إتصالات الحزب وحُفَر أنور خوجا

تاريخ الإضافة الخميس 15 أيلول 2011 - 6:30 ص    عدد الزيارات 512    التعليقات 0

        

رضوان السيّد

صارت قصة <اتصالات> حزب الله مثل سائر قصص وجوده وسطوته، شديدة الغموض وشديدة التعقيد· وأنا من أسرة من قرية في أعالي المتن على طريق زحلة - ضهور الشوير اسمها ترشيش· وفي الأصل لا يسمع اللبنانيون شيئاً عنها في الإعلام، باستثناء انسداد طريقها بالثلوج في بعض المواسم الشتوية القاسية· لكن القرية خرجت إلى الإعلام هذه المرّة في فصل الصيف وبدون ثلوج وأمطار، إذ تنبّه أهاليها وتنبّه رئيس بلديتها إلى أن الحزب يمد اتصالاته باتجاهنا أيضاً، آتياً من جهة البقاع· احتجت البلدية، وخرج بعض أهلها في الإعلام مستنكرين، وتحدث بعدهم بعض المسؤولين في حزب الكتائب، وكل هذا والحزب لم يُحرّك ساكناً، ربما حتى لا يحدث ما حدث في حالات لاسا وصنين والباروك··· إلخ· وقد مررت في تلك الناحية ذاهباً إلى البقاع، ورأيت المحفورات والمطمورات، وشاركت في بيان مع أهالي القرية الذين خافوا على أرزاقهم وأمنهم· إنما لا أخفي على القراء الكرام أنه حبكت معي النكتة التي لم أرْوها لأهلنا في ترشيش، خشية أن يظنوا أني مستخف بالمسألة كلها! قام في ألبانيا بعد الحرب الثانية نظام شيوعي متشدّد ستاليني التوجّه بزعامة رئيس الحزب الشيوعي الألباني أنور خوجا·

وعندما مات ستالين فترت العلاقات مع روسيا السوفياتية وقلّت المساعدات منها، فبدأت الشكوك تساور الزعيم المُلهَم، وهي شكوك ما لبث أن عبّر عنها في مطلع الستينات عندما بدأ الصراع بين الروس والصينيين على تزعّم الحركة الشيوعية العالمية· وبدون طول سيرة، فإن صاحبنا أنور خوجا -?وكان قد صار مثل كيم إيل سونغ وأسوأ?- أعلن انحيازه إلى الصين في مواجهة التحريضيين الروس، واستقر في خلده أن الروس سوف يغزون بلاده مثلما فعلوا مع المجريين من قبل، ومع تشيكوسلوفاكيا من بعد· ولذا فقد أصدر توجيهاً حزبياً صارماً بحفر مرابض للجنود بمئات الآلاف في طول البلاد وعرضها، بحيث تتسع كل حُفرة لأربعة جنود مع أسلحتهم بل ومؤونتهم من الأطعمة المجفّفة، لصدّ الهجوم التحريضي إن حدث، وعندما جاءت سبعينات القرن الماضي ولم يحدث غزو بري لألبانيا، تسلّل إلى خلده أنّ الهجوم المرتقب يمكن أن يكون نووياً، ولذلك فقد أقبل على تسخير شعبه في صنع مخابئ من الهجوم النووي، وهذه المرّة بالمدن وليس بالأرياف! ومات أنور خوجا ثم مات خليفته رامز عليا وتغيّر النظام في مطلع التسعينات من القرن الماضي، من دون أن يحدث غزو بالطبع· وقد أنفقت الدولة الألبانية الجديدة ملايين وملايين الدولارات لإزالة المرابض التي أفسدت الريف الألباني، وأزعجت الفلاحين وسكان المدن لكثرة المناطق الأمنية والعسكرية، شأن ما هو عليه الحال حتى اليوم مع كوريا الشمالية!·

إن اتصالات الحزب ومراكزه ومرابضه الأخرى، وسواء أكانت من أجل مواجهة إسرائيل أم تثبيت الدويلة الخاصة، لا تختلف في شيء عن مرابض وحُفر أنور خوجا، إنها من صنع عقلية ماضية، عقلية الخنادق وبؤر النفوذ، والتحسّب للمنقضي وليس للحاضر والمستقبل· لقد انقضت تلك المرحلة بقيام الثورات العربية، وخروج منطقتنا من حالة اللاحرب واللاسلم وبالتالي خروج الإيراني وفقده للسيطرة حتى على أنصاره بالعراق· إن منطقتنا وامتداداتها ما بين ضهر البيدر وممر خيبر تجتاحها هزة عارمة أوّل آثارها إزالة المرحلة الماضية، بما في ذلك تكتيكات واستراتيجيات التحرير والردع من طريق الحُفر والبؤر ومناطق النفوذ· ومن حق إسرائيل وإيران والنظام السوري وتركيا وحزب الله أن يخافوا بالفعل، وإن كنت أظن أن المرابض والحفريات لن تُنقذ من الخوف، ولن تحقق أمناً للخائفين·

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,658,487

عدد الزوار: 6,959,691

المتواجدون الآن: 59