ظاهرة تنمو في مناطق العزلة

تاريخ الإضافة الخميس 15 كانون الثاني 2009 - 5:42 ص    عدد الزيارات 687    التعليقات 0

        

مراد بطل الشيشاني
باتت أوروبا، أخيراً، ساحة لتجنيد المسلمين الأوروبيين من قبل التيار السلفي - الجهادي، وكذلك مسرحاً لهجمات انتحارية كهجمات مدريد في 11/3/2004، وتفجيرات لندن في 7/7/2005. وكانت السلطات البلجيكية، ما قبل منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اعتقلت 14 شخصاً من يشتبه بانتمائهم الى «القاعدة»، في العاصمة بروكسل ومدينة لييج شرقي البلاد، وقد وجهت تهمة تشكيل مجموعة إرهابية، والانتماء إلى «القاعدة»، إلى ستة أشخاص بينهم إمرأة واحدة، وكلهم بلجيكيو الجنسية. وقد لمحت السلطات البلجيكية إلى أن الموقوفين كانوا خططوا لاستهداف رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون وغيره من القادة الأوروبيين، في عملية انتحارية، أثناء قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، التي عقدت بعد ساعات على توقيفهم... وفيما أعلن وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني، في الأسبوع ذاته، أن شخصين فرنسيين من أصول شرق أوسطية، اعتـــقلا في مدينة باري جنوب إيطاليا، يرتبطان بالمجموعة التي اعتقلت في بروكسل، فإن بلجيكا، إذا قورنت بكل من بريطانيا، وفرنـــسا، وأســـبانيا، إيطاليا، من حيث عدد المتهــمين بالانـــتماء الى جماعات إسلامية عنـــيفة، وفــقاً للتقرير السنوي «الإرهاب في أوروبا» لعام 2008، فإنها تأتي في مــرتبة أقــل من تلك الدول ولكن أكثر من غــيرها داخل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك فإن اعتقالات بلجيكا تكتسب أهمية في تحليل «الظاهرة الجهادية» في أوروبا، لعاملين أساسيين، الأول، أن بلجيكا شهدت «جهاديين»، لقوا تغطية إعلامية خاصة كلاعب كرة القدم التونسي الأصل نزار طرابلسي، والمسجون حالياً ببلجيكا بتــهمة مــحاولة تنفيذ هجوم ضد القاعدة الأمـــيركية في بلجيكا «كلاين بورغل» Kleine Brogel ، أو كمورييل ديغوك أول انتحارية أوروبية في العراق عام 2005. وأما العامل الثاني، فإن آليات عمل «الجهاديين»، تجنيداً وتكتيكات، في بلجيكا تتـــشابه مع المدن الأوروبية الأخرى، ما يفيد في إلقاء الضوء على أهم تلك الآليات.
في عددها بتاريخ 14 كانون الأول 2008، نشرت مجلة «الإيكونومست»، تقريراً عن حال البلديات أو المجالس المحلية في عدد من المدن الأوروبية وتعاملها مع تزايد عدد المسلمين فيها، وعن وجود ما يتعارض، أحياناً، مع القوانين المعمول بها، مثلاً في ما يتعلق بالأضاحي، أو بارتفاع صوت الآذان، وغيرها من القضايا، والتي يرى التقرير أن البلديات والمجالس المحلية باتت تتعامل معها على اعتبار أنها جزءاً أساسي من عملها. ويبدو أن جهوداً من هذا القبيل مهمة جداً، مع تزايد عدد المسلمين في أوروبا، حيث أنها تساهم، من ناحية، في شكل إيجابي في دمج هؤلاء المسلمين، وبالتالي تحصين المجتمع من نزعة «الردكلة»، المرتبطة، في بعض تجلياتها بشعور بالعزلة داخل المجتمعات المستضيفة، وبدرجة أكثر، تساهم هذه الجهود في وقاية تلك المجموعات، من عدم ايجاد الحاضن الأساسي أي التأييد للجماعات المتطرفة، ما يساهم من نموها... في دلالة على أهمية الاندماج، نشرت الدورية الفرنسية «لوموند ديبلوماتيك»، في عددها الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر)، دراسة لثلاثة من الانثروبولوجيين، عن العاصمة البلجيكية بروكسل وضواحيها، تشير إلى أنها باتت مدينة مقسومة إلى مناطق مغلقة استناداً إلى الأصل الاثني،  واستناداً الى توزع المناطق بين المهاجرين والأصليين، في شكل دفع إلى حدوث أحداث شغب وتوترات. ولعل عنوان الدراسة «بروكسل مدينة الغرباء» تدل على الوضع القائم في المدينة.
