طوائف لبنان والمواطنة بين الأعداد والأدوار

تاريخ الإضافة الأربعاء 31 كانون الأول 2008 - 5:35 م    عدد الزيارات 745    التعليقات 0

        

هاني فحص
في لبنان، كما في غيره من بلدان التعدد الديني او المذهبي او الاثني، مع الانقسام التام او الناقص الى أقليات وأكثريات، من غير المجدي إهمال العدد ودلالاته، تماما كما هو من غير المجدي الركون إلى الأعداد على أنها أنصبة كاملة للاجتماع والدولة، فتمسي الدولة مجموع حصص او استحقاقات الطوائف والاثنيات مفصلة على أعدادها، لأن هذا التوجه، يفتح الأعداد على مؤثرات خارجية، موصولة بمشتركات اثنية او دينية او مذهبية، وبمطامع الخارج الشريك في هذه الأطر، وعلى حساب الطموحات الوطنية لشركاء الداخل من الجماعات المكونة الأخرى، وهذا المسار الذي يبتدئ من هواجس التغلب بناء على أحقية العدد في ذلك، من شأنه اذا ما بلغ مداه النهائي، ان تكون نهايته هي التقويض لأي كيان وطني جامع، وتحويله الى أوطان وكيانات لا يسعفها شكل (الاستقلال؟) الذي تحققه بالانفصال، في إحراز أي وحدة داخلية، فضلا عن العدالة او التنمية او التقدم الذي افترضت انه لا يتحقق الا بالانفصال. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو انفصال باكستان عن الهند أولا، ثم انفصال بنغلادش عن باكستان ثانيا، وعلى الأسس التي قام عليها الانفصال الأول ويمكن أن تقوم عليها انفصالات لاحقة وكيانات فرعية مفتعلة تشبه الأوطان كما تشبه الفوضى فيها الاستقلال. قد يمكن القطع بأنه لم يعد هناك مشروع خارجي للمسيحيين في لبنان، مع ضرورة التدقيق فيما إذا كان هناك في الماضي مشروع خارجي لهم، وقد كان لهم مشروع داخلي جمله الموارنة، غير ان التطورات التي لحقت بالمشروع الآخر، الذي كان يبرر مشروعهم في رأيهم ورأي آخرين من خارج صفهم، أعني المشروع القومي المختلط باليساري، من شأنها ان تقنعهم بالتخلي على المشروع الخاص من أجل الشراكة في المشروع الوطني العام، وهذا وحده يمكن ان يجلو سوادا لحق بالصفحة المارونية من خلال مراهنات بعض الموارنة، التي قامت على الانفعال ومشاعر الضدية أكثر مما قامت على تدقيق في الواقع والممكن اللبناني..
كما يمكن القطع بأنه ليس هناك مشروع خارجي سني، للسنة في لبنان، مع الشك في صحة القول بأن مشروعا كهذا كان موجودا في الماضي، وكل عمليات الدعم والمساندة السنية العربية للسنة في لبنان كانت في اتجاهات أخرى، فالمساندة الناصرية الوحدوية مرت بالسنة ولم تتوقف عندهم، وفي اتجاه عروبي وحدوي منعه وعي جمال عبد الناصر لوضع لبنان وتكوينه ودوره، من تكرار المغامرة بعد مغامرات السراج التي استفاد منها ناصر في وجه حلف بغداد. وبعد التوازن بين واشنطن والقاهرة في انتخاب فؤاد شهاب. أما السعودية فهي كانت مطمئنة، كما ان السنة في لبنان كانوا مطمئنين الى ثبات موقعهم في المعادلة اللبنانية، وان الخارج السني الغالب عدديا وماليا وسياسيا، يكفيه ويكتفي منه سنة لبنان بالدعم لتأمين استمرارية الحضور والفعالية السنية، بما يقتضي ذلك من انفتاحات سعودية خاصة وعربية عامة على المسيحيين ومن دون عوائق، وعلى الشيعة لاحقا من خلال خيار الامام الصدر في ترجيح الحوار والتفاهم مع السعودية على الفصال، ما تم التأسيس له وان لم تكن العمارة قد تبلورت، على الرغم من جهود الامام شمس الدين المتوازنة لتشييد منزل للتفاهم والتعاون مع الرياض وغيرها من العواصم العربية السنية، ومن دون استثناء، وبالرغم من استمرار هذا التوجه في حركة شخصيات دينية عايشت تجربة الامام شمس الدين وشاركت في كثير من فصولها والأفكار التي حكمتها... وفي خلال الفترة من حرب تموز الى ما قبل السابع من أيار، قدمت السعودية خطابا جامعا وسلوكا لا يشكو من علامات تفرقة، ولاحظ الجميع احتمالات وتعبيرات عن بداية قوية في صناعة تفاهمات مع الشيعة، لم تلبث ان تعثرت ثم تعسرت ثم انتكست، والبعض يفسر بهذا الانتكاس ما حصل من توجه سعودي نحو بناء علاقات كانت تحتاج الى مزيد من الدرس مع أطراف سياسية لا تشكو من محمول تاريخي، وان كان موضع نزاع، الا أنها تشكو من نقص في الأهلية خطابا وأداء وطريقة في بناء علائقها الميدانية بشكل شبه حديث ومضمون قديم يعد بحالة من الزبائنية السياسية التي لا يميزها شيء عن الزبائنية السائدة... في حين ان الأطروحة الشيعية الأخرى، كانت تحتاج الى مزيد من التأني والتروي والجمع بدلا من الاختزال والتجزيء اللذين يضاعفان من أسباب الضعف... هذا الى الشك في صحة او جدوى الطرح الشيعي مقابل السائد الشيعي، في حين كان الأجدى ان يكون هناك مشروع وطني من دون تسمية طائفية، يتسع للجميع ويحمي الجميع، من المعترضين المعتدلين، بالجميع.
وبكلمات... ليس السنة في لبنان مضطرين الا في الحدود الدنيا الى الخارج السني، ولا هذا الخارج بحاجة الى ان يحمل لهم مشروعا خاصا.. والانصاف يقتضي الشهادة بأنه ليس هناك مشروع سني عربي للسنة في لبنان، وما يمكن ان يسميه البعض مشروعا، ان هو الا رفع من حركات التدعيم للحضور والدور السني الذي يشكو من بعض الأعراض ومظاهر الضعف التي استدعتها الحيويات الطائفية المستجدة مستندة الى انجازات ملموسة (التