أزمة سوريا··· ليست مسألة داخلية!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 16 آب 2011 - 6:50 ص    عدد الزيارات 492    التعليقات 0

        

أزمة سوريا··· ليست مسألة داخلية!
صلاح سلام

ما يجري في سوريا، من تظاهرات ومواجهات دموية متنقلة من مدينة إلى أخرى، ومن قرية إلى قرية، لا يمكن اعتباره مسألة سورية داخلية محضة، بقدر ما هو مسألة عربية تهمّ النظام العربي، سياسياً وقومياً، نظراً للمكانة المميزة التي تحتلها سوريا في المنظومة العربية، فضلاً عن الدور المحوري الكبير الذي تلعبه دمشق في متابعة قضايا المنطقة ومشاكلها المعقّدة·
 

ما يجري في سوريا منذ منتصف آذار الماضي، أي منذ خمسة أشهر بالتمام والكمال، ستكون له تداعيات لاحقة على المحيط العربي، وخاصة على الدول العربية المجاورة للقطر السوري، على خلفية التداخلات الاجتماعية والعائلية القائمة بين المواطنين السوريين وأشقائهم في لبنان والعراق والأردن من جهة، إلى جانب الترابط الحاصل بين حالة الأمن والاستقرار والأوضاع السائدة في البلدان الثلاثة، ومدى التأثير السوري المتفاوت في الوضع السياسي والأمني في كل بلد، من دول الجوار السوري·

أما على الصعيد القومي، لا بدّ من التذكير بأن سوريا تحوّلت في العقود الأربعة الماضية إلى مدماك أساسي من مداميك العمل العربي المشترك، وشكّلت دمشق مع كل من الرياض والقاهرة ما كنا نسميه <المثلث الذهبي العربي>، الذي استطاع الحفاظ على توازن النظام العربي بمواجهة العواصف الكبرى التي هبّت على المنطقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والتي بدأت باندلاع الحرب العراقية - الإيرانية المريرة وتفاقمت إبان غزو العراق للكويت الشقيقة، وبلغت ذروتها بالاحتلال الأميركي للعراق، وما تبعه من ويلات مدمرة على بلاد الرافدين·

وعندما أصيب المثلث الذهبي بالعطب، اثر ابتعاد دمشق عن الرياض والقاهرة بعد حرب تموز 2006 في لبنان، وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق ولبنان وقطاع غزة، أصيب العمل العربي المشترك بالشلل، الأمر الذي أدى إلى عجز النظام العربي عن مواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة العربية من جهة، وإفساح المجال أمام تدخلات إقليمية ودولية أخرى في شؤون المنطقة وأزماتها المتناسلة، من جهة أخرى!·

* * *

وعلى ضوء المفهوم العربي لمكانة سوريا ودورها القومي المحوري، يمكن إدراك الأبعاد الحقيقية للرسالة التاريخية التي وجّهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد?الله بن عبد?العزيز إلى <الأشقاء في سوريا>، وما تلاها من مواقف عربية متلاحقة تدعو القيادة السورية إلى العمل على طيّ صفحة العنف، والانصراف إلى تنفيذ الخطوات الإصلاحية المنشودة، وتغليب الحل السياسي، على كل ما عداه من حلول أمنية أو قمعية، تزيد الأمور تعقيداً في الأوضاع السورية المتفجرة·

لا كلام العاهل السعودي، ولا البيانات العربية الأخرى، تسعى للتدخل بشؤون سوريا الداخلية، ولا حتى مقاربة مشاريع الإصلاحات والحوار المطروحة من قبل القيادة السورية، بل همها الأوّل والأخير هو إطفاء هذه النيران المتأججة في المدن السورية، واستعادة الأمن والاستقرار في <قلعة العروبة> وتشجيع أهل النظام والمعارضة على التوافق معاً على المسار الإصلاحي القادر على تلبية مطالب الشعب السوري، والذي سبق للرئيس بشار الأسد أن اعترف بوجود مطالب محقة، معتبراً أن الإصلاح واجب·

والرئيس الأسد يعرف أكثر من غيره أن خادم الحرمين الشريفين مولع بالعلاقة الأخوية مع سوريا، شعباً وقيادة، وخاصة مع عائلة الأسد بالذات، وكان دائماً في موقع المدافع ليس عن العلاقة الحميمة بين الرياض ودمشق، بل أيضاً عن دور سوريا المحوري، ومكانتها المميزة في المنظومة العربية، وعن كل ما يُعزّز الأمن والاستقرار في سوريا·

