الجمهورية الإسلامية بعد ثلاثين عاماً على الثورة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 10 شباط 2009 - 10:22 ص    عدد الزيارات 687    التعليقات 0

        

رضوان السيد

هناك ثلاث طرق لتقويم إنجازات الثورات الكبرى (والثورة الإيرانية منها) بعد مضي عقدين أو ثلاثة على قيامها واستتبابها، الأولى: مقارنة الأوضاع الداخلية للدولة والناس بما كانت عليه قبل الثورة، وما هي عليه اليوم. والثانية: مقارنة موقع دولة الثورة في محيطها الاستراتيجي بما كان عليه قبلها. والطريقة الثالثة في حالتي الثورتين الكوبية والإيرانية على وجه الخصوص: تأمّل مقادير وقدرات الصمود والنجاح في مواجهة الولايات المتحدة، التي كانت ولا تزال العدوَّ الأول للثورتين منذ قيامهما وحتى اليوم.

في الطريقة الأولى أو المجال الأول، يمكن القولُ من دون تردد ان نظام الجمهورية الإسلامية الذي أقامه الإمام الخميني لا يزال يحظى بدعم غالبية الشعب الإيراني، وبخاصةٍ الفئات الدنيا أو الأكثر فقراً وحاجة. بيد أنه وبعد هذه النظرة العامة، ما حدثت تطوراتٌ وتطويراتٌ بارزة لجهات النمو وتحسين ظروف حياة الناس والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، كما أن النظامَ السياسي لم يخطُ خطوات واسعة في مجال الحريات، والتعددية الحزبية، وبناء المؤسسات، وقضايا فصل السلطات وانتظام ممارساتها بما يتلاءم وتوقعات المواطنين، وبخاصة فئاتهم الوسطى. وصحيحٌ أنه تحققت في السنوات الأخيرة نِسبُ نموّ أعلى من السابق، لكن الاستطلاعات التقريبية تُقدّرُ نسبة المواطنين الذين لا يزالون تحت خط الفقر بما يصل الى 35 في المئة أو أكثر قليلاً. وقد كانت ايران في السبعينات من القرن الماضي تخطو خطوات مقبولة في مجال تنويع مصادر الدخل، بما يتجاوز موارد النفط (والغاز الآن). بيد أن هذا التنويع ما تطوّر بنسبة ملحوظة في عقود الثورة الثلاثة. ولذا فإنه حتى الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السنوات الأخيرة، ما انعكس تحسناً ملحوظاً في مستويات عيش المواطنين، وبخاصة المزارعين وسكان الأرياف. كما أن الحيوية والحراك اللذين أحدثتهما الثورة الشعبية ما دفعا في حقبة التسعينات وعقد القرن الواحد والعشرين باتجاه تطلعات وتحققات واعدة، ربما باستثناء بعض مجالات التكنولوجيا العسكرية التي يتحدث النظامُ عنها كثيراً في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد بالذات. فالمشكل الاقتصادي الذي قال الرئيس السابق للجمهورية السيد محمد خاتمي إنه لم ينجح في معالجته، ازدادت وطأتُهُ بأشكالٍ متعددةٍ في عهد الرئيس نجاد الى حدودٍ تشير سائرُ التقارير الى أنها باتت قاسيةً وعسيرة الاحتمال. ومع الانخفاض الكبير في أسعار النفط والغاز - وهما مصدر الدخل القومي الرئيسي - فإنّ المصاعب الاقتصادية ستزداد، وبخاصة أن سوء الإدارة والفساد يضاعفان من تلك المصاعب. وقد شبّه أحد الاقتصاديين الإيرانيين الوضع الاقتصادي في إيران اليوم بما كان عليه الوضعُ في الاتحاد السوفياتي في أواسط الثمانينات من القرن الماضي.

