العلاقات الايرانية - التركية في ضوء تطورات سورية

تاريخ الإضافة الخميس 30 حزيران 2011 - 6:15 ص    عدد الزيارات 507    التعليقات 0

        

العلاقات الايرانية - التركية في ضوء تطورات سورية
الاربعاء, 29 يونيو 2011

وعندما استوضحته عن امكانية تضحية ايران بعلاقتها المتميزة مع تركيا لمصلحة الحليف الاستراتيجي سورية، اجاب: «لا يمكن قياس علاقاتنا الاقليمية على هذه الشاكلة، ولا يمكن ان نتعامل بهذه الطريقة في سياستنا الخارجية». لكنه قال ان أنقرة ودمشق عاصمتان مهمتان لإيران في المنطقة، وتدخلان في اطار الامن القومي الايراني، والعلاقة معهما يجب ان تكون في هذا الاطار، مع التذكير بأن المصالح الايرانية مع سورية تفوق المصالح مع تركيا بسبب استراتيجية العلاقة التي تربط طهران ودمشق.

لا يخفي الايرانيون قلقهم حيال الموقف التركي، الذي ربما فاجأ طهران، بعدما كانوا يعتقدون ان انقرة تستطيع ان تشكل مع ايران والعراق وسورية ولبنان طوقاً لتعزيز موقف هذه الدول حيال الاهداف الاسرائيلية والاميركية، بعد ظهور المواقف التركية المشجعة للوقوف مع القضية الفلسطينية، إن علی صعيد مواجهة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر دافوس، أو علی صعيد دعم الشعب الفلسطيني خلال العدوان الاسرائيلي وفك الحصار عن قطاع غزة. وتتحدث المصادر الايرانية عن اقتراح إيراني قُدّم للحكومة التركية في شأن إيجاد منظومة إقليمية سياسية اقتصادية أمنية تضم العراق وسورية ولبنان، إضافة الی تركيا وإيران، لكنها واجهتها في شكل آخر، مقترحة اضافة الأردن الى هذه المنظومة، الامر الذي أجهض الفكرة، لأسباب قد تتعلق بموقف سورية من مشاركة الاردن في مثل مشروع كهذا.

وترتبط ايران وتركيا بعلاقات سياسية واقتصادية تنامت في شكل ملحوظ خلال تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بليوني دولار سنوياً، ويطمح للوصول الی 30 مليار دولار سنوياً خلال السنوات المقبلة، حيث فتحت مجالات الاستثمار امام الشركات التركية في ايران، في كل المجالات. وأعرب علي اكبر اقايي رئيس لجنة الصداقة التركية - الايرانية في مجلس الشوری عن اعتقاده بأن العلاقة مع تركيا لا تنحصر في المجال الاقتصادي وإنما تتسع لتشمل المجالات الاخری.

وحاولت طهران اعطاء دور لتركيا في الملف النووي عندما اعلنت الاخيرة عن استبعاد ايران من قائمة الدول التي تهدد الامن القومي التركي، ووافقت علی الوساطة التركية - البرازيلية عام 2010 في شأن تبادل الوقود النووي مع مجموعة فيينا، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، ورجحت تركيا علی روسيا في هذه الصفقة، حيث اقترحت ايضاً إضافتها الی قائمة الدول المتحاورة معها الی جانب مجموعة خمسة زائداً واحداً، اعضاء مجلس الامن الدولي اضافة الی المانيا.

ويدرس البلدان حالياً اقتراح تطوير العلاقة الاقتصادية بإلغاء الجمارك بين البلدين في اطار تعاون اقتصادي شامل يعتمد علی امكانات البلدين الاقتصادية.

لكن التطورات الاخيرة التي حصلت في الموقف التركي من أحداث سورية جعلت الايرانيين يشعرون بنوع من القلق، حيال لعب انقرة الدور ذاته مع طهران في حال وقوع أحداث مشابهة، فأرسلت للأتــراك تدعــــوهم الی عدم الانجرار مع الاطماع الاميركية والاسرائيلية في شأن سورية وأوصتهم بالحذر من السير في هذا الاتجاه.

ويستبعد المحلل السياسي الايراني حسن لاسجردي حدوث تطور سلبي في العلاقات التركية - الايرانية علی خلفية التطورات السورية، «لأن المواقف التركية الاخيرة قد تكون مرتبطة بالانتخابات الاشتراعية التركية، ومن غير المستبعد انخفاض حدة التوتر مع سورية» بعد انتهاء المعركة الانتخابية، لكنه يدعو في الوقت ذاته الی امتحان الصدقية التركية من خلال الملف السوري، «لإعادة صوغ العلاقة التركية - الايرانية».

ويعتقد لاسجردي ان احتضان تركيا مؤتمر المعارضة السورية في انطاليا، نقطة مهمة يتمنی ان «تكون لدواعٍ انتخابية داخلية» ولا ترتبط بجهد استراتيجي تركي نحو المنطقة.

وتختلف التفسيرات الايرانية للموقف التركي، في الوقت الذي يخلو المشهد الرسمي من اي موقف حيال ما تتعرض له دمشق من «ضغوط تركية» تساهم في تعقيد الاوضاع داخل المدن السورية، حيث يذهب البعض الی ان الموقف التركي لا يمكنه ان يسير قدماً في تأزيم الاوضاع لأن الدخان الاسود المتصاعد من هذا التأزيم لا بد من ان يدخل في عيون الاتراك الذين يشاركون سورية في تعدد الطوائف والمذاهب والقوميات، فالأكراد السوريون لا يمكنهم الاطمئنان الى حسن نيات تركيا التي تضطهد الاكراد قبل اضطهادهم من الحكومة السورية، واذا ما تسنی للأكراد السوريين انتهاج طريق الاكراد العراقيين، فمعنی ذلك اعطاء الاكراد الاتراك جرعة سياسية جديدة، خصوصاً انهم سيستفيدون من الفراغ السياسي الذي تحدثه حالة التأزيم، وهذا ما يؤرق الحكومة والجيش التركي علی حد سواء. اما الطائفة العلوية التي تعيش في المناطق المتاخمة للحدود السورية - التركية، فإنها تتعاطف مع الحكومة السورية والقضاء علی هذه الحكومة بمسعی تركي سيولّد انعكاسات لا ترغب بها انقرة التي تريد تعزيز امنها الداخلي والاستمرار في سياستها الاقتصادية التي تريد من خلالها الدخول الى الاسواق الاقليمية.

واستناداً الى ذلك، فإن هذا الفريق الايراني يعرب عن اعتقاده بعدم تغيير السياسة التركية، وما حدث او يحدث هو نوع من الضغوط التي تمارسها انقرة من اجل مساعدة الحكومة السورية لحل مشاكلها مع الشعب السوری وتحديداً في ما يتعلق بالحريات والديموقراطية والمشاركة السياسية، وهذا امر يجب ان تساهم فيه طهران من اجل اعطاء الشعب السوري حريته وإبقاء النظام السياسي الملتزم بالثوابت الوطنية والقومية.

ويعتقد هذا الفريق ان تركيا تعمل بتوصيات الرئيس الاميركي باراك اوباما لتهجين أو ترويض الحركة الاسلامية السنية التي تقودها حركة «الإخوان المسلمين»، سواء في سورية او في غيرها من الدول العربية، لانتهاج الخطاب والنموذج التركي المعتدل، وأن احتضانها لمؤتمر انطاليا يأتي في هذا السياق، وبالتالي لا خوف من الدور التركي علی الصعيد السوري الذي لا يتعارض مع الجهود الايرانية في التعايش مع «الربيع العربي».

هذه الصورة الايجابية تواجهها صورة اخری، تبدو قاتمة بعض الشيء، لأنها تعتقد ان ما يجري علی الحدود السورية - التركية يتعدی الرغبة بمساعدة الحكومة السورية، الی تنفيذ مخطط او برنامج تشارك فيه الولايات المتحدة وإسرائيل، اضافة الی بعض الدول الاقليمية من اجل تحقيق اهداف ثلاثة، الاول فصل سورية عن ايران، والثاني ايقاف الدعم السوري لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، اضافة الی القبول بفتح باب الحوار مع اسرائيل وصولاً الى اتفاق علی غرار اتفاق «وادي عربة» مع الاردن، و «كامب ديفيد» مع مصر، كمقدمة لاتفاق مشابه مع لبنان ينهي حالة المقاومة ويهيئ لحالة السلام التي تريدها اسرائيل علی مقاساتها الخاصة.

ويبرز هذا التفسير في شكل واضح عند الدوائر القريبة من الحرس الثوري الذي يعتقد بضرورة استخدام كل الامكانات للوقوف مع النظام السياسي في سورية، من دون ان يبخل في تقديم النصائح علی مستوی تحقيق المطالب الشعبية، لكن ليس علی الطريقة التركية، وانما بالتنسيق مع الحكومة السورية.

وكان مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي واضحاً خلال خطابه في ذكری رحيل الإمام الخميني في 5 حزيران (يونيو) الماضي، عندما صنّف الربيع العربي صنفين، فمنه ما يحاول إسقاط الانظمة السائرة في الركب الاميركي، ومنه ما يدار من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وعلی رغم انه لم يذكر سورية بالاسم، الا انه كان واضحاً انه كان يقصدها، حيث دعا للوقوف بجانبها في مواجهة المخططات الاميركية والاسرائيلية... وعلی ذلك، فليس غريباً ان يتخذ الحرس الثوری موقفاً مؤيداً لتوصيات المرشد، ويتناغم معه في تصوراته.

ويسود الاعتقاد بأن طهران لم تلتزم موقفاً واضحاً لحد الآن، وهي تدرس كل الخيارات المطروحة علی الساحة السورية، وما يرتبط منها بالجانب التركي، من دون ان تترك مساعيها في الوقوف علی حقيقة الموقف التركي، لأن طهران تعتقد انها ما زالت ترتبط مع تركيا بعلاقات تؤهلها للتأثير في الموقف حيال سورية، وإدارة التطورات بما يخدم الأمن القومي الايراني.

وتمتاز السياسة الايرانية بأنها غير متسرعة في اتخاذ قراراتها، وتعودت علی ان تقوم بتجميع المعلومات قبل القيام بأية خطوة من شأنها الايقاع بها في فخ لا يمكن الخروج منه، وهي بالتالي تراهن علی الوقت، وعلی النفس الطويل من اجل معالجة القضايا الاستراتيجية التي تشكل سورية احداها، من دون ان تنسی التعاطي بإيجابية مرة، وبسلبية مرة اخری مع مختلف المواضيع ضماناً لجني المزيد من المكاسب علی صعيد القضايا المطروحة.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,153,416

عدد الزوار: 6,937,132

المتواجدون الآن: 104