من شعار "لبنان ليس أوكرانيا أو جورجيا" الى مباركة التدخّل الرّوسي ضد تبيليسي

تاريخ الإضافة الإثنين 18 آب 2008 - 3:08 م    عدد الزيارات 1309    التعليقات 0

        

وسام سعادة

ما الداعي لإهداء الذكرى الثانية لـ"الإنتصار الإلهي" إلى قوّات التدخّل الروسيّ في جورجيا؟ هل تتناقض طموحات الشعب الجيورجيّ في الحفاظ على مكاسب "ثورة القرنفل" الإستقلالية والديموقراطية، وفي استعادة وحدة أراضي جمهوريّته و"ترسيم حدود" دولته مع حق لبنان بـ"جيشه وشعبه ومقاومته" بـ"تحرير أو استرجاع" بقعه الحدوديّة المتبقيّة وفي تسلّم خرائط الألغام وفي كبح العربدة الجويّة الإسرائيلية فوق أراضيه؟
ما العلاقة بين صوغ "المنظومة الدفاعية" للبنان وبين تبرير المفاعيل الحربية للسياسات التي تعتمدها "مجموعة غازبروم للطاقة" التي تدير روسيا وتهدّد ليس فقط الإستقلال الجيورجيّ، بل أيضاً الإستقلال الأذربيجاني، فضلاً عن إحكامها الهيمنة على أرمينيا؟
وما هو مشروع المقاومة التي يؤسّس لها "الإنتصار الإلهيّ" في العراق. وكيف تميّز هذه المقاومة نفسها على أرض الواقع عمّن وصفهم الأمين العام لـ"حزب الله" في خطبته الأخيرة بـ"الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء"؟ أليس العراقيّون أعلم بشعابهم، وقد ذاقوا موجات متتالية من التجارب المريرة منذ ثلاثة عقود أو يزيد؟
هل تتناقض "المنظومة الدفاعية" المنشودة للبنان مع استمرار التحسّن الأمني في العراق؟ وهو تحسّن تصعب المكابرة عليه بعد العمليات الحكومية الناجحة في الموصل والأنبار والبصرة كما تتعذّر المبالغة في أمره طالما أنه لم يزل بحاجة إلى تحصين سياسي شامل ينخرط بموجبه الجميع في العملية السياسية.
هل يمنح البند الوزاريّ المتعلّق "بحق لبنان" حقاً للـ"المقاومة الإسلامية في لبنان" باستهداف "المعاهدة العراقية ـ الأميركية" وبالتالي إضعاف القدرات الحكومية العراقية على تحسين شروطها؟
جورجيا في خطبة 8 آذار 2005
ما كانت هذه المرّة الأولى التي يذكر فيها أمين عام "حزب الله" جورجيا بالإسم. المرة الأولى كانت في 8 آذار 2005. قال يومها إن "لبنان حالة فريدة فهو ليس الصومال" وعنى بالصومال نموذجاً للتدخل العسكري الأميركي المباشر. لكنه ما لبث أن أضاف "ولبنان ليس أوكرانيا وليس جورجيا" . وما يجمع البلدان، أوكرانيا وجورجيا، أنهما شهدا انتفاضات شعبية على خلفية تزوير نتائج الإنتخابات البرلمانية أو الرئاسية، ووصلت بنتيجة هذه الإنتفاضات نخب أكثر تحيّزاً للغرب، وأكثر رغبة في التفلّت من الهيمنة الأمنية الروسيّة.
في 8 آذار 2005 وضع اللبنانيون من قبل "حزب الله" أمام محظورين. محظور استدراج تدخّل عسكري أميركي مباشر، ومحظور التغيير الديموقراطي من دون حاجة إلى تدخل أجنبي. ويومها آثر العماد ميشال عون الرّد على نصرالله فقال "نحن لا يمكن أن نواكبه في ما يطرحه، طبعاً لن نقاومه ونتمنى له النجاح". وإذ أيّد عون أن لبنان "حالة فريدة" ليس كغيره من التجارب الأوروبية الشرقية أو السوفياتية السابقة فإنه كان واضحاً للغاية: "لا نريد أن يكون هناك قوات رديفة للجيش اللبناني ولا قوات رديفة لقوات الأمن اللبنانية" بل رفع شعار "لا لتدخّل الأحزاب السياسيّة في الأمن والدفاع" .