ولأن الأحداث في سوريا تتصاعد بشكل دراماتيكي، والمواجهات الدموية تعم مختلف المناطق السورية، وعدد الضحايا يتزايد يوماً بعد يوم من المواطنين كما من الأمنيين، وتتزايد معه المخاوف العربية على سوريا دولة وشعباً ومؤسسات، كان لا بدّ من كلمة عربية صريحة وواضحة تدعو إلى الإسراع بلملمة الجراح، وإطلاق مسيرة الإصلاح، وتغليب الحكمة في معالجة هذه الأزمة الخطيرة حتى لا تنزلق سوريا الحبيبة إلى مهاوي الفوضى، التي يتربص بها أعداء الأمة·

* * *

لم يعد جائزاً استمرار التجاهل العربي إزاء ما يحدث في سوريا، بعدما أدى مثل هذا الموقف في الملف العراقي، إلى تكبيد الأمة العربية، وفي مقدمتها السعودية وسوريا، أثماناً باهظة، انهارت معها مكانة دولة عربية ذات شكيمة عسكرية قوية، وبنية اقتصادية متماسكة، وتكاد تضيع معها وحدة بلاد الرافدين، بعدما فقدت بغداد نكهتها العربية·

الدرس العراقي كان قاسياً على سوريا بالذات، وكان، وما زال، مكلفاً بالنسبة للأمة جمعاء، فلا يجوز أن يتكرر في دمشق مرّة أخرى خلال أقل من عقد من الزمن·

والقيادة السورية تُدرك أيضاً أكثر من غيرها، انه لولا الموقف السعودي المدوّي، وما تبعه من مواقف عربية أخرى، لبقيت الساحة حكراً على المارد التركي الخارج حديثاً من القمقم الأوروبي، ويحاول أن يستعيد بعض نفوذه في البلاد العربية والإسلامية·

وإذا كانت حسابات المصالح، فضلاً عن منطق <الجيوبولتيك> تفرض على أنقرة هذا الزخم في تحركها واتصالاتها حول الأزمة الراهنة في سوريا، فإن الحرص القومي على وحدة سوريا واستقرارها، وتقدّم شعبها، هي التي تجعل من الأزمة السورية هماً عربياً بامتياز، بعيداً عن أية حسابات مصلحية، أو طموحات إقليمية، سواء بالنسبة للسعودية أو غيرها من الأشقاء العرب، على عكس ما هو حاصل بالنسبة لكل من إيران وتركيا، ولعل هذا هو بيت القصيد، إقليمياً ودولياً!!·

* * *

الشعب السوري يخوض معركة الحرية والديمقراطية والتعددية باللحم الحيّ، حتى الآن على الأقل، في حين تخوض طهران وأنقرة معركة الصراع على سوريا، بعدما فشلت المحاولات الدبلوماسية على مدى السنوات الأخيرة في إيجاد صيغة تُوازن بين علاقات دمشق بكل من أنقرة وطهران، على غرار التوازن الاستراتيجي الدقيق الذي حقّقه الرئيس حافظ الأسد في علاقته مع عواصم القرار العربي وطهران، إبان الحرب العراقية - الإيرانية·

ولم يعد خافياً أن المطلوب من دمشق ليس الدخول في حرب مع طهران، ولا حتى انتهاج سياسة معادية لإيران، بقدر ما كانت المساعي تحاول إقناع القيادة السورية بالعودة إلى سياسة التوازن، التي كانت تحدّ من التمدّد الإيراني في المنطقة العربية، والتي أبقت المسار الإيراني في المنطقة تحت السيطرة السورية·

ولم تنفع حتى المحاولات التركية في كبح الجموح الإيراني نحو التوسّع والهيمنة على مقدرات الملفات الساخنة في المنطقة، فكان أن دخل رجب طيب أردوغان بقوة على الساحة الفلسطينية، وأصبح نجم القضية بعد مواجهة أسطول الحرية والباخرة مرمرة على شواطئ غزة، واستعاد حماس، بالتعاون مع عواصم عربية أخرى، وهو في طريقه لإخراج النفوذ الإيراني من غزة·

وفي هذا السياق، لم تعد مفاجئة أخبار نسف أنبوب الغاز والنفط الإيراني الذي يؤمّن الإمدادات إلى تركيا، كما ليس مستغرباً تصاعد عمليات الحزب الكردي الانفصالي ضد ثكنات ومواقع الجيش التركي!·

* * *

وباختصار كليّ···

ما يجري في سوريا يكاد يتحوّل إلى أزمة عربية جديدة، تتشابك فيها الصراعات والتدخلات الإقليمية والدولية، وتضع <قلعة العروبة> أمام مصير غامض، بعدما تحوّلت سوريا من لاعب رئيسي في المنطقة، إلى ملعب للآخرين، وساحة لتصفية الحسابات بين إيران والقوى الإقليمية والدولية المناهضة لها·

مرّة أخرى: حمى الله سوريا!·

صلاح سلام

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,260,511

عدد الزوار: 6,942,592

المتواجدون الآن: 129