بين غزة ومسعدة: الصمود لا الانتحار

تاريخ الإضافة السبت 3 كانون الثاني 2009 - 2:41 م    عدد الزيارات 745    التعليقات 0

        

ادمون صعب

"السيد الامين العام لجامعة الدول العربية – القاهرة
إني أحمّلكم المسؤولية بعدما تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون او سلاح.
عبد القادر الحسيني
منظمة الجهاد المقدس
القيادة العامة – القدس في 6-4-1948"


أظهرت الحرب الإسرائيلية على غزة تشابهاً كبيراً بينها وبين حرب تموز الإسرائيلية على لبنان، هو تزايد القلوب المتحجرة والعيون المتقززة. وهذا ليس بالأمر الجديد.
 فقد استوقفت مفكرين كثيرين في سبعينات القرن الماضي لامبالاة العالم، وخصوصاً الغربي منه، حيال ما كان يجري آنذاك في فيتنام حيث حشد الأميركيون أكثر من 600 ألف جندي مزودين احدث ما أنتجته التكنولوجيا الأميركية من سلاح وقذائف، "غبية وذكية"، إضافة إلى أفتك أنواع الذخائر المحشوة مواد مشعة أورانيوم وبلوتونيوم مفرغ وغير مفرغ.
وراقب مدير صحيفة "الموند"  في تلك الاثناء اندره فونتين صاحب المؤلف الشهير " الطوفان" ما حصل في فيتنام بين 1973 تاريخ عقد اتفاق سلام بقيادة وزير الخارجية الأميركي كسينجر بعد تمهيد من السفير فيليب حبيب، والهجوم الساحق لثوار الفيتكونغ عام  1974 والذي توج بسقوط سايغون والخروج المذلّ للجيش الأميركي والمتعاملين معه من الفيتناميين الجنوبيين الذي لجأوا إلى السفارة الأميركية التي أنشأت مطاراً للمروحيات على سطحها تولت نقل المتعاملين إلى حاملات السفن الأميركية التي اضطر جنودها في وقت ما إلى إلقاء المروحيات في البحر تاركين ما تبقى من العملاء لمواجهة مصيرهم بأنفسهم والاستسلام لثوار الفيتكونغ.
وكتب فونتين مقالاً افتتاحياً في الصحيفة عدّد فيه الأسباب التي تجعل دولاً وشعوباً في العالم تتعاطف مع قضايا مهمة او تتجاهلها  مثل المجازر التي حصلت في كمبوديا، بعد الهزيمة الفرنسية في الهند الصينية إثر سقوط قلعة "ديان بيان فو"  بأيدي الثوار بقيادة الجنرال غياب عام 1964، ثم سقوط سايغون عام 1975 وانتقال حرب الإبادة إلى كمبوديا التي قضى فيها قرابة مليونين ونصف مليون من البشر في ظل نظام "الخمير الحمر" بقيادة بول بوت الإرهابي، دون أن يرف جفن للعالم الغربي. وقد نقل الإعلام آنذاك صوراً تقشعر لها الأبدان لرجال ونساء وأطفال أُخرجوا من المستشفيات إلى الأرياف بقصد إعادة تأهيلهم حاملين أكياس المصل في أيديهم، وقد قضى كثيرون منهم في الطرقات. إضافة الى صور للكمبوديين من معارضي النظام  دفنوا أحياء في التراب وهم واقفون وقد ابقيت رؤوسهم فوق الأرض ليموتوا ببطء من الحر والعطش والجوع.
ولم تثر هذه الصور، ويا للأسف، أي ردود فعل من الرأي العام الغربي.
ومما كتبه فونتين، أن الأسباب الرئيسية أربعة هي:
- التقارب الجغرافي.
- التقارب الديني.
- التقارب العقيدي السياسي.
- الشعور الإنساني.
وقد استوقفته صور نشرتها مجلة صدرت حديثاً في بريطانيا باسم "الآن" لصراع حتى الموت بين مجموعة من الكلاب غطّت دماؤها ساحة العراك.