ما حدث أنه في 14 آذار 2005 نجحت أكثرية الشعب اللبناني في الإقتباس من التجربتين الجيورجيّة والأوكرانيّة، وإن كانت هذه الأكثرية تميّزت بتشديدها على مبدأ الحياد تجاه سياسات "المحاور الإقليمية" في المنطقة، ولم يدر في بال أحد من أقطاب هذه الأكثرية تنسيب لبنان إلى "حلف شمال الأطلسي" أو نصب بطاريات "الدرع الصاروخي" فوق أراضيه. وإذا كان شعار "جورجيا للجيورجيين" الذي رفعته "ثورة القرنفل" ملتبسا لناحية مناهضته في آن واحد للهيمنة الأمنية الروسية وللأقليات القومية ذات النزعة الإنفصاليّة في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، فإن شعار "لبنان أولاً" توحيّدي بقدر ما هو استقلالي.
صحيح أن لبنان "ليس أوكرانيا وليس جورجيا" لكن استقلالييه استفادوا مما تناقلته الفضائيات عبر العالم من وثبة الشباب الحرّ في أوكرانيا وجورجيا. ولم يقتصر "الإقتباس عن جورجيا وأوكرانيا" على "انتفاضة الإستقلال". فعندما نفّذ "حزب الله" وحلفاؤه اعتصامهم في ساحة رياض الصلح نشطوا لتصويره اعلامياً على أنه استيحاء من النموذج الأوكراني ـ الجيورجيّ لإفتراش الساحات. "اعتصام المعارضة" كان نسخة مشوّهة عن اعتصامات تبليسي وكييف. الفارق يبدأ من أن المعتصمين في تبليسي وكييف تحدّوا كلاً من الآلة الأمنية والبرد القارس في حين أن "اعتصام حزب الله" فُرض بالآلة الأمنية واستمرّت الخيم خالية من المعتصمين لعام ونصف تتحدّى وحدها تعاقب الفصول المتوسّطية.
جورجيا في خطبة 14 آب 2008
عرج أمين عام "حزب الله" على جورجيا قبل ثلاث سنوات للجزم بأنّه لا قدرة للبنانيين لاستيلاد التغيير الديموقراطي بقدراتهم الذاتية على غرار ما أنجزته شعوب شرق أوروبا وصولاً إلى منطقة القوقاز.
قدّمت جورجيا في الخطبة الأخيرة كـ"عبرة لكل من ترمي بهم أميركا في مغامرات غير محسوبة وفي النهاية تتخلّى عنهم لأن مصلحتها أكبر من كل شيء".
لكن ما تراها تكون "المغامرة غير المحسوبة" هنا؟ الإنتفاضة الشعبية على الوصاية الأمنية الروسية عام 2003، أم انفجار المشكلة المزمنة مع الأقاليم الإنفصالية؟ الإعلام المحسوب على "حزب الله" يختزل كل المسألة إلى أن "اسرائيل تحارب في جورجيا" علماً أن عناصر المشكلة التي أوجدها ستالين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا سابقة للنكبة الفلسطينية، كما أن روسيا، وليس جورجيا، هي التي قامت عملياً بخلق الظروف للإنتفاخة الديموغرافية الإسرائيلية من خلال هجرة أكثر من مليون يهودي من مواطني روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى إلى اسرائيل فور انتهاء الحرب الباردة.
