أهداف العدوان على غزة تكتيكية واستراتيجية

تاريخ الإضافة الثلاثاء 13 كانون الثاني 2009 - 1:27 م    عدد الزيارات 758    التعليقات 0

        

ماجد عزام

رغم التكتم حيناً والتخبط حينا والتصريحات المتضاربة أحيانا اخرى، إلا أن التمعن في مجريات الأحداث وطبيعة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة وحجمها، يمكن أن يكون صورة دقيقة عن الأهداف المختلفة والمتعددة المستويات التي تريد إسرائيل تحقيقها جراء العدوان الذي تنفذه ضد غزة.
بداية يمكن الحديث عن هدف استراتيجي يتمثل باستعادة ما توصف بقدرة الردع الإسرائيلية، هذا التعبير الذي يمكن ترجمته وتوضيحه على النحو التالي: يجب تخويف كل أعداء إسرائيل وخصومها وإرهابهم ومنعهم من مجرد التفكير في مهاجمة الدولة العبرية، وكل من يتجرأ على فعل ذلك عليه مواجهة رد ساحق ماحق لا يبقي ولا يذر، بحيث لا يفكر هو أو غيره في تكرار الهجوم. من الواضح أن سيرورة الأيام الماضية تؤكد أن إسرائيل عجزت عن استعادة أو حتى ترميم قوة ردعها، فالمذابح ومئات الأطنان من القنابل لم تخف المقاومة ولم تمنعها من مواصلة توجيه الضربات، خاصة في الخاصرة الرخوة لإسرائيل أي العمق الأمني أو الجبهة الداخلية التي اعتبر ايهود أولمرت أن صبرها وصمودها مهم جدا للمضي قدماً في المعركة.
بينما اعتبر إيهود باراك في محاضرة له منذ سنة تقريباً أن هذه الجبهة ستكون معيار النصر أو الهزيمة في أي صدام قادم. في هذه الحرب وضعت إسرائيل سلة أهداف اخرى تتدرج ما بين التكتيكي، أي المرحلي والاستراتيجي، فتمثل الهدف المرحلي الأول في وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنات والتجمّعات السكانية الإسرائيلية المحيطة، ما استلزم توجيه ضربة جوية ساحقة ماحقة لا توقف الصواريخ فقط بل تحقق غاية إسرائيلية أخرى هي العودة إلى التهدئة كما كانت سائدة خلال الشهور والسنة الماضية، وكان عنوانها الجوهري تهدئة مقابل تهدئة بينما يستمر الحصار وتبقى المعابر مغلقة وتتحكم إسرائيل بإدخال المواد الغذائية والأساسية الأخرى، ما يبقي غزة على قيد الحياة لا تموت ولا تتعافى ايضا، حجم الضربة الأولى وفظاعة المجزرة يؤكدان أن إسرائيل فكرت أيضاً في أمر آخر، أن التهدئة يجب أن تطول، وإذا كانت إسرائيل عاجزة عن نزع سلاح حماس والمقاومة أو تدميره فلا بأس بأن يبقى هذا السلاح بيدها شرط أن يستخدم لحفظ الأمن الداخلي فقط ولا يوجه ضد إسرائيل بأي حال من الأحوال تحت عنوان التهدئة وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في غزة، وكل ذلك يصب في اتجاه الغاية الاستراتيجية المركزية: تصفية القضية الفلسطينية وفصل غزة عن الضفة الغربية والاستفراد بسلطتي الحكم الذاتي، حيث
التهدئة والغذاء مقابل السلام لغزة والتفاوض الشكلي والتهويد والاستيطان والثرثرة حول الحواجز وحرية الحركة أمام المواطنين والبضائع مع شطب قضيتي القدس واللاجئين وإزاحتهما نهائيا عن جدول الاعمال الفلسطيني والعربي والدولي.
وهكذا، فإذا كان من الصعب إلقاء غزة في حضن مصر وتحت مسؤوليتها وكذلك الضفة مع الأردن فلا مانع من أن يتم الامر بشكل آخر، ولكن الغاية واحدة: التخلص من مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال وإلقائها على سلطتي غزة ورام الله برعاية وإشراف كاملين من مصر والاردن.
في السياق تجب الإشارة إلى أهداف إسرائيلية أخرى شخصية وحزبية، فإيهود أولمرت مثلاً يسعى إلى نصر يطمس الهزيمة وأداءه المهين خلال حرب لبنان الثانية، وكذلك سلسلة الفضائح التي طبعت فترة حكمه وفرضت وصمة العار عليه شخصيا وسياسياً. الأمر يختلف مع إيهود باراك وتسيبي ليفني الساعيين إلى تجيير الحرب لمصلحتهما في السباق الانتخابي المحموم، وإظهار قدراتهما القيادية والزعامة لإثبات جدارتهما بتولي المنصب السياسي الأول في تــكريس لنظرية عد الجثث في الجانب الفلسطيني أو أن قتل الفلسطينيين يترجم مباشرة في صناديق الاقتراع، ما يؤكد دموية المجتمع الإسرائيلي وعنصريته وانزياحه المستمر نحو اليمين والتطرف. حتى الآن تبدو المقاومة متماسكة، وبات الحديث عن تهدئة مــقابل تهدئة في ظل النسيان، والكل يشير إلى رفع الحصار وفتح المعابر ضمن أي رزمة أو سلة لوقف الحرب وليس وقف إطلاق النار كمصطلح مضلل، غير أن الأهم يتمثل بالتبصر والتفكر لإفشال الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي: إبقاء الانقسام الوطني والجغرافي الفلسطيني وتصفية القضية عبر اتفاقات أو تفاهمات مرحلية قد لا يكون عنوانها سياسياً بل إنساني فقط.
([) مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والإعلام 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,154,523

عدد الزوار: 6,757,582

المتواجدون الآن: 118