات أو اعتراضات حاسمة إقليمياً ودولياً. كما تجيء هذه الانتخابات الاسرائيلية فيما إدارة الرئيس باراك أوباما شديدة التركيز على إخراج الأزمة الاقتصادية والمالية من المأزق الخطير الذي تتفاقم تداعياته يوماً بعد يوم مما يجعل التركيز عليها أولوية مفروضة. هذا بدوره يجعل أي تعديل ممكن لمهمة مندوب الرئيس الاميركي جورج ميتشل مؤجلاً في أحسن الاحتمالات وفي أسوئها تكون نتائجها قد أوجدت واقعاً جديداً أسوة بما يحصل دوماً من فرض اسرائيل وقائع ميدانية جديدة، وبالتالي من امكانات التحايل والمراوغة للتفلت من أي ضغوط محتملة أو من اي توقعات بتحقيق أي من حقوق الشعب الفلسطيني المنصوص عليها في مجموعة القوانين الدولية والتي لم تلتزمها اسرائيل مطلقاً في الماضي، وكم بالحري عندما يكون التسابق بين التيارين اليمينيين وكل منهما يصر على انه أكثر قدرة في استكمال الهدف الصهيوني وعدم اكتراثه بالوسائل التي تؤمن صيرورته؟
كما ان مجزرة غزة حيث وُصف السلوك الاسرائيلي بأنه ينفذ المحرقة بالتقسيط، كانت بالفعل نموذجاً لما هو مقبل، وبرهن الحراك العربي الذي تعامل به النظام العربي القائم مع مآسي غزة من جهة، عن ابتعاد مخيف عن المسؤولية القومية، وعن انعدام أي وحدة، أو تنسيق، أو مجرد حد أدنى من التضامن مما أفرز فراغاً معيباً مكّن كلاً من تركيا وايران من السعي الى ملئه، وهذا يفسر حمى المساعي التي تقوم بها تركيا والتي تجيز ان نتوقع تقليص خسائر الانشطار والتبعثر في الاداء المعيب للنظام العربي القائم. ثم ان تنامي الشعور بالمسؤولية الذي تبديه حكومة أردوغان، على رغم قيود الحلف الاطلسي، والانجذاب الى الاتحاد الاوروبي، وما يوصف بالعلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل، تشددت الحكومة التركية في مواجهة الصلف الاسرائيلي وادانة مجزرة غزة، وتأكيد حق "حماس" في المشاركة في تقرير المصير الفلسطيني والعمل على رفع الحصار، مما يشير الى أن تركيا ستتحمل مسؤولية قد تدفع العرب الى مراجعة أدوارهم وتحريك عوامل في اتجاه المزيد من التناغم مع مشاعر شعوبهم واستعادة مبادرتهم في رسم استراتيجية عربية واحدة تأخذ في الاعتبار التطورات اميركياً بعد رئاسة أوباما والازمة الاقتصادية المتفاقمة، وما قد تفرزه الانتخابات الاسرائيلية من استكمال المشروع الصهيوني في التمدد والضم والتهويد، خصوصاً ان نتنياهو يواكب استكمال المخطط الصهيوني بمشروع "السلام الاقتصادي". لذا يتوجب على الدول العربية، قبل أن يصبح العجز الفاضح مترسخاً، اتخاذ اجراءات فورية تمهد لواقع عربي جديد يعيد الاحترام، ناهيك بالنجاعة لمواقفنا من خلال وحدتها وتلاحمها. ولعل الخطوة الاولى ان تستعيد مصر دورها التعبوي وكونها ساحة التلاقي والتلاقح والتواصل الدائم بين المخزون القوي في دول المغرب الكبير وبين معاناة المشرق العربي وما يمكن لدول الخليج العربي مده من عطاءات ومساهمات في اتجاه التنمية والامن الانسانيين، اضافة الى فرص الحوار التي وفرها بعض دول الخليج والتي من شأنها تعزيز فرص التفهم، لا سيما في الغرب، لقضايانا العادلة ومقومات حضارتنا الاسلامية العربية. لكن هذا الدور المصري المتميز لن يتمكن ما دام القيد الخانق المتمثل بالعلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل قاتماً، علماً انه اصبح عبئاً ثقيلاً جداً على امكانات ردع التمادي الاسرائيلي في مواصلة استباحته للحقوق القومية لعدد من الاقطار العربية والتهديدات المباشرة التي تمهده لإلغاء الردع العربي وتهميش الشرعية الدولية ، وتعجيز المنظمات الدولية على القيام بالمهمات الموكولة اليها. أجل ان خطوة مصر في هذا الاتجاه تعيد اليها دورها الرائد المعبئ والمنظم والطليعي، والأهم الموحد الذي لا يستولد الفراغ الهائل كالذي حصل بعد معاهدة الصلح مع اسرائيل التي حولت مصر من دور الرادع الفاعل المنتظر الى دور "وسيط" تتعامل معه اسرائيل وكأن معاهدة الصلح حاجة مصرية، وعملياً كأنها تنازل اسرائيلي. وبمعنى آخر تعتبر اسرائيل نفسها مفتاح علاقة مثمرة مع الولايات المتحدة وخاصة مع الكونغرس الاميركي، ولذلك سهلت معاهدة الصلح علاقات مصر اميركياً، في حين ان هذه المعاهدة بالذات كبلت تحركها عربيا وهمشت