إحياء معهد الإعداد الفكري ـ السياسي في »القوات«: »لا أحد يمكنه إلغاء الآخر وعلينا إدارة عيشنا معاً«

دنيز عطا الله حداد

منذ خروج رئيس الهيئة التنفيذية في »القوات اللبنانية« سمير جعجع من السجن في صيف العام ،٢٠٠٥ وهو يعمل على إعادة ترميم »القوات«. عمل توزع على أكثر من جبهة. واحدة منها إعادة تحضير كوادر شابة »قادرة على التعبير عن توجه »القوات« والدفاع عن خياراتها السياسية« كما يقول مصدر مسؤول في الحزب.
بالامس خرجّت »القوات« الدفعة الأولى من طلابها في »معهد الإعداد الفكري السياسي«. تخريج تأبى الذاكرة إلا أن تربطه بما كان يوم كانت »القوات اللبنانية« ميليشيا تخّرج كوادر فكرية وعسكرية لها طروحاتها الخاصة كما طموحاتها.
ما الذي تغيّر في طروحات »القوات« وإلام يخضع الطلاب في إعدادهم الفكري ـ السياسي؟ أي فكر يوجه خطابهم ومواقفهم؟ أسئلة أجاب عنها الدكتور انطوان حبشي أحد الكوادر الشابة التي تساهم في تنشئة »القواتيين«.
يستهل حبشي كلامه عن دورات الإعداد »لا يمكن لأي حزب أن يكون عنصرا تغييريا اذا كان تقليديا. وأول تغيير يكون بوعي الذات وقبول الآخر. ونحن اليوم نشدد على الدولة ودورها كما نريد أن ننقل للشباب خلاصة تجربة القوات. فنحن لا نريد لأبنائنا أن يضيّعوا حياتهم كما أضاعها أهلهم في صراعات وعنف لا يوصل الى مكان. علينا أن نعترف جميعا بأن لا أحد يمكنه أن يلغي الآخر في لبنان وعلينا إدارة عيشنا معا. من هنا وجوب الوعي السياسي كي لا ننزلق الى الغريزة ونبقى نحل مشاكلنا في الاطار الحواري«. ولكن أليس في هذا الكلام طوباوية تبتعد قليلا عن واقع الامور؟
يجيب حبشي »على الإطلاق. وحدهم من دفعوا الأثمان الباهظة قادرون على معرفة قيمة الأمور. والقوات دفعت الثمن الكبير«.
ويشير الى »ان طموحنا أن نخّرج كوادر قادرين على الجلوس مع الآخرين ليناقشوا ويديروا خلافاتهم واختلافاتهم«.
كيف يتم اختيار هؤلاء الكوادر؟ يوضح »لقد طُلب من مصلحة الطلاب في القوات أن يخضع جميع المنضويين اليها من جامعيين الى إعداد فكري وسياسي. اذ لا بد من أن ينتقل الطالب الجامعي في التزامه من الإطار العاطفي الى عقلنة انتمائه. فيكون اختياره للقوات خيارا واعيا وليس غريزيا. ويمكن لطلاب غير قواتيين أن يشاركوا في هذه الدورات اذا قدموا طلبا«.
أما الدورات فهي على مستويين. واحدة تمتد لنحو ستة أشهر، والاخرى لسنة كاملة. ومن تخرجوا بالأمس هم الدفعة الاولى الذين أنهوا المستوى الاول ويمكن لمن شاء منهم الانتقال الى المستوى الثاني.
ويشرح حبشي أن »الدورة مقسمة على خمسة محاور اجتماعية ـ سياسية.
الاول: تعريف بالطوائف اللبنانية، تركيبتها الاجتماعية، هواجسها السياسية، إضافة الى تركيبة المجتمع اللبناني.
الثاني: طبيعة نظام الدولة. مفهوم الدولة والوطن. اتفاق الطائف وآلياته ومواضيع تكون مطروحة على الساحة الوطنية.
الثالث: وهو تاريخي يلقي الضوء على تاريخ نشوء لبنان واستعراض لأبرز المحطات من الصليبيين الى العصر المملوكي والعثماني فبداية نشوء الكيان مع فخر الدين، القائمقاميتين، المتصرفية، لبنان الكبير، الانتداب، الاستقلال، بناء الدولة والحرب اللبنانية«.
الرابع: كيفية العمل على دينامية الجماعة. حل النزاعات. تقنيات الإعلام والدعاية السياسية. ويتم ذلك ضمن ورش عمل ومشاغل وليس نظريا.
الخامس: تاريخ »القوات«.
يخضع الطلاب الراغبون بالانضمام الى هذه الدورات الى امتحان لقدراتهم وفق معايير قياس معدلات الذكاء العالمية، ويشير حبشي »الى أن غالبية الطلاب ينجحون. أما ليتجاوزوا الدورة نفسها فعليهم أن يكونوا ملتزمين بالمشاركة والحضور وأن يبدوا جدية ورصانة في التعاطي مع المواضيع المطروحة وأن يتمكنوا من الإجابة بنجاح على ما يشبه الامتحان في آخر مرحلة. والطلاب الـ٦٥ الذين تخرجوا امس فعلوا ذلك ومن شاء منهم سينتقل الى المستوى الثاني الذي يتم فيه تعميق وتفصيل أكبر لكل المحاور التي تم إنجازها في المستوى الاول«.
وهل بعد الإعداد الفكري والسياسي سيكون هناك إعداد عسكري أو ما شابه؟ يجيب حبشي »ان اختيارنا لمواضيع الإعداد تؤكد خياراتنا. فتركيزنا على موضوع حل النزاعات يعني اعترافنا بوجود آخر نختلف معه وعلينا أن نجد أسلوبا للتلاقي وحل خلافاتنا واختلافاتنا بعيدا عن العنف. وتركيزنا على الطائف إقرار منا بوجود صيغة سياسية يجب احترامها. أما الدولة فهي المرجعية الوحيدة. لا شرعية لأي عنف خارج إطارها وهي راعية للجميع ولا تحمل ايديولوجيا فئة أو تتبناها. نحن اخترنا الدولة وهو ما يجب أن يكون خيار كل اللبنانيين ليديروا خلافاتهم تحت سقفها وضمن قوانينها ورعايتها«.