الديكتاتورية لم تعد حلاً في الشرق الأوسط..!

تاريخ الإضافة الجمعة 6 أيار 2011 - 9:15 ص    عدد الزيارات 563    التعليقات 0

        

حسان القطب - بيروت اوبزرفر

 

التطورات والمتغيرات التي تحدث في العالم العربي اليوم ونعيش أحداثها ووقائعها وآلامها، هي نتيجة المعاناة الطويلة التي عاشتها هذه الشعوب، فأفرزت هذا التحرك الشعبي الواسع والشامل، العفوي في أدائه، والسلمي في تحركه، والمبرر في جوهره وأسبابه، والمحق في أهدافه وتطلعاته، كل هذه الأمور والوقائع، تجعلنا نتضامن ونتعاطف ونؤيد هذه التحركات والانتفاضات والثورات لما تحمله في طياتها من مقدمات تمهد لتحول سلمي لمجتمعاتنا العربية نحو الديمقراطية، أو على الأقل بداية التحول من حال الأنظمة الديكتاتورية المتمكنة من رقاب شعوبها على مدى عقود من الزمن، والتي كان ولا يزال ينظر إليها على أنها جمهوريات في الشكل فقط، ولكنها في حقيقة الأمر أنظمة ملكية في مضمونها، وانتخاباتها التشريعية التي تجري كل حين هي استعراضية، لأنها أنظمة استبدادية سلطوية في جوهرها، ووراثية في تركيبتها، حتى أن القوانين فيها تسّن وتوضع لتكون على قياس تمكين الحاكم الملهم، وحماية وتسهيل إجراءات استلام الخلف،.. حتى أن بعض هذه الأحزاب لم تعد قادرة على إنتاج قيادات وشخصيات جديدة تعمل على تسويق أفكار ومفاهيم ورؤى واستراتيجيات الحزب الحاكم، فأصبح الوريث وحده الذي يفهم المبادئ والأسس دون سواه، وهو رجل المرحلة مستنداً إلى ماضي والده الحاكم السابق، ليعزز سلطته وهيمنته في الوقت الحاضر، وليؤسس كذلك لمستقبل ولده وخليفته إذا استطاع أن يؤمن له انتقالاً هادئاً للسلطة، ولكن للأمانة كل هذا يجري ويتحقق ويتم تحت سقف القانون وبموجب التعديلات التي تطال النظام الداخلي للحزب إذا كان هناك من حزب، وكذلك القوانين الدستورية التي يجري تعديلها تحت قبة البرلمان وبأصوات نواب الشعب وممثليه وبإرادتهم الحرة..؟؟؟.. هذا فيما يتعلق بالقوانين والإجراءات القانونية والدستورية، أما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، فتحرير فلسطين هو العنوان والهدف والغاية ولا شيء سواه، ولا صوت يعلو على صوت المعركة، حتى لو كان هذا الأمر هو الاستيلاء على الأملاك العامة... وكل صراع داخلي حتى لو كان لتحقيق وتنفيذ أمور حياتية وخدماتية فإنه يرفض ويوضع تحت هذا الباب تمهيداً لرفضه، ويقمع الشعب بل ويتهم بخدمة أهداف أجنبية تسعى لتأخير تحرير فلسطين وبناء الدولة وتقويض سلطة الزعيم والحاكم..


ولكن مؤخراً برز لدينا بعض المدافعين عن هذه الأنظمة وعلى رأسها النظام السوري، تحت عنوان حماية الأقليات في منطقة الشرق، من الأصوليات القادمة، وهذا الأمر خطير جداً، لأنه ينقل الصراع مع السلطات الحاكمة في هذه الدول، وخاصةً في سوريا، من دائرة النضال الشعبي السلمي لتحقيق الحد الأدنى من العدالة والحريات العامة وإصلاح البنية الإدارية للسلطة الحاكمة ووقف الفساد وهدر المال العام، وإلغاء نظام التوريث السياسي، وتطوير البنية الاقتصادية للدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة فرص العمل ووقف الهجرة، إلى أجواء الصراع الديني سواء على مستوى طائفي أو مذهبي.. وهذا غير صحيح على الإطلاق، ولا يتمنى أي عاقل حدوثه أو مجرد التفكير فيه، ولكن لا يمكن تجاهل أن حالة من هذا النوع قد تكون طموح هذه الأنظمة لتبرير استمرارها.


فالعدالة الاجتماعية هي مطلب جميع المواطنين ومن كافة الطوائف والمذاهب دون استثناء، لأن سياسة الفساد المالي والاقتصادي، يستفيد منها فريق بعينه مرتبط بحاشية الرئيس ومجموعته وعشيرته.. ومبدأ تداول السلطة بطريقة ديمقراطية يشكل مخرجاً موضوعياً للوطن العربي وكافة دوله، من دائرة التوريث السياسي للسلطة السائد اليوم في معظم الجمهوريات الملكية..مع ما يحمله هذا الأمر من ممارسات قمعية وسلطوية وأفكار شمولية تؤسس لاستقرار العائلة الحاكمة على رأس معظم مؤسسات الدولة وإداراتها.. والفوضى المسلحة التي يحذر منها البعض تحت أسماء ومسميات متعددة، ممكنة الحدوث، وليست مستحيلة الوقوع، ولكن في حال امتنعت هذه القوى الحاكمة عن الاستجابة لمطالب جمهورها وشعبها وأمعنت فيه قتلاً وتنكيلاً وتعذيباً، واستباحت لنفسها أن ترتكب كل ما تراه مناسباً لتعزيز هيمنتها على مقدرات الوطن ورسم مستقبله ومصيره.. حينها من الممكن أن يحدث ما يخشاه البعض من فوضى مسلحة وبروز مجموعات وأحزاب مستعدة للمواجهة، وهذا ما رأيناه في ليبيا حين أعطى القذافي لنفسه حق قتل المواطنين بكل ما يملك من أسلحة فحصلت المواجهة ولا زالت...!!


القاسم المشترك بين كافة هذه الأنظمة المتشابهة والتي اتفق أنها متحالفة هو التحذير من الأصوليات وخطرها، رغم أن بعضهم كان يرعاها...النظام الليبي حذر الغرب من استلام القاعدة للسلطة في حال سقوطه وكذلك فعل النظام اليمني، والنظام السوري، ومنذ الأيام الأولى لانتفاضة شعبه على الظلم والقهر، بدأ عملية البحث ودون هوادة عن متهمين محتملين من الممكن اتهامهم، وترهيب المواطنين في الداخل المجتمع العربي والدولي في الخارج من خطورة التغيير وتداعياته في حال وقوعه، ولتبرير عمليات القمع والتنكيل التي يقوم بها لتثبيت النظام وتأمين استمراره واستقراره، والعمل على حشد المؤيدين من حوله لا بإقناعهم بصلاحية هذا النظام وضرورة استمراره، ولكن عبر زرع الخوف والقلق في نفوسهم لدفعهم لحمايته والدفاع عنه.. من هنا برزت مقولة اتهام بعض المجموعات السلفية المجهولة الاسم والعنوان، واتهام حركة الإخوان المسلمين في سوريا بالتحريض وكأنها من خارج النسيج الوطني السوري ومكوناته، وكان أن اتهم هذا النظام سابقاً قوى لبنانية علمانية (تيار المستقبل) بالتدخل ودعم المنتفضين بهدف نزع الصفة الوطنية عن المتظاهرين وإعطاء طابع مذهبي معين على التحرك الشعبي في سوريا، وتناغم معه فريق لبناني استمد قدرته العسكرية وحضوره السياسي على الرعاية التي أعطاها له هذا النظام..فأمعن في توزيع الاتهامات وصولاً لحصول بعض التوقيفات والاعتقالات من قبل بعض الأجهزة الرسمية لمتعاطفين مع التحرك الشعبي السوري على أنها جريمة يعاقب عليها القانون، وهذا غير صحيح على الإطلاق..والدليل على ذلك هو عدم تحرك هذه الأجهزة لوقف تحركات مشابهة لدعم انتفاضات أخرى لنفس الأسباب وتحت العناوين عينها. ولكنه ترابط المصالح المحلية والإقليمية..والضغوطات من قبل بعض الزعامات والقيادات المرتبطة والتي أعلنت تضامنها وترابطها مع هذا النظام على حساب مصالح وتطلعات وطموحات الشعب السوري والشعب اللبناني أيضاً..


لذا يمكن القول أن التهويل بأن وضع الأقليات في منطقة الشرق في خطر وبالتحديد في سوريا ولبنان في حال سقط النظام السوري كلام غير صحيح على الإطلاق، والهدف منه زرع الرعب والخوف والشك والتشكيك في نفوس أبناء الوطن الواحد وتفتيت النسيج الوطني وضرب مكوناته، فلا مصلحة للبنان واللبنانيين من التدخل في الشأن السوري الداخلي، كما لا مصلحة لنا نحن اللبنانيين أيضاً من أن نكون رافضين ومعرقلين لطموحات الشعب السوري ورغبته في إصلاح نظامه وتطوير دولته، وعدم احترام شهدائه وتقدير تضحياته، تماماً كما نحن نرغب ونتمنى أن لا تتدخل سوريا أو أي بلد أخر في شؤوننا الداخلية، مع التأكيد على أن تعاطفنا واحترامنا لتضحيات هذه الشعوب وعلى رأسها الشعب السوري في مسيرتها لتحقيق التغيير السلمي لأنظمتها نحو الديمقراطية لا يمكننا إلا أن نعبر عنه بكافة الطرق الديمقراطية التي يجيزها القانون ويحترمها الدستور.. لأن المستقبل لن يكون إلا لطموحات هذه الشعوب في تحقيق مستقبل عادل وزاهر، ولا خوف على أقلية أو أكثرية، إلا من هذه الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التي تسعى لتبرير استمرارها بزرع الخوف والرعب في نفوسها وبين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد، ليبقى حكم العائلة والحزب فوق سلطة القانون وخارج المساءلة والمحاسبة، ولكن هذه الأنظمة الديكتاتورية ستطيح بها ثورات شعوبها لأن الشرق الأوسط الذي عانى طويلاً من هذه النماذج من السلطة، لم يعد فيه مكان لديكتاتورية الأكثرية أو الأقلية، بعد أن أدركت هذه الشعوب أن أوان التغيير قد حان ..

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,198,272

عدد الزوار: 6,982,576

المتواجدون الآن: 69