واستغرب ناشر المجلة في العدد التالي ردود الفعل الغاضبة في أوساط القراء والزعماء السياسيين على نشر صور الكلاب. وبلغت الإدانة والاستنكار لمشاهد الصراع بين الكلاب البلاط الملكي فتلقى رئيس تحرير "الان" رسالة قاسية وعنيفة من الملكة اليزابيت أظهرت فيها شفقة لا حدود لها على الكلاب، الأمر الذي جعل الناشر يترحّم على الفيتناميين والكمبوديين الذين لم يجد من يستنكر تعذيبهم وإبادتهم كبشر، لاعتبارات سياسية خصوصاً، بينما اهتز وجدان البريطانيين وسواهم من الغربيين أنصار الرفق بالحيوان حيال مشاهد صراع غريزي بين كلاب لا علاقة للإنسان به، ربما بدافع السيطرة والاستئثار، وطمعاُ بمزيد من اللحم والعظم!
وإذ استفظع الأميركيون ان تزج إدارتهم البلاد في حرب همجية، استيقظ الإعلام الأميركي من غفوته التجارية وراح  يجّيش الرأي العام ليضغط على الرئيس والكونغرس من اجل إخراج أميركا من المستنقع الفيتنامي.
وأجرى حديث شهير مع قائد القوات الأميركية الـ600 ألف العاملة في فيتنام وليم وستمورلاند لدى نزوله من إحدى الطائرات الحربية، فسُئل: ماذا تفعلون أيها الأميركيون في فيتنام؟ فأجاب: "إننا نجرب أسلحتنا الجديدة. وفيتنام هي أفضل مكان لهذا العمل".
وفي حديث مقابل مع احد ثوار الفيتكونغ سُجّل معه في احد الأدغال، سئل الرجل: لماذا تندفعون في عمليات انتحارية لا تتوقف على القوات الأميركية، مزنّرين أنفسكم بالأحزمة المتفجرة وغير عابئين بأرواحكم؟ فأجاب: "إننا لا نساوي بالنسبة إلى الأميركيين سوى أوزاننا على القبّان. فمثلاً أنا وزني 80 كيلوغراماً، عندما افجّر نفسي في موقع للقوات الأميركية فإنني لا اخسر سوى هذا الوزن بينما أوقع خسائر في قوات العدو لا تُحصى ولها وزن كبير بالنسبة إليه.
 لا أخاف الموت، لان لي قضية وقفت لها حياتي. وانأ مستعد، كما أمثالي الذين يعدون بمئات الألوف، لأن نفدي وطننا بدمائنا. فنحن نعيش في الأدغال داخل الخنادق مع عائلاتنا، وليس لدينا ما نخسره سوى أوزاننا من اللحم والعظم. فلا منازل لدينا، ولا سيارات، ولا متاجر، ولا حتى مياه جارية، لا ساخنة ولا باردة. نستحم في الأنهر وبرك المياه، متطلعين إلى اليوم الذي تتحرر فيه أرضنا من رجس الاحتلال الأميركي ليعيش أولادنا وأحفادنا وأبناء شعبنا من بعدنا بكرامة وعزة وحرية، في وطن سيد، ومستقل. لذلك لا تعجبوا من استهتارنا بأرواحنا.
على أي حال، عندما قدم الأميركيون إلى بلادنا بعد هزيمة الفرنسيين في ديان بيان فو، كانوا يعدون الضحايا على أصابعهم. أما اليوم فقد استقدموا آلات حاسبة وباتوا يحسبوننا بواسطتها، لأن الشهداء أصبحوا في مرتبة مئات الألوف".
... وانتهت الحرب في فيتنام بانتصار الشهداء!
ولا يسع المرء وهو ينظر الى شريط الاحداث في غزة ملاحظاً تصاعد عدد الضحايا (400 شهيد و2200 جريح)، الا ان يُكبر صمود الشعب الفلسطيني وليس "حماس" و"الجهاد" فحسب، لان الصاروخ الاسرائيلي لا يميز بين "حماس" و"فتح" و"الجهاد" الخ... بل هو يقتل جزءاً من الشعب الفلسطيني الذي شرده 83794 يهودياً كانوا في فلسطين عام 1922، وارتفعوا الى 650 الفاً عام 1948، في مقابل مليون و388 الف فلسطيني كانوا يعيشون في اكثر من الف مدينة وقرية موزعة في ارجاء الارض الفلسطينية بينهم 113 الفاً و500 في حيفا وحدها ومثلهم في يافاً. وقد هاجمت العصابات الصهيونية اكثر من 430 قرية من اصل 531 احتلها وهجّرت قرابة 400 الف من اهلها. وبلغ عدد من طردوا في اتجاه الدول العربية عام 1948 بنحو 726 الفاً، هاربين من المجازر التي ارتكبتها العصابات الارهابية الصهيونية والتي بلغ عددها 34 مذبحة، افظعها كان في دير ياسين وقبية.
وما نشهده اليوم في غزة هو المحطة الاخيرة من السيطرة الاسرائيلية على فلسطين وعبرها على العالم العربي.
وبسقوط غزة – اذا سقطت – تكون قد انهارت كل آمال العرب في السلام الذي لن تكون اسرائيل في حاجة اليه بعد املاء شروطها على الفلسطينيين والعرب "المعتدلين"، وخصوصاً بعد اخراج اكبر دولة عربية من الصراع هي مصر، وتبعها الاردن، ثم أُخرج العراق بعد احتلاله وتدميره، وفُتحت مفاوضات غير مباشرة مع سوريا. في حين يعتصم لبنان بمقاومته لصد اي عدوان عليه، بعدما لقنت المقاومة اسرائيل درساً لن تنساه في حرب تموز.
وتكون لاسرائيل السيطرة الكاملة على منطقة الشرق الادنى – اذا سقطت غزة. وتدخل بعد ذلك في مواجهة مع ايران في الشرق الاوسط حول القوة النووية التي تصر اسرائيل على حصرية امتلاكها، بعدما دمّرت مفاعل "تموز" العراقي في الثمانينات، وهاجمت موقعاً سورياً السنة الماضية بحجة انه نواة لمحطة نووية تساعد فيها كوريا الشمالية. ولم يبق امامها سوى ايران.
الا ان اسرائيل التي تذكّرنا في اندفاعها نحو غزة بالمبارزة بين داود وغوليات، تتناسى انها أمام جهاد من نوع آخر، يتفوق على جهاد الفيتكونغ لانه يمزج الزمني بالالهي، حيث ينال المجاهد مكافأة فورية هي الصعود الى الجنة، يقوده الامل والرجاء، ويلهبه الشوق الى الشهادة، مستعيناً بالله للفوز بالنصر والقفز فوق الهزيمة والانكسار. ومثل هذا الشعب لا يُقهر وإن سقط منه مليون، تماماً كما حصل في ثورة الجزائر.
وهو بذلك ينقض اسطورة مسعدة اليهودية القلعة التي بناها هيرودس في الضفة الغربية للبحر الميت ولجأ اليها اليهود هرباً من الرومان بعد سقوط القدس عام 70 ميلادي. وقد حاصرها هؤلاء عام 72 وانتحر جميع الذين احتموا بها باستثناء سبعة هم امرأتان وخمسة اطفال.
لذلك فان غزة الشعب صاحب الحق في الأرض والحياة والحرية، لا غزة "حماس" و"الجهاد" وحتى "فتح"، تعطي العالم امثلة في الصمود.
وكأننا بالامة تنادي ابناءها الى الجهاد فيلبون النداء:
عرفات: حاضر. ابو اياد: حاضر. ابو جهاد: حاضر. ابو حسن سلامة: حاضر. كمال عدوان: حاضر. كمال ناصر: حاضر. ابو يوسف النجار: حاضر. سناء محيدلي: حاضرة. دلال المغربي: حاضرة. الشيخ احمد ياسين: حاضر. بلال فحص: حاضر. هادي نصرالله. حاضر. نزار ريان حاضر... حاضر... حاضر... على طريق الشهادة والانتصار.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,265,415

عدد الزوار: 6,942,764

المتواجدون الآن: 129