وللإضاءة على دور المناطق المعزولة في أوروبا في خلق «الظاهرة الجهادية»، يذكر أن مورييل ديغوك نشأت في بيئة عمالية، ينتشر فيها المهاجرون حيث تعرفت على زوجها المغربي الأصل الذي جندها لتنفذ عملية انتحارية في العراق. المجموعة الأخيرة التي أوقفت، والتي أشير إلى أن أثنين من عناصرها عادوا من أفغانستان الصيف الماضي، وثالث عاد في الرابع من كانون الأول، بعد أن تواصلوا هناك مع قيادات من «القاعدة». والشخص الثالث يدعى هشام بيايو (20 سنة) متحدر من حي في بروكسل تقطنه غالبية من المهاجرين، وكذلك مليكة العرود، (44 سنة)، والتي تسمى بـ «مجاهدة الإنترنت»، كانت تسكن في حي تقطنه غالبية مغربية في ضواحي بروكسل، يوصف بـ «المغرب الصغير». والعرود، مغربية الأصل تحمل الجنسية البلجيكية، أرملة التونسي عبد الستار دهمان أحد الشخصين اللذين اغتالا الزعيم الأفغاني أحمد شاه مسعود، وزوجها الثاني يعد أحد الأشخاص الأساسيين في المجموعة الحالية. والعرود، تعد شخصية محورية في الخلايا «الجهادية» الأوروبية، وكانت ناشطة في مجال «الحض على الجهاد» على الإنترنت، باســــم «أم عبيدة»، وكتاباتها تلقى صدى بين أوســـاط المتشددين الإسلاميين في أوروبا. ولا يقتصر دور المناطق المغلقة، والمهمشة أيضاً، على الحال البلجيكية، بل تكررت في أكثر من بلد أوروبي.
تأثير حرب العراق لعب الاحتلال الأميركي للعراق، دوراً أساسياً في عمليات التجنيد، بين أوساط المسلمين الشبان الأوروبيين، حيث أن التيار السلفي - الجهادي ومن خلال إعادة إنتاج مفهوم «الأمة» كهوية ممتدة متعالية على الهويات الفرعية، باستغلال أخطاء السياسات الأميركية، وبالاستفادة من وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت، نشط في تجنيد الشبان في العالم الغربي، ولعل ما عرف في فرنسا، بـ «شبكات التجنيد للعراق»،  في العام 2005، ما يؤكد ذلك، فقد قبضت السلطات الفرنسية على ثلاث شبكات للتجنيد، في ما عرف بـ «شبكة المزوّرين»، والتي كانت تعنى يتجهيز جوازات سفر مزورة للمتطوعين في العراق، أو شبكة «الأفغان العرب» والتي رأسها إسلامي أسمه «سعيد المغربي»، أو شبكة المغرب، أيضاً «فريد بن بيو»، وصولاً إلى شبكة تضم أربعة أشخاص، أيضاً من ذوي أصول مغاربية، تمت محاكمتهم في تشرين الثاني الماضي. ويذكر أن المنتديات المؤيدة للتيار السلفي - الجهادي كانت، وعلى فترات مختلفة، نشرت أسماء فرنسيين قضوا في العراق مثل «رضوان الحكيم» و «عبدالحليم بجوج» (19 سنة)، وغيرهما.
وخلص عدد من الدراسات، والتقارير الإعلامية الرصينة، إلى أن منفذي أكثر التفجيرات الدموية المرتبطة بالسلفيين - الجهاديين في أوروبا خلال السنوات الماضية، أي تفجيرات مدريد في آذار (مارس) 2004، وتفجيرات لندن في تموز (يوليو) 2005، ارتبطوا، بدرجة أو أخرى بالحالة العراقية. وعلى ذلك، ومع تراجع «القاعدة» في العراق، يحذر المراقبون، من أن يشكل «العائدون من العراق» حالة أمنية في دول أوروبا ذاتها أو في مناطق مختلفة في العالم بعد خروجهم من العراق.
ظاهرة حداثية..... هناك عاملان أساسيان باتا يميزان الجهاديين في أوروبا، الأول تعاظم دور الإنترنت في تجنيد الأعضاء الجدد، والثاني دور النساء في العمل «الجهادي»، ومورييل ديغوك ومليكة العرود مثال واضح على ذلك. وقد ارتبطت العرود بمحاكمة نزار طرابلسي عام 2003، ولم يثبت عليها أي تهمة تتعلق بالإرهاب، على رغم أن مصادر تشير إلى أن القاضي، أشار إلى خطورة الأفكار التي تحملها. وفي عام 2005 عاشت مليكة مع زوجها الثاني التونسي معز غرسلاوي - أحد الموقوفين الأساسيين في بروكسل حالياً - في سويسرا، واستمرت في الترويج لـ «الجهاد» عبر الإنترنت حتى أبعدت منها في 2007، وفي نهاية العام ذاته ألقي القبض عليها مع 13 آخرين في إطار اشتباه السلطات بضلوعهم في مؤامرة لتامين فرار نزار طرابلسي، وأفرج عنها لغياب الأدلة.
ويبدو أن انخراطها بهذا العمل يتوافر بفعل البيئة الأوروبية، التي تنشط فيها المرأة في المجال العام، أكثر من أن يكون متاحاً لها ذلك في بيئات أخرى محافظة. وقد أشار مقال في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، في كانون الأول الماضي، الى أن عدد النساء اللواتي ينضممن للمجموعات الإسلامية المتشددة في فرنسا في تزايد، وهو بالتالي يقدم مؤشراً أخر إلى أن ذلك يعبر عن خصوصية أوروبية تستدعي التعامل، بخصوصية أيضاً، لمكافحة هذه التهديدات، إذ أن هناك تياراً في أوروبا أيضاً، يعلي من قيمة التعامل الأمني مع «الظاهرة الجهادية» في أوروبا، ويبدو أن ظاهرة بهذا التعقيد، في الخصوصية الأوربية، لن ينجح معها الحل الأحادي الذي ثبت فشله في العديد من المناطق في العالم.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,193,372

عدد الزوار: 6,939,906

المتواجدون الآن: 116