تصوّر أوباما مثالي للسياسة الخارجية ؟

تاريخ الإضافة الخميس 22 كانون الثاني 2009 - 7:04 ص    عدد الزيارات 797    التعليقات 0

        

سليم نصار... (كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن)      
مساء الثلثاء (20 الجاري) أطل الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما مع زوجته ميشال، على حشد ضخم يتجاوز عدد افراده المليون نسمة، وذلك للاحتفال بمناسبة تدشين ولايته.
ومع انه سيستقبل في هذا الاحتفال الاستثنائي اكثر من مئة نجم سينمائي وموسيقي واقتصادي وسياسي، الا ان اوباما حرص على توجيه الدعوات الى المئات من محازبيه وأنصاره وانسبائه في كينيا واندونيسيا وهاواي. وربما تكون جدته سارة الكينية (86 عاماً) آخر شاهد من عائلته على روعة الاحتفال بذلك السيناتور الذي زارها في مزرعتها المتواضعة صيف 2006 ليحدثها عن طموحاته السياسية. ومن المؤكد ان الرئيس سيتذكر ويفتقد خلال ليلة الاحتفال والده حسين الذي مات بحادث سيارة. كما يفتقد ايضاً والدته آن التي يعتبرها في كتابه "أحلام من أبي" الملاك الحارس الذي رافقه في طفولته ورعى مسيرته التربوية والثقافية.
تحت عبارة "المساواة في الاحتفالات... كالمساواة في الانتخابات"، وضع أوباما هذا الشعار كمعيار للشراكة بين الفقراء والأغنياء... بين السود والبيض... بين سكان الضواحي وموظفي وول ستريت في نيويورك... بين الأسياد و"العبيد". لذلك، دعا الى المشاركة في احتفالات تنصيبه رئيساً للجمهورية، مختلف الطبقات، خصوصاً الفئة المهمشة التي تشكل 13 في المئة من مجموع الشعب الأميركي.
ويرى رجال ادارته انه يحرص من خلال هذه المبادرة المستحدثة، على تذكير المواطنين البيض بأن اميركا التي ولد فيها سنة 1961 لم تكن تحترم قوانين المساواة بين الرعايا البيض والسود، بل كانت تمارس قوانين التمييز العنصري. وهذا ما دفع القس جيسي جاكسون الى تصوير فوز الرئيس الرابع والأربعين (أوباما) بالنبوءة. فقد صرح لدى سماعه نبأ الانتصار بأن لوثر كينغ أخبره قبل يوم من اغتياله بأنه رأى في الحلم الأرض الموعودة، وهو يقف فوق قمة الجبل. وفسر جاكسون رؤيا كينغ بالقول: "ان المواطن الأسود الذي عمل عبداً في مزارع الرجل الأبيض، قد أُعتق من العبودية عقب فوز باراك حسين أوباما".
واللافت ان أوباما ينظر الى عملية فوزه بمنصب رئاسة الجمهورية، كحدث (سياسي فريد) يفصل تاريخ الولايات المتحدة الى مرحلتين مختلفتين. لذلك حرص على تأدية صلاة الشكر امام تمثال ابرهام لينكولن، معتبراً ان انتخابه جاء تحقيقاً لأمنية قتل من أجلها مثله الأعلى. وهذا ما يفسر انفجار موجة البكاء الهستيري لدى السود الذين قرأوا في انتصار مرشحهم محواً لكابوس عاش في ذاكرتهم وذاكرة أجدادهم عشرات السنوات، وبين الرموز الشهيرة التي رصدتها كاميرات التلفزيون وهي تجهش ببكاء الفرح، كان القس جيسي جاكسون، أول مرشح اسود لرئاسة الجمهورية، وأوبرا وينفري، صاحبة البرنامج التلفزيوني المميز، والممثلة هال بيري.
اختارت ادارة تحرير مجلة "تايم" الاميركية، باراك اوباما "شخصية سنة 2008" معللة اسباب الانتقاء بسلسلة انجازات جاء في مقدمها ما حققه من فوز ساحق كأول مرشح اسود يدخل الى البيت الابيض. ومن أجل إظهار شعبيته، جمعت المصورة المعروفة آن سافيج 5700 صورة معبرة لوجوه اناس شاركوا في المهرجانات الانتخابية للحزب الديموقراطي. ثم اخرجت صور الوجوه ضمن لوحة فسيفسائية ابرزت من بين ظلال تعاريجها الملونة ملامح وجه أوباما. وقالت المصورة أثناء عرض اللوحة: الاميركيون لم ينتخبوا رئيساً وإنما صنعوا ايقونة سياسية. لذلك اطلقت عليه كارولين ابنة الرئيس جون كينيدي لقب "كينيدي الاسود" لكونه أحدث اختراقاً في المؤسسة الرسمية الاميركية، وأزال نظام المحاصصة والاحتكار من البيض البروتستانت الانغلو – ساكسون.
