المستقبل القاتم لحلف شمال الأطلسي

المستقبل القاتم لحلف شمال الأطلسي

- هشام ملحم

يعتبر حلف شمال الاطلسي أكبر وأقوى وأنجح حلف عسكري في تاريخ البشرية. وفي ظل قيادة الولايات المتحدة ساهم هذا الحلف في اسقاط الامبراطورية السوفياتية. ولكنه يواجه بعد عشرين سنة من هزيمة منافسه حلف فرصوفيا خطر التهميش وانحسار أهميته وفاعليته العسكرية، وهو يواصل بصعوبة حربين في بلدين متشرذمين احدهما متخلف وحتى بدائي (افغانستان) والآخر يملك قوات عسكرية من الطراز الثالث (ليبيا). المفارقة هي ان نجاح الحلف في تقويض الامبراطورية السوفياتية هو من الأسباب الرئيسية لمأزقه الراهن. مع غياب الخطر السوفياتي، انحسرت الارادة السياسية لأكثر الدول الاوروبية باستثناء فرنسا للاستثمار في قواتها العسكرية. حتى بريطانيا، خفضت موازنتها الدفاعية بنسبة عالية الى درجة انها لم تعد تملك حاملة طائرات. وحتى في افغانستان، تقيّد بعض الدول مثل المانيا نفسها وتمتنع عن القيام بعمليات قتالية. المجتمعات الاوروبية، عكس المجتمع الاميركي الى حد ما، لم تعد تتحمل تكبد الخسائر البشرية في النزاعات.
في السنوات الأخيرة، وفي ضوء تردد الدول الاوروبية لحلف شمال الأطلسي عن الاضطلاع بدور أكبر في افغانستان، وجه وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس انتقادات علنية لاذعة الى الحلف. وفي آخر خطاب سياسي مهم يلقيه قبل تقاعده، وبخ غيتس الدول الاوروبية الاعضاء في الحلف لتقاعسها في الاستثمار العسكري في حربي افغانستان وليبيا وحذّر " من الامكان الحقيقي لان يصير مستقبل الحلف مظلما وكئيبا". وقال: "أقوى حلف عسكري في التاريخ هو آلان في الاسبوع الحادي عشر لعملية عسكرية ضد نظام ذي تسليح رديء في دولة عدد سكانها قليل، ومع ذلك بدأت الذخيرة تنفد، الامر الذي ارغم الولايات المتحدة مجدداً على توفيرها". اهمية الحلف سوف تنحسر اكثر بعد نهاية حربي افغانستان وليبيا، لأن أهمية اوروبا سوف تنحسر، ليس فقط منطقة نزاعات عسكرية محتملة، بل قوة اقتصادية وعسكرية ايضا، وكذلك نتيجة الصعود  الاقتصادي لآسيا الذي سيجلب معه ازدياد التوتر بين الدول الكبرى للقارة مثل الصين والهند واليابان واندونيسيا وفيتنام والكوريتين.
يواجه حلف شمال الأطلسي اليوم في ليبيا خيارات احلاها مرّ. فالحملة العسكرية الجوية لم تحقق أي اهداف استراتيجية، والحلف (في غياب القيادة الاميركية المباشرة) يتخبط عسكريا وسياسيا. بعض الخيارات قاتم مثل غزو بري محدود، او تقسيم ليبيا. الاستمرار في العمليات العسكرية موجع ومكلف، ووقف القتال مع بقاء القذافي محرج ومهين. ويبدو ان الاحباط هو الشعور السائد. الثوار الليبيون محبطون وينتقدون الحلف علنا. الدول الاوروبية في الحلف محبطة لأنها غير قادرة على حسم القتال لمصلحتها بسرعة. وفي واشنطن يواجه اوباما - المحارب المتردد - انتقادات قوية من الحزبين لانه تجاهل الحصول على مصادقة الكونغرس على العمليات العسكرية (اوباما لا يعترف بوجود حرب في ليبيا) ولان المهمة العسكرية تغيرت، ولان توقعاته لانهاء النزاع بسرعة قد اخفقت. من الصعب ان يصدق المرء ان الحلف، الذي هزم الامبراطورية السوفياتية، يواجه خطر التهميش في افغانستان وليبيا.