دورها الرادع، وقلصت مكانتها التاريخية ورصيدها في الانجازات القومية التي حصلت والممكن والمطلوب استعادتها وتفعيلها. كما ان المعاهدة بدورها افرزت تيارات انشقاقية بشعارات "الاردن اولا وحتى سوريا أولا" وفي لبنان تعمقت جذور الطائفية بدل المواطنية، وحتى فلسطينيا كان الاعتراف بمنظمة التحرير على انها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بمثابة تخل عن المسؤولية القومية عمليا عنها، وان ظلّ الالتزام سياسياً واعلامياً الى حد اقل اقتصادياً باقياً. وعلى رغم ان القرار غيّب المسؤولية القومية فان السببين السابقين لهذا التطور كانا نتيجة عملية الانفصال بين مصر وسوريا ومن ثم هزيمة عام 1967. لكن معاهدة الصلح التي انجزت بعد زيارة الرئيس السادات الى القدس المحتلة ادت الى ترسيخ التخلي عن المسؤولية العربية المباشرة عن قضية تحرير فلسطين. ونشير الى ضرورة الغاء معاهدة الصلح المصرية – الاسرائيلية وما استتبعها من الصلح مع الاردن وتوجهات تطبيعية أو الى حد ما غير معنية لكونها خارج "دول الطوق" (لبنان، سوريا، الاردن، مصر والى حد ما العراق) لأنها دفعت التحرير نحو التماثل بقبول اتفاقات اوسلو التي استولدتها معاهدتا الصلح مع اسرائيل والتي لا تزال تداعياتها تتمثل بالانشطار الفلسطيني الذي بدوره يعكس الانشطار العربي الراهن وبالتالي يغذيه ايضا. لقد حان الوقت لنحدد ان معاهدة الصلح المصرية – الاسرائيلية هي الحائل الرئيسي لتحقيق الضرورة القصوى المتمثلة بردع التمادي الاسرائيلي في سعيه الدؤوب الى الغاء فلسطين وتمزيق وشائج الوحدة بين العرب واذكاء الحروب داخل العديد من المجتمعات العربية والعبث بأمن الدول العربية وأمان شعوبها، وبالتالي تحريف مشاريع التنمية المستدامة في الوطن العربي والمساهمة في تهميش الحضور الدولي للامة العربية. فالمشروع الصهيوني يعمل على توسيع رقعة اسرائيل لليهود والتي كاد بعض العرب ان يتجاهلها خلال "الاحتفالات" باتفاق انابوليس، وذلك من نوع من اللجوء الى ترسيخ عوامل التفرقة ومن ثم دفع التنوع المبدع في الامة العربية وفي مختلف اوطانها الى التحول "تعددية" كما تزوّر عناصر الوحدة وتعزز النزعات الإنفصالية والتيارات الانعزالية، كما تعمل على تغليب عوامل العلاقات العمودية مع الغير على حساب العلاقات الأفقية داخل اطار التنوع، وكل ذلك بغية الغاء اي ردع لتمادي اسرائيل في الاستباحة والاجرام وتسويقها المقاومة على انها ارهاب تغطية لارهابها المدروس. ثم ان التركيز على ضرورة قطع العلاقات المشار اليها مع اسرائيل هو لتأمين مستقبل العرب أمة واوطانا وشعوبا، وليكون هذا القطع استحقاقا للعقاب وكلفة حقيقية لاستكبار اسرائيل غير المسبوق وردعا حاسما لما سوف تفرزه الانتخابات الاسرائيلية في اليومين المقبلين. ان امعان اسرائيل وعنادها في عدم الاعتراف بكونها سلطة محتلة هما امتداد لعدم اعترافها سابقا بأنها في فلسطين 48 ليست مغتصبة. وما تهدد به باعلان استحالة قبولها حق العودة للاجئين الفلسطينيين هو التمهيد الراهن لاستكمال المشروع الصهيوني العنصري في القطاع الفلسطيني من امتنا وتسريعه. واذا كان من احتمال لمساهمة ردعية من ادارة اوباما في المستقبل القريب فلا مفرّ من عودة الوحدة الفلسطينية ووحدة قابلة للتصديق في الموقف العربي.
وهذا يتطلب سرعة في اجراءات نقدية للذات الفلسطينية المقاومة حتى تستقيم التزاماتها الثابتة، كذلك الامر بالنسبة الى العلاقات العربية – العربية كي تتجنب الاملاءات عليها وتتعزز بالتالي المناعة التي تحول دون تصهير مفاهيم "الاعتدال" و"الممانعة". وادراك ان تركيا الحاضنة البديلة هي في نهاية الامر حاضنة موقتة ومشكورة... وان ايران الداعمة وإن بشطط خطابي – تبقى داعمة وليست خصما؟ لكن كلا من ايران وتركيا هما خارج اطار الامة، والامة بتبعثر سلوكها اوجدت فراغاً وضياعاً حان الوقت لملئه اولا بمصر العائدة الى دورها القومي ومرحليا بجامعة دول عربية يتم تمكينها في القمة الآذارية المقبلة... والا فإن المفارقة الممنوعة هي انفجارات للكبت تعتبر ذاتها بديلا من نهضة مدروسة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,104,502

عدد الزوار: 6,752,945

المتواجدون الآن: 104