لن أوقِّع!!!؟

تاريخ الإضافة الأحد 5 حزيران 2011 - 6:40 ص    عدد الزيارات 494    التعليقات 0

        

لن أوقِّع!!!؟

 

د. أكرم حجازي

 

4/6/2011

 

    أثبتت وقائع الثورات العربية أن الطغيان، بالنسبة للطغاة، هو مسألة حياة أو موت. فهو عقيدة استبدادية، جبرية، لا دين لها ولا مبدأ ولا أخلاق تذكر إلا التشبث بالسلطة أو دفع الثمن باهظا. فلا محرم إلا ما حرمه الطاغية على نفسه. ولا مباح إلا ما أباحه الطاغية!!! ... لحظة من الزمن حملت إلى السلطة طغاة من العدم؛ فإذا بهم يتملكون البلاد والعباد والماضي والحاضر والمستقبل، وكأنهم مخلدون إلى الأبد ...

       تبعتها لحظة حساب أظهرت أن القهر، والقمع، ومصادرة الحقوق، ونهب الثروات والموارد أو إهدارها، والتميز، والنفوذ، والسلطان، والجاه، والتحكم بأرزاق البشر، وعقائدهم، وكتم أنفاسهم، وملاحقتهم، ومطاردتهم، وتشريدهم، والتلاعب بمصائرهم، وخيانة قضاياهم ومقدساتهم، أو المتاجرة والتسول بها، أو بيعها بأبخس الأثمان، وخدمة الأعداء، والسهر على أمنهم، ... ليست كافية للرحيل ما لم يتوجها الطاغية بسفك الدماء على أوسع نطاق، وانتهاك الحرمات، وتدمير البلاد، وترويع العباد، أملا في البقاء في السلطة أو البحث عن مخرج لم يعد موجودا ...

    حال عجيب وصل إليه الطغاة، لكنه ليس ككل حال!!! حال عبر عنه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أمام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني وسفراء دول الخليج، حين رفض التوقيع على المبادرة الخليجية (19/5/2011)، بجملة يتيمة تلخص كل الأمر، بدون لف أو دوران،: « لن أوقع على قطع رأسي».

    حقا!! إنها لعبارة طريفة ومثيرة ومدهشة أن يتفوه بها رئيس دولة يعلم علم اليقين أن كل الضمانات التي تلقاها للحيلولة دون ملاحقته أو محاكمته لا قيمة لها. ورغم أنه، كغيره، كذب طوال حياته حتى الرمق الأخير، إلا أنه في هذه كان صادقا كل الصدق فيما يقول، ومدرك تمام الإدراك أنه ما من ضمانة تحول دون القصاص منه، هو وكل الحاشية التي رافقته وعملت تحت رئاسته.

 

   الملفت للانتباه أن الرئيس يعلم علم اليقين أن ما اقترفه من مظالم وجرائم بحق الأبرياء، وطغيان بحق الأمة والدين، طوال حكمه وإلى نهايته، يستحق عليه قطع الرأس أيا كانت الضمانات الممنوحة له .. لكنه مع ذلك لم يكن ليرتدع بقدر ما أوغل في الطغيان .. لعله ثمن باهظ التكاليف أن يدفعه فخامة الرئيس، رغم كل الموبقات التي ارتكبها، لاسيما وأن رؤوس الناس وفيرة العدد في اليمن السعيد، وطالما أن التوقيع على قطعها أيسر، وأقل كلفة من قطع رأسه!!

    رغم أن الطغاة صُنعوا على عين واحدة .. ورغم أنهم امتهنوا ذات المهنة ضد شعوبهم وبلادهم وعقيدتهم إلا أن للطغيان عندهم مذاهب .. فلكل « شيخ» منهم طريقة!! فقد ذهب بن علي مذهب « التغيير » فأعلن « الحرب على الإسلام» وتميز بالنفاق، وتغنى مبارك بـ: « الضربة الجوية » فامتهن « الخيانة» وتميز بالخبث، وتفاخر صالح بـ:« الوحدة » فأشعل « الحروب» وتميز بالكذب، وامتطى القذافي صهوة « الثورة » فبشر بـ: « الكتاب الأخضر»واشتهر بالجنون، وورث بشار عن أبيه « المقاومة والممانعة » فاستعان بـ « إسرائيل» وبرع في الغدر!!!

    صفات متعددة، من السهل أن تجتمع معا لترسم لنا مواصفات الطاغية يتملكه الغرور والجهل وقلة الأدب!! ولما تكون النتائج متماثلة فلا فرق بين طاغية وطاغية ولا مذهب عن مذهب. قد نجد أحد الناس، صغيرا أو كبيرا، يسرق ويتوارى عن الأعين أو ينكر فعلة مشينة يستحق عليها عقابا صارما. لكن هؤلاء لا يستحي واحدهم، وهو في قمة المسؤولية، أن يسرق أو ينهب أو يقتل أو يعذب أو يخون أو يحارب الله ورسوله ثم يلقي بأمثاله في السجون كما يلقي بالأبرياء فيها. ولو خضع أحدهم لحكم شرعي لاستوجب قطع يديه ألف مرة.

 

   طغاة قتلة، ولصوص، ومنافقون وكذبة وخبثاء، اكتشفوا فجأة أن الأسياد تخلوا عنهم وصاروا يهددونهم بالعقوبات والتنحي والملاحقة والمحاكمة، وهم من نصبوهم وشرعوا طغيانهم وأمدوهم بأسباب القوة والبقاء!!! عجائب لا مثيل لها في التاريخ. هؤلاء الأسياد يتحدثون اليوم، بملء الفم الأجوف، عن حقوق إنسان، وعقوبات، وعن تدخلات لحماية المدنيين من السفاحين!!! وهم ذاتهم بالأمس قتلوا، كالعادة، 14 طفلا أفغانيا تبيَّن أنهم لم يكتبوا على جدران كابول أو البيت الأبيض: « الشعب يريد إسقاط النظام»، ولا فجروا دبابة أو أسقطوا طائرة.

    هذه هي مدرسة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والنظام الدولي والشرعية الدولية وحقوق الإنسان وسايكس – بيكو. فمن هو البريء فيهم؟ ومن يستحق أن يقطع رأسه أولا؟ لا ندري. لكننا صرنا ندري أن قطع الرؤوس لم يعد من حقوق الشعب وحده أو حكرا عليه!!!!

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,210,439

عدد الزوار: 6,940,576

المتواجدون الآن: 130