نظرية غريبة اسمها «الدفاع الشرعي العقابي»

تاريخ الإضافة السبت 10 كانون الثاني 2009 - 4:32 م    عدد الزيارات 728    التعليقات 0

        

عبدالله الأشعل*   

تثير اسرائيل في كل المناسبات مقولة الدفاع الشرعي الذي تتذرع به لإحراق غزة، بحيث أفرغت مفهوم الدفاع الشرعي من معناه الحقيقي، على رغم أنه يجد أصوله في قوانين السماء، وفي طبيعة المجتمعات الإنسانية قبل أن توضع القوانين الوضعية، وهو المبدأ الوحيد السابق على القانون العرفي والمعاهدات المدونة. وهذا ما أشار إليه صدر المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة من أن حق الدفاع الشرعي حق طبيعي innate، أي لصيق بالإنسان منذ خلقه مثل الحق في الحرية. وقد وضعت هذه المادة ضوابط لممارسة هذا الحق، أهمها أن يقع هجوم مسلح. أضافت محكمة العدل الدولية إلى ذلك عندما رفضت الدفع الإسرائيلي الذي يبرر إقامة الجدار العازل بحق الدفاع الشرعي في رأيها الاستشاري الصادر في التاسع من تموز (يوليو) عام 2004، لأن الهجوم المسلح يجب أن يصدر من دولة وليس من وحدات لا ترقى إلى مستوى الدولة. أي أن أعمال «حماس» و «حزب الله» من هذه الزواية - بصرف النظر عن كونها حركات مقاومة - لا توفر هذا الشرط لممارسة الدفاع الشرعي.
كما يشترط أن يكون هذا الهجوم المسلح غير متوقع وأنه يستحيل دفعه إلا بعمل يدخل في إطار شروط هذا المفهوم. كما يتعين أن يكون الهجوم حالاً، أي على وشك الوقوع أو أن يكون قد وقع بالفعل. وقالت إسرائيل في مذكرتها الموزعة على مجلس الأمن إن صواريخ المقاومة الفلسطينية تمثل هجوماً مسلحاً فعلياً، والصحيح أن صواريخ المقاومة تعتبر رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة كما تعتبر رداً على العدوان المستمر المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي ورفض الانسحاب، بل طلب المزيد من الأراضي تنفيذاً للمشروع الصهيوني الاستيطاني. ولذلك، فإن الأصل هو الاحتلال كما أشار بحق الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى في كلمته يوم 31 كانون الأول (ديسمبر) 2008 في افتتاح الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة.
من ناحية أخرى، يشترط لقيام الحق في الدفاع الشرعي أن يكون الرد على الهجوم المسلح بالقدر اللازم فقط لدفع هذا الهجوم، أي أن الممارسة الدولية وأحكام القانون الدولي والقضاء الدولي شددت كلها على مبدأ التناسب بين الفعل، أي الهجوم المسلح، وبين رد الفعل، أي الدفاع الشرعي. في هذه النقطة، من الواضح أن لدى إسرائيل مخططاً أساسياً في المشروع الصهيوني وهو إبادة الفلسطينيين في كل فلسطين لإجبارهم على إخلاء الأرض حتى تقوم الدولة اليهودية الخالصة. ومن الواضح أيضاً أن مخطط إحراق غزة وإبادتها في ما يبدو اتُخذ منذ أوائل 2005 ووضع لمساته الأخيرة شارون وبدأ التنفيذ بانسحاب إسرائيل الميداني والمادي من قطاع غزة، ثم اتخاذ الخطوات التالية التي أدت إلى أحداث غزة وفق التصور الإسرائيلي. بل إن التصريحات الإسرائيلية تؤكد أن برنامج إبادة غزة كان جاهزاً ربما قبل بدء التهدئة وهذا يدحض ما قيل من أن رفض الفصائل تجديد التهدئة، هو ما دفع إسرائيل إلى تنفيذ برنامج الإبادة. وهذا الإعداد المدبر نظرياً وعملياً لبرنامج الإبادة يهدر الركنين الأساسيين في مزاعم الدفاع الشرعي، وهما: فجائية الهجوم المسلح وتلقائية الرد. أما التناسب بين برنامج الإبادة وصواريخ المقاومة فمن الواضح أنه معدوم، إذ يلاحظ الفرق بين عمل المقاومة الرمزي الذي يؤكد رسالة الإصرار على الحق في مواجهة الغاصب والقوة وبين مشروع جاهز يرتكز على دولة تبحث دائماً عن أسباب القوة لتنفيذ هذا المشروع، ووظيفتها الأساسية كما أشرنا هي الحلول محل الفلسطينيين في فلسطين.
من ناحية ثالثة، فإن برنامج الإبادة الشامل يجعل التذرع بالدفاع الشرعي نكتة سخيفة، ولكن إسرائيل لا تتورع عن التذرع بأي شيء مهما كان تافهاً. ومن المعلوم أن الحق في الدفاع الشرعي يتوقف منذ اللحظة التي يتولى فيها مجلس الأمن الموضوع سواء بمجرد الانعقاد أو بصدور القرار باعتباره الحكومة المركزية التي تختص بمعالجة الحالة وضمنت إسرائيل أن مجلس الأمن يستحيل أن يدين برنامج الإبادة الذي تمارسه.
ولعلنا نذكّر الباحثين في مجال حق الدفاع الشرعي بأن قيام إسرائيل بأعمال الإبادة في غزة وتبريره بأنه تطبيق لحقها في الدفاع الشرعي هو المحطة الثالثة في تطور مفهوم الدفاع الشرعي لدى إسرائيل، وهو تطور يقع خارج دائرة الفقة الدولي المعتبر الذي يؤكد الضوابط التي أشرنا إليها ويعتبر كل خروج عنها عملاً من أعمال العدوان. ولا شك لدينا في أن برنامج الإبادة في غزة يعرض القيادة الإسرائيلية للمحاكمة الجنائية الدولية، وهذا له سياق آخر، لكننا نكتفي بالإشارة إلى أن إسرائيل بررت عدوانها عام 1967 بأنه تطبيق لحق الدفاع الشرعي «الوقائي»، ثم ابتدعت مصطلحاً جديداً لتبرير عدوانها عام 2008 بنظرية الدفاع الشرعي العقابي.


* كاتب مصري

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,343,517

عدد الزوار: 6,887,527

المتواجدون الآن: 87