سيقال إن "المغامرة غير المحسوبة" كانت مبادرة تساكشفيلي إلى اقتحام أوسيتيا الجنوبية وما جرّه ذلك من تدخّل روسيّ. وبالطبع يمكن الركون إلى هذا الوصف لو كان مطلقه ينتهج الواقعية السياسية في كل شيء. أما وأن صاحبه يمنح نفسه الحق في استخدام كل وسيلة وفي اللجوء إلى كل حجة وكل حيلة من أجل تحرير مناطق حدودية أو من أجل اطلاق أسير فكيف يمكن ساعتئذ انكار هذا الحق على جورجيا؟
وقد يظهر من خطبة السيّد الأخيرة أن الإهتمام بالموضوع الجيورجي منشأه "التعاون العسكري الجيورجي ـ الإسرائيلي"، وهذا بالطبع أمر ينبغي التوقف عنده كعنصر من جملة عناصر أخرى عند الشخوص إلى الحدث القوقازي، لكن ماذا لو كان التعاون العسكري الإسرائيلي مع الصين أو مع الهند هو المحك الذي على أساسه ينظر إلى الصين والهند وإلى العلاقات معهما، علماً أن تعاون اسرائيل مع الصين والهند يفوق بأضعاف التعاون الحاصل بينها وبين تبليسي.
ثم أن هذا التعاون لم يكن حائلاً دون تطوّر "العلاقات الإيرانيّة ـ الجيورجيّة" ولم تحتج ايران مرة عليه، وإنما كانت تبني مواقفها من تبليسي على خلفية شبكات أنابيب الطاقة في منطقة القوقاز.فإما أن تعتمد المعايير النفعية الواضحة، وهي التي تعتمدها ايران تماماً في حال القوقاز، وإما أن تعتمد المعايير الأيديولوجية الملتبسة. ايران في القوقاز لم تعاد جورجيا لأنها عقدت صفقات عسكرية مع اسرائيل. هذا مع أن ايران دولة شبه محاذية لجيورجيا بخلاف لبنان الذي تقوم قائمة "الإعلام الحربي" فيه ضد الجمهورية القوقازية، ويصل الأمر بالبعض إلى تمنّي صلي قوى 14 آذار بغارات طائرات "السوخوي" كي تكفّ عن المكابرة.
ايران في القوقاز لم تعاد جورجيا. بل غالباً ما تواجهت مع أذربيجان. وفضّلت ايران أرمينيا المسيحية على أذربيجان المسلمة والشيعية. وما يحدث اليوم بعد الحرب على تبليسي هو أن علاقات ايران بأذربيجان تتشنّج أكثر فأكثر. ايران التي تخشى التوجهات الإنفصالية في أذربيجان الإيرانية لم تتردّد ساعة في دعم موقف أرمينيا في ناغورنو كاراباخ، تماماً مثلما أن ايران الثورة الإسلامية كانت شبه مرحّبة بالعملية الدموية التي انتزع الجيش الروسي بموجبها "الإستقرار" في الشيشان وداغستان.
فبماذا يطرق حديث "المنظومة الدفاعية" بعد ذلك؟ هل الأولوية للمعايير النفعية (المصلحة والجدوى والكلفة) أم للمعايير الأيديولوجية (الخير في صف 8 آذار وايران وروسيا ضد الشرّ الذي تمثّله 14 آذار وحكومة المالكي في العراق وجورجيا وبولونيا وأميركا)؟
في العراق الناهض من بحر الدماء، كما في أذربيجان الحريصة على حماية مساحتها تحت الشمس، ثمة أكثريتان شيعيتان تؤكدان أولوية المصلحة والجدوى والكلفة، واتساق هذه الأولويات مع التطور الديموقراطي والتنمية. فهل يجيء الرّد من لبنان "الحالة الفريدة" بدعم.. المقاومة ليس فقط في العراق، بل أيضاً ضد أذربيجان؟!
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,645,995

عدد الزوار: 6,906,336

المتواجدون الآن: 103