في ضوء هذه الخلفية السياسية المعقدة يطل سؤال محيّر يتعلق بطبيعة "التغيير" الذي جعله أوباما شعاراً أساسياً لحملته الانتخابية: هل هو تغيير في صورة الرئيس ولونه، ام هو تغيير في الرؤية السياسية للتوجه الاميركي حيال القضايا الشائكة التي ورثها عن سلفه الجمهوري جورج بوش؟
في مقابلة اجرتها شبكة تلفزيون "اي بي سي" مع الرئيس اوباما، وعد بسرعة التحرك بشأن قضيتي الشرق الاوسط والملف النووي الايراني. وتحدث عن تشكيل فريق يتولى عملية السلام من خلال خطة تلبي طموحات الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وهذا ما كررته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أمام الكونغرس هذا الاسبوع، مؤكدة اهتمام الرئيس بمعالجة الأزمة مع ايران. ووعدت بمشاركة الحلفاء الاقليميين قبل وضع التصور النهائي لمباشرة التفاوض مع طهران.
ويبدو ان حكومة احمدي نجاد لم ترتح للحديث الذي اجراه اوباما، خصوصاً عندما وصف الملف النووي الايراني بأنه "يمثل احد اكبر التحديات امام ادارته" وعلى الفور علق الناطق باسم الخارجية حسن قشقاوي بالقول: ان بلاده تتمنى الا يردد الرئيس الاميركي الجديد اكاذيب سلفه جورج بوش.
وكان قشقاوي بهذا الحديث يحذر اوباما من مخاطر اعتماد موقف الادارة السابقة، كأنه يطلب منه التراجع عن اتهام ايران بالسعي الى حيازة اسلحة نووية. علما بأن شخصيات رسمية ايرانية كانت رحبت بالرئيس الاسود لأسباب عدة، بينها: اولا، لأنه يسعى الى محاورة خصومه، بعكس الرئيس بوش الذي يصنف معارضيه بـ"جماعة الشر". ثانياً، لأن اسم والده "حسين". وهذا من أحب الاسماء واقربها الى قلوب الايرانيين والشيعة في العالم. ثالثا، كلمة "اوباما" باللغة الايرانية تعني "هذا واحد منا"...
والثابت ان مفعول خطب المهرجانات الانتخابية ينتهي فور دخول الرئيس الفائز الى البيت الابيض، ولهذا تتوقع طهران حصول بعض التقدم في العلاقات، لأن ادارة بوش نسفت كل جسور الحوار، خصوصا ان الرئيس الجديد اعلن عن رغبة الحزب الديموقراطي في وقف الحروب التي يشنها الجمهوريون. وكان بهذا التلميح يشير الى دور الرئيس بيل كلينتون في انهاء حرب العراق التي جرت في عهد بوش الاب. وهو الآن مستعد لمعالجة تداعيات الحرب التي شنها بوش الابن في افغانستان والعراق.
يأمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان تستعاد العلاقات السياسية – الاقتصادية التي قطعت بين واشنطن وطهران قبل ثلاثين سنة. وربما تساعد الاجواء الانتخابية الرئيس محمود احمدي نجاد على كسب اصوات الليبراليين والشبان الذين ينتخبون محمد خاتمي عادة. ويتوقع الرئيس الفرنسي الا تكون اقتراحات اوباما اكثر تشددا من الاقتراحات التي قدمتها الدول الست. اي الاقتراحات التي اعتبرت ايران شريكا في ادارة الازمات الاقليمية، بدءا بالعراق... مرورا بلبنان... وانتهاء بغزة.
ويستدل من المواقف التي اعلنها مرشد الثورة علي خامنئي، انه واثق من ترجيح كفة المصالح لدى الدول المتهمة بالشأن الايراني. ذلك ان المانيا طلبت توسيع حجم تجارتها مع طهران، مثلما طلبت تركيا امتيازات اضافية لتطوير حقول الغاز. وهي بذلك تريد ان تُمنح امتيازات مساوية لامتيازات روسيا في عملية تطوير حقول النفط في محافظة خوزستان، والامر نفسه ينسحب على الصين التي وقعت عقدا بأكثر من عشرين ملياراً للتزود بالنفط الايراني. في حين توشك الهند على توقيع اتفاق لمد انبوب غاز من الحقول الايرانية بكلفة مليارات الدولارات.
وبناء على هذه الاتفاقيات التجارية، يشعر الرئيس نجاد بأن مصالح الدول الكبرى هي التي ترسم حدود التعاون مع بلاده، كما يشعر بأن اوباما سيعتمد على تقرير بايكر – هاميلتون الذي اوصى بضرورة التعاون مع ايران وسوريا من اجل التوصل الى حلول مرضية لأزمات الشرق الاوسط.  عندما اعلن باراك اوباما عن استعداده لمحاورة ايران من دون شروط مسبقة، انتقده "اللوبي اليهودي" لأنه قدم تنازلات قبل الحصول على اي ثمن، كذلك هاجمته الصحف الاسرائيلية لأنه في نظرها، اضعف حجة اميركا بتجديد العقوبات، كما اضعف موقف اسرائيل الداعي الى استخدام القوة. ومعنى هذا ان الدعوة الى فتح الحوار ستشل قدرة اسرائيل على حشد تأييد دولي بهدف منع ايران من حيازة قنبلة نووية.
اعلنت هيلاري كلينتون ان مساعي الانفتاح على ايران تسبقها مشاورات مع حلفاء اميركا الثابتين في الخليج العربي، وهي بهذا الكلام تريد تطمين جيران ايران الى ان استئناف العلاقات السياسية – الاقتصادية لن يكون على حساب علاقاتهم معها، ولن يخل بميزان القوى في المنطقة. ويرى بعض الدول العربية ان عودة العلاقات مع طهران ستوسع نفوذ ايران، الامر الذي يفرض رسم توازنات جديدة في المنطقة خوفا من سقوط التوازنات القائمة على الاحترام المتبادل. علما بأن هناك ثلاث دول في الخليج عزفت عن المشاركة في انتقاد التحرك الاميركي لأنها تريد البقاء على الحياد.
تقول مصادر مقربة من ادارة اوباما ان جورج بوش تجاهل مبادرة السلام العربية، في حين يعمل الرئيس الجديد على جعلها قاعدة انطلاق لاستراتيجيته الخارجية. وقد اختار من اجل تنشيط هذه المهمة ثلاثة مبعوثين سوف يعملون تحت اشراف دنيس روس وتوجيهاته.
وبخلاف سياسة بوش التي قامت على فصل الازمات، واحدة عن الاخرى، فان اوباما يسعى الى احياء كل المسارات المجمدة بحيث تتم معالجة كل القضايا المتشابكة بطريقة متوازية. وفي هذا يقول روس ان واشنطن لن تنتظر تخلي ايران عن مشروعها النووي كي توافق اسرائيل على الانسحاب من الضفة الغربية. او تنتظر قيام دولة فلسطينية من اجل اعادة رسم الحدود.
قال اوباما في احدى خطبه الانتخابية، انه ليس من المفيد لأميركا وحلفائها ابقاء ازمة العراق محور اهتمام سياستنا الخارجية، كما انه ليس من مصلحة اميركا استنزاف نشاطها الديبلوماسي والعسكري في موقع افرز ارهابا جديدا لم يكن موجودا الا في افغانستان. وعليه يرى أنه من الضروري اعادة ترتيب المنطقة على نحو يحوي النزاعات القائمة ويمنع انفجار نزاعات جديدة.
ومثل هذا التصور المثالي لا يتحقق الا اذا كان الرئيس الاميركي حرا من قيود حلفائه، وواثقا من قوة بلاده واقتصادها، ومؤمنا بأن اسرائيل تخضع لارادته لا لارادة "اللوبي" الذي ارغمه على التزلف عبر خطاب بدأه بهذه العبارة: "عندما اصبح رئيسا لن اساوم على أمن اسرائيل، وسأحافظ على تفوقها النوعي وسأعمل على عزل حماس واتخذ كل التدابير لمنع ايران من الوصول الى السلاح النووي!".

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,729,649

عدد الزوار: 6,910,815

المتواجدون الآن: 110