أما في المجال السياسي، فيُحسب لنظام الجمهورية الإسلامية أنه ومنذ البداية، حافظ على اجراء انتخاباتٍ منتظمةٍ بحسب الدستور للرئاسة ومجلس الشورى (النواب) والبلديات. لكن بسبب تركز السلطات في يد الولي الفقيه، والمجالس والهيئات التابعة له أو التي يؤثر فيها بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، فإنه لا حرية في الترشح، وهناك عددٌ من المناخل والمصافي التي يمرّ بها المتقدمون بترشيحاتهم للمجالس المنتخبة أو المناصب الإدارية، بحيث لا يصلُ الى العضوية أو المنصب غير الذين يريدهم المرشد الأعلى أو يقبلهم. وليست هناك احزاب، بل هناك تياراتٌ سياسيةٌ غائمةٌ وغير واضحة المعالم، وتنحصرُ في مسميين: هما المحافظون والإصلاحيون. وقد عمل السيد خاتمي طويلاً (ومعه الإصلاحيون) على تطوير ما صار يُعرف بالديموقراطية الإسلامية. لكن سلطات المرشد، وقبضة المحافظين، وكثرة تدخل القضاء الإسلامي في مسائل الحريات، وعمل الصحف، كل ذلك حال دون بروز معالم واعدة لتلك المحاولة. فإذا كان النظام في الصين، وفي الدول الاشتراكية السابقة، هو نظام الحزب الواحد، فإنه في الجمهورية الإسلامية نظامُ الرجل الواحد أو الطبقة الواحدة، طبقة رجال الدين. ولا شكَّ في أن النظام السياسي/ الديني بإيران اليوم هو نظامٌ مستقرٌ، لكن استقراره يقوم على وسائل ضبط كثيرة أمنية وادارية، يعسُرُ معها الحراك، بحيث تبدو كل معارضةٍ سياسيةٍ وكل مبادرةٍ من هذا الجانب أو ذاك، بصورة انشقاق، سرعان ما يتخذ سِمات دينية، يقمعهُ القضاء ان اعتبر خفيضاً، ويتدخل الأمن لإيقافه ان اعتبر فظيعاً. والطريف ان الحراك الثقافي/ الديني شديد الحيوية إذا قورن بالحراك السياسي. فالمهتمون بهذا الجانب - وأنا منهم - يتابعون مبادراتٍ واجتهاداتٍ كثيرة في شتى المجالات الثقافية والدينية، والتي يبدو أن جهات الأمن والحرس الثوري والقضاء لا تأبهُ لها، ما دامت لا تتناولُ شخص المرشد أو صلاحياته، أو هيبة رجال الدين. بيد أن أقوى الأدلة على صعوبة الوضع في الجمهورية الإسلامية في شكلٍ عامٍ هو التردد الكبير في صفوف «الإصلاحيين» على مشارف الانتخابات الرئاسية. وقد ترشح الرئيس السابق السيد خاتمي أخيراً، ومن قبيل أداء الواجب، لا على أمل إنفاذ برنامجه شأنه في العام 1996. وقد قال لي أحد رجال الدين الظُرفاء: ماذا تريدنا أن نفعل؟ هؤلاء «الإصلاحيون» لا يريدهم أحد، وهم يعرفون ذلك، ولذا يترددون ويصرخون، وسيدوسهم الشعب في اندفاعه لإعادة انتخاب الرئيس نجاد!

ولننتقل الى الطريقة الثانية في تقويم الثورة الإسلامية بعد مضي ثلاثين عاماً على قيامها، أي علاقاتها بجوارها، وهيبتها في محيطها، مقارنةً بما كان عليه الأمر أيام الشاه. وفي هذا المجال استطاعت الجمهورية الإسلامية الاحتفاظ بالهيبة والأهمية اللتين كانتا لإيران أيام الشاه، تجاه تركيا، وتجاه الخليج، وتجاه العراق. وقد كانت يدها قويةً أيام الشاه في كل هذه الاتجاهات. بيد أن أسلوب فرض الهيبة اختلف أيام نظام ولاية الفقيه، عنه أيام الشاه. فنظام الجمهورية اليوم مختلفٌ في طبيعته (الدينية) عنه في الأيام السالفة. ولذلك تُعطى لكل خطوةٍ خارجية معانٍ دينية ودعوية وتبشيرية، ولذا فقد تحدث كثيرون في الثمانينات الماضية عن ممارسة تصدير الثورة. وفي البدء فإن الجمهورية الإسلامية اعتبرت أنها تحمل مشروعاً مذهبياً واسلامياً عالمياً. وباسم المذهب نشرت نفوذها لدى الأقليات الشيعية في العالم الإسلامي، وفي العالم الأوسع، عالَم المهاجر. وفي جانب المرجعية الإسلامية الشاملة اهتمت على وجه الخصوص بالمسائل ذات الطابع الرمزي مثل قصة سلمان رشدي (الدفاع عن النبي والإسلام)، وقضية فلسطين (يوم القدس، و «حزب الله»، و «حماس»، و «الجهاد الإسلامي»)، وأُتيحت لها ظروفٌ ما أتيحت للشاه بسبب انتهاء الحرب الباردة، وتغير التوازنات الدولية بالمنطقة. لكن في الغالب أيضاً بسبب اختلاف طبيعة النظامين وأهدافهما. فالشاه كان بوسعه الاستمرار في استغلال قضية الأكراد لتركيع العراق، لكنه اكتفى بالحصول على ميزاتٍ في شطّ العرب وعلى الحدود بين البلدين، فتخلى عن دعم الأكراد. أما الجمهورية الإسلامية، فإنها استغلت الصراع بين النظامين العراقي والسوري على المدى الطويل، وحتى بعد انتهاء الحرب بينها وبين العراق، وضرب الولايات المتحدة للعراق بسبب غزوه للكويت عام 1990. فقد ربطت سورية بها على رغم ارتفاع التكلفة، وبنت «حزب الله» في لبنان، وجعلته عاملاً استراتيجياً في سياستها الخارجية تجاه الولايات المتحدة، واستطراداً تجاه إسرائيل. وأقصد بالظروف التي أُتيحت لايران، حاجة الولايات المتحدة إليها في غزوها كلاً من أفغانستان والعراق، إذ تمددت على الخطوط نفسِها التي تمدد عليها الغزو الأميركي، ومزجت بمهارةٍ بين الأهداف الدعوية والأُخرى السياسية والاستراتيجية. فبدت في الملف النووي، وفي نُصرة «حزب الله» و «حماس» حافظةً للهيبة والمصالح القومية من جهة، وللهيبة المذهبية والدينية من جهةٍ ثانية. أمّا في الجهة الأخرى، أي جهة خُراسان وآسيا الوسطى، وفي النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، فإنها قدّمت المصالح القومية على الشأن المذهبي والديني - إذ وقفت مع أرمينيا ضد أذربيجان ذات الأكثرية الشيعية، بسبب الحساسيات المتوازنة بين الطرفين على الحدود والأبعاد الإثنية. ومن الطريف أن إيران وقفت منذ البداية (في الإعلام على الأقل) ضد المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد أو الكبير. لكن ما لم تستطع الولايات المتحدة تنفيذه بالقوة، نفذته إيران من طرفها، فظهر الشرق الأوسط الجديد الذي ضمَّ الى دول المشرق العربي كُلاً من إيران وتركيا وإسرائيل! فالشاه كان شريكاً مقتدراً في أمن الخليج، وصديقاً لتركيا، وقوياً على العراق. أمّا الجمهورية الإسلامية فقد أضافت لذلك - وبالسياسة والتحالفات والتهديد بالقوة من دون استخدامها حتى الآن - اختراقات في شرق الفرات وغربه، وتزعّما للإسلام السياسي في منطقة المشرق. وهذا المدى الذي صنعته المهارة وصنعته السياسات الراديكالية، هو اليوم في كفة الميزان وقيد التجربة، مع الأوروبيين والروس، والرئيس الأميركي الجديد.

ويبقى المقياس الثالث أو الطريقة الثالثة لقياس نجاحات الجمهورية الإسلامية، وهو هذا التناكف المستمر مع الولايات المتحدة ومآلاته. أما الشاه فكان حليفاً للولايات المتحدة، وخصماً محترماً للاتحاد السوفياتي. في حين أن الجمهورية الإسلامية مستمرة منذ العام 1979 في التصارع مع الولايات المتحدة، وفي علاقاتٍ رجراجةٍ بروسيا بعد زوال نظام السوفيات. وقد هدأ الأمر بين الطرفين في التسعينات. وعندما أرادت الولايات المتحدة القيام بهجمتها الأوحدية في مطالع القرن الواحد والعشرين واحتاجت الى إيران، ورأت إيران في اسقاط النظامين بأفغانستان والعراق مصلحة لها، ساعدت الأميركيين، لكنها قبضت الثمن سلفاً. وبعد صُراخٍ بين الطرفين امتد واستطال، تعرض الولايات المتحدة على ايران الآن التفاوض في كل الملفات وان لم تسلِّم بالنووي، ولا سلّمت بتهديد أمن اسرائيل. وهذا نجاحٌ لا يُنكرُ للجمهورية الإسلامية، يشبهُ النجاح الذي حققه كاسترو بالصمود في وجه أميركا منذ العام 1960 وحتى اليوم.

إن المسائل الثلاث الباقية بعد ثلاثين عاماً على قيام الثورة الإسلامية بإيران وانتصارها هي: هل الأمة الإيرانية في أوضاعٍ داخليةٍ أفضل وأسعد مما كانت عليه أيام الشاه، وبالنظر للحاضر والمستقبل؟ وهل الوضع الاستراتيجي لإيران في محيطها أفضل مما كان عليه آنذاك؟ وأخيراً ما هي مآلاتُ العلاقات بالولايات المتحدة أولاً، وبروسيا ثانياً؟

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,174,837

عدد الزوار: 6,938,790

المتواجدون الآن: 123