هل أصبح مصير محمود عباس مشابهاً لمصير أحمد الشقيري ؟

تاريخ الإضافة السبت 3 كانون الثاني 2009 - 2:43 م    عدد الزيارات 785    التعليقات 0

        

سليم نصّار

عقب انتهاء حرب تموز 2006 واعلان انتصار "حزب الله"، عقدت قيادة "حماس" في غزة اجتماعاً قررت خلاله القيام بمراجعة شاملة لعملياتها العسكرية ضد اسرائيل.
واتفق في ذلك الاجتماع على ضرورة تخزين صواريخ مصنّعة محلياً بهدف استخدامها في المعركة المقبلة بعدما تبين ان اسرائيل تفتقر الى مظلة دفاعية فعّالة قادرة على اعتراض الصواريخ.
وبعد أقل من سنة تقريباً (14 حزيران 2007) قررت "حماس" القيام بانقلاب سريع فاجأ محمد دحلان الذي كان يستعد بدوره للاستيلاء على قطاع غزة وطرد أو اعتقال رموز المنظمة المنافسة. وحجّته أن حركة المقاومة الاسلامية لا تعترف باتفاق اوسلو، ولا بالنهج السياسي الذي يمارسه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الطامح الى انشاء دولة من طريق المفاوضات. وقد تعرّض هذا النهج لانتقاد "حماس" و"الجهاد الاسلامي" ومنظمات متطرّفة أخرى تعتبر "انابوليس" مجرّد تغطية اعلامية لصرف الانظار عن الخطط التوسعية الاستيطانية قبل استكمال تهويد القدس.
أواخر كانون الثاني الماضي، إجتاح مقاتلو "حماس" معبر رفح على حدود غزة ومصر، ثم اصطدموا مع الحراس المصريين عندما هدموا اجزاء من السياج الحدودي قرب معبر فيلادلفيا. ذلك ان اسرائيل منعت دخول المساعدات والمعونات الاقتصادية التي ترسلها هيئة الاغاثة التابعة للأمم المتحدة. ونتج عن هذه الاجراءات الصارمة حرمان عدد كبير جداً من سكان القطاع من الغذاء والادوية والوقود. وتوقعت حكومة ايهود اولمرت حدوث تمرّد شعبي ضد عناصر "حماس" الذين كانوا يواهجون العقاب الجماعي باطلاق صواريخ "القسّام" على المستوطنات.
وكان من الطبيعي ان يتنبه المسؤولون في القاهرة الى تعاظم قوة "حماس" داخل الشارع المصري، خصوصاً عقب اتساع حجم التظاهرات التي نظمتها قيادات المعارضة المصرية. ورأت الحكومة المصرية في هذه المظاهر السياسية تسللاً ايرانياً يسعى الى ضرب المرافق السياحية في سيناء، وإحياء التلاحم بين "حماس" و"الجهاد الاسلامي" مع الحركة الأم في مصر، أي حركة "الاخوان المسلمين".
وقد عبّر الرئيس حسني مبارك عن قلقه من تنامي نفوذ ايران وسوريا داخل غزة ولبنان، الأمر الذي دفعه الى الاعراب عن موقفه هذا امام رئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيون خلال زيارته الرسمية لمصر الاسبوع الماضي. قال له: "ان ايران وسوريا تسيطران على حركة "حماس" وتستخدمانها لتحقيق غاياتهما". واخبره أن مصر كادت تحقق المصالحة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية لولا تدخل هاتين الدولتين.
وكان الرئيس مبارك بهذا الكلام يشير الى انتهاء فترة التهدئة التي اُبرمت قبل ستة أشهر بين فصائل المقاومة الفلسطينية واسرائيل. وقد رفضت "حماس" تجديد هذه الفترة لأن اسرائيل نقضت كل التزاماتها عندما خيّرت سكان غزة بين استمرار اغلاق المعابر أو إعادة فتحها شرط مناهضة "حماس" و"الجهاد الاسلامي". ومع ان مصر كانت قد اوقفت اتصالاتها مع "حماس" بعدما رفضت حضور لقاء الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، إلا أن رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان، عاد ليتصل بقادة "حماس" طالباً منه وقف التصعيد. وبرر طلبه بضرورة ادخال ثمانين شاحنة تحمل مساعدات ووقوداً. وقال ان اسرائيل رفضت فتح معبر كرم ابو سالم، مشترطة الوقف التام لاطلاق الصواريخ.
ولم تستجب قيادة "حماس" لمطلب الوسيط المصري عمر سليمان، لأنها علمت من مصادر موثوقة ان المجلس الأمني المصغر في اسرائيل كان قد اتخذ قراره بتدمير المؤسسات الرسمية في غزة واستئناف عمليات الاغتيال. لذلك سبقته "كتائب القسام" واطلقت 87 صاروخاً وقذيفة هاون على المستوطنات يوم زارت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني القاهرة.
واختارت "كتائب القسام" اسم "بقعة الزيت الحارق" لهذه العمليات بهدف تذكير الاسرائيليين بأن زيت الأشجار التي اقتلعتها مجنزراتهم سيحرق أخضرهم ويابسهم!
قبل سبعة اسابيع من الانتخابات العامة قرر كل زعماء اسرائيل الدخول في معركة سافرة ضد "حماس" بهدف رفع شعبيتهم المحلية والخارجية. ومثل هذا المعيار السياسي بقي نافذ المفعول منذ اعتماد العصابات الصهيونية مبدأ الاغتيالات والتصفيات الجماعية. وفي الحكومة الآن من يتبجّح بأنه إغتال في منطقة "فردان" ثلاثة رموز من "فتح" وهي: كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار. وهو اليوم – أي وزير الدفاع ايهود باراك – يحدد أربعة أهداف للمعركة العسكرية في قطاع غزة: تهديم منصات الصواريخ، وقطع التهريب من المعابر، واسقاط سلطة "حماس" بعد اضعافها، وفصل سكان القطاع (مليون ونصف المليون نسمة) بعد استكمال عملية العزل.
وفي جوبهت هذه الاستراتيجية باعتراض وزير الدفاع السابق موشيه أرينز، الذي اعترف بأن، القوة العسكرية فشلت في فرض الأمن داخل لبنان وغزة، وان فصل القطاع عن القضية الفلسطينية يشكل تهديداً متواصلاً لمصر وللقضية. وعليه تقرر الاكتفاء بضربات جوية ضد اهداف تابعة لحركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، على ان تستأنف عمليات اغتيال القياديين مثل نزار ريان وسواه.
واعترض رئيس جهاز "شاباك" يوفال ديسكين، على أمرين مهمين لتأكده من ان "حماس" تملك صواريخ بعيدة المدى مثل "غراد" تصل الى عسقلان وبئر السبع. كذلك استبعد ان تحمل الاغتيالات زعماء "حماس" على تغيير نهجهم. وقال ان اغتيال عماد مغنية، الرابط اللوجستي بين طهران و"حزب الله" و"حماس"، لم يردع هاتين المنظمتين عن استئناف المقاومة.
ولكن هذا الاعتراض لم يثن السياسيين عن مواصلة العمليات العسكرية الى حين نفاد مخزون صواريخ "حماس" وحدد بعضهم مدة القصف الجوي. بموعد انتهاء معركة الانتخابات وتشكيل حكومة ائتلاف وطني تُعهد اليها مسألة الاعتراف بشرعية "حماس" أو اسقاطها عبر حرب برية تعيد احتلال القطاع. وتعهدت ليفني بأنهاء حكم "حماس" ان هي اُنتخبت رئيسة للحكومة. وقد حذرها الرئيس مبارك اثناء زيارتها للقاهرة بأن المغامرات العسكرية لن تحقق السلام المنشود. ولكنها تجاهلت هذا التحذير وتعمّدت اصدار تهديداتها خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته مع وزير الخارجية احمد أبو الغيط. وهكذا اُتهمت مصر بالتواطؤ مع العدو، الأمر الذي اضطر الرئيس مبارك الى نفيه معتبراً ان الحملة المغرضة تريد تحييد دور مصر بهدف تدمير عملية السلام.
وصفت الصحف البريطانية احداث غزة بجهاز كشف الامراض الخفية "بات – سكان" لأنه اخرج الى السطح كل العلل المخبأة داخل الدول العربية. وقد أظهرت هذه الأزمة عمق الخلاقات العربية - العربية بحيث اضطر عدد كبير من الزعماء الى اعلان ثوابتهم مثلما فعل الرئيس مبارك ومحمود عباس واسماعيل هنية. ويتوقع المحللون انهيار حائط الشراكة بين عباس والحكومة الاسرائيلية بعدما وصفها بـ"العدو المجرم والبربري". وكان بهذا الكلام يحاول الانتقال الى الشاطئ الآخر لعل تراجعه عن استكمال المفاوضات يساعده على غسل الدماء الجارية في منازل غزة. ويبدو ان مصيراً قاتماً ينتظره بسبب رهاناته الخاطئة، تماماً كالمصير الذي أودى بدور أحمد الشقيري عقب حرب 1967.
ويتوقع المراقبون ان تضطر ادارة باراك اوباما الى التخلي عن شراكة ابو مازن واقناع الحكومة الاسرائيلية المقبلة بأهمية الرهان على قيادي آخر مثل مروان البرغوثي. خصوصاً ان الزعماء الاوروبيين يتطلعون الى السجين البرغوثي كمناضل عنيد يمكن ان يكرر دور نلسون مانديلا. وبما انه يمثل داخل "فتح" خط المقاومة الصلبة مثل خالد مشعل، فإن اختياره لاستئناف مفاوضات السلام سيعزز الخط الذي انتهجه أبو عمار. أي خط الحفاظ على الثوابت الفلسطينية.
الدول العربية المتعاونة مع الولايات المتحدة تستغرب الصمت الذي اتخذه الرئيس المنتخب اوباما حيال الهجمات الاسرائيلية المدمرة. وهي ترفض تفسير سكوته بالقول انه لم يدخل الى البيت الابيض بعد. ولكن ادلائه بتصريحات حول تفجيرات مومباي الهندية أوجد سابقة كان من المتوقع تكرارها في احداث غزة. ويبدو انه محاذر في الاقتراب من نار القضية الفلسطينية، خصوصاً انه أعلن خلال حملته الانتخابية، عن رفضه الاعتراف بشرعية "حماس". وتقول وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون انها تنتظر نتائج الانتخابات الاسرائيلية كي تباشر عملها مع المنسق الاعلى للخارجية دنيس روس.
وتتوقع اسرائيل من روس ان يلعب دور هنري كيسينجر عقب حرب 1973. أي ان يرعى مفاوضات الحفاظ على أمن اسرائيل من دون ان يفرّط بسلامتها وحدودها. وقد اثبتت وقائع المحادثات العربية – الاسرائيلية في عهد كلينتون، ان دنيس روس كان العنصر المخرّب الذي دمّر كل جسور السلام. وربما يحاول تكرار هذا الدور برعاية رئيس فريق موظفي البيت الابيض رام ايمانويل.
بقي السؤال الأهم: هل أخطأت "حماس" في تقدير ردود فعل اسرائيل، أم انها راهنت على فوز نتنياهو برئاسة الحكومة لكونه يمثل خط المعارضة الرافض لمشاريع السلام؟
يجمع المحللون على القول ان "حماس" ارادت تقليد "حزب الله" بعدما استكملت تخزين مختلف انواع الصواريخ وبكميات كافية لمدة شهر تقريباً. ولكنها نسيت ان العمق البشري والجغرافي داخل لبنان قد أعان "حزب الله" على الصمود، مثلما أعانه موقف الحكومة الاسرائيلية التي تعتبر ان معركتها المصيرية تبدأ في فلسطين وتنتهي في فلسطين.
ومثل هذا المأزق قد يؤخر عملية ايجاد الحل السياسي لحرب عسكرية وصفها اسماعيل هنية بأنها مشرعة على كل الجبهات!

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,545,040

عدد الزوار: 6,900,170

المتواجدون الآن: 87