"الصراع الطبقي" و"تحالف الأقليات" في مدرسة آل الأسد

تاريخ الإضافة الجمعة 16 أيلول 2011 - 5:57 ص    عدد الزيارات 466    التعليقات 0

        

"الصراع الطبقي" و"تحالف الأقليات" في مدرسة آل الأسد

 


وسام سعادة

بمسارعته إلى الإحتماء بمنطق "تحالف الأقليّات" يكون النظام البعثيّ الفئويّ في سوريا اعتمد المنطق التالي: ما عادت لي شرعية كنظام، إنّما ينبغي منعي من السقوط. ليس لأني ما زلت قادراً على تأمين الإستقرار، بل لأنّ الفوضى المتأتية من سقوطي أكبر من الفوضى التي تجلبها ممانعتي الدمويّة عن السقوط. ولازمة هذا المنطق هو إستمرار القمع الدمويّ، وأيضاً للسبب نفسه: لأنّه نظام بلا شرعيّة لكن ينبغي منعه من السقوط.
يكشف هذا المنطق العُصابيّ (بضمّ العين) جملة معطيات أهّمها أنّ النظام البعثيّ الفئويّ في سوريا يعي جيّداً، ليس من اليوم، وإنّما منذ قيامه في منتصف الستينات، أنّ ثمّة مشكلة جوهرية بينه وبين أكثرية النسيج المجتمعيّ السوريّ. الحديث عن "أقليّات" بالجملة، سواء كانت غير مسلمة أم مسلمة غير سنّية، يطرح مباشرة السؤال عن وجود أكثريّة في سوريا، وعن وجودها، في أكثرها، خارج النظام.
ويكشف هذا المنطق أن المعادلة البعثية الفئوية الأساسية، معادلة حافظ الأسد، قد انتهت إلى غير رجعة. فـ"الأب" كان يدرك جيّداً أنّ العصبية الفئوية هي "باطن النظام"، أو "نخاعه الشوكيّ"، لكنها لا تكفيه للإستمرار. لا بدّ من هيكل عظميّ ودورة دمويّة وأعضاء. لا بدّ من عناصر ثلاثة لإستمرار نظام أحاديّ وفئويّ في آن: العسكر، الأصل الريفيّ، التقسيم الأقلويّ للمجتمع.
هذه المعادلة كانت مختلفة تماماً عن "تكتيل الأقليّات". فالأسد "الأب" سبق له أن أوقع في أواخر الستينات بشبكة داخل الضباط البعثيين كانت تعرف بإسم "التحالف الفاطميّ"، أمّا الأسد الإبن فاعتقد، خصوصاً بعد التدخّل الأميركيّ في العراق، أنّه قادر على الإستمرار هو الآخر "إلى الأبد" بالإنتظام ضمن "تحالف صفويّ جديد" تقوده إيران من جهة، وبوراثة صدّام حسين، أو "إعادة توحيد المنطق البعثيّ" من جهة ثانية.
وإذا ما عدنا إلى المعادلة التي مكّنت "الأب" من دوام البطش، فهي معادلة ترى أنّ الضبّاط من أصل ريفيّ وأقلويّ هم الأكثر قدرة على تمثيل "وجهة نظر العسكر"، كما أنّ العسكر هم "القوّة المحرّكة للتحديث". هي إذا معادلة تدور حول نفسها: لأجل تحديث المجتمع ينبغي تفادي التشتت الديموقراطيّ، ولأجل ذلك لا بدّ من العسكر، ولأجل تأمين حيوية العسكر في هذا المجال لا بدّ لهم من عصبية أهلية تقودهم، وهي العصبية التي يرمز اليها آل الأسد.
من جهة ثانية، ينبغي أن يستمرّ هؤلاء العسكر في تمثيل "وجهة نظر الرّيف". فـ"الإصلاح الزراعيّ" مصدر الشرعية الزائفة. لا يعني هذا أنّ النظام يمثّل "صعوداً إجتماعياً للفلاحين" إنّما "صعوداً سياسياً لهم"، وبالإنابة، من خلال "صعود الضبّاط الريفيين". عالم الإجتماع الفرنسي المغدور عام 1986 ميشال سورا خير من فهم هذه النقطة. بيّن أن النظام البعثيّ الفئويّ يستند على نوع ملفّق من "الصراع الطبقيّ". ليس عن صراع طبقي داخل المجتمع يجري الحديث، إنّما عن "صراع طبقيّ" داخل ومن خلال الأجهزة الأمنية، وضدّ المجتمع، بل من أجل إلغاء وحدة المجتمع. وحدة النظام تستلزم بالضرورة بعثرة وحدة المجتمع.
فالعسكريّ البعثيّ الفئويّ يقول التالي: نحن نمثّل صعود الفلاحين في المجتمع السوريّ، والصراع ضدّنا هو لإعادة المجتمع إلى طور الإقطاع والرجعية. لكنه يقول أيضاً: نحن ضبّاط من أصل ريفيّ أو فلاحيّ، وكل من يفكّر في إقصائنا عن مناصبنا يريد إرجاعنا إلى الريف والفلاحة، ولأجل ذلك لا بدّ من سفك الدماء.
ذات يوم وقف حافظ الأسد أمام "اتحاد شبيبة الثورة" ليقول: "ما زلت أذكر أيّها الطلاب الأعزاء أني في المدينة التي كنت أدرس فيها سيّرنا تظاهرة كبيرة حين علمنا أن أحد الإقطاعيين الأوغاد قتل فلاحاً وهو يجرّب بندقية الصيد". هذا هو المنطق البعثيّ الفئويّ بتمامه. الأسلحة "الإشتراكية" ثم "الممانعة" التي جرّبها "الأب" ثم "الإبن" لإضطهاد الشعوب السورية والفلسطينية واللبنانية لم تكن إلا للرّد على هذا "الإقطاعيّ الوغد".
أما العنصر الثالث، فهو الطابع الفئويّ للنظام، لكن ليس بمعنى "تحالف الأقليّات"، ففي هذا "فساد الطبخة"، وإنّما بالتقسيم الفئويّ للمجتمع السوريّ من جهة، وحظر أي تعدّدية ثقافية أو قومية أو لغوية أو مذهبية أو مناطقية داخل سوريا من جهة ثانية. الهدف الأساسي: منع تحقّق النسيج الأكثريّ في "جسم سياسيّ". أما الأقليات فلا يخطب ودّها. عليها أن تبقى خائفة: أولاً من العصبية الفئوية الغالبة، وثانياً من تحقّق النسيج الأكثريّ للمجتمع السوريّ في جسم سياسيّ موحّد.
لقد نجحت الثورة السورية في الأشهر الماضية في تفكيك عناصر هذه المعادلة. اضطرار النظام للإستعانة بـ"تحالف الأقليّات" يكشف أنّ "التقسيم الفئويّ للمجتمع" قد أصيب في مقتل. لا يقلّل هذا من السمة "المريرة" لكفاح الأشهر القادمة، بل يزيد: لا يمكن للثورة السورية أن تؤجل الحلّ البرنامجيّ لمشكلة التعدّدية الثقافية والقومية واللغوية والمذهبية والمناطقية داخل المجتمع السوريّ إلى "ما بعد الأسد". في المقابل، لا ينبغي على الثورة السورية أن تخاف من "طابعها الريفيّ" ومن التشاؤم حياله قياساً بالتفاؤل أمام "الطابع المدينيّ" للثورة المصريّة. فالثورة السورية بـ"ريفيّتها" جرّدت نظام آل الأسد من عنصر أساسيّ. وأهل المدن الكبرى إن كانوا بطبيعة الحال يتحفّظون أمام أي ثورة بـ"طابع ريفيّ" إلا أنّ مشكلتهم الأساسيّة تبقى مع "الطابع الريفيّ الفئويّ العسكريّ" للنظام البعثيّ نفسه، وكل "نجاة" محتملة للنظام السوريّ هي كابوس سيجعلهم أكثر فأكثر في إطار الثورة، بل في متن الثورة، وفي قيادتها.


المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,612,368

عدد الزوار: 6,957,339

المتواجدون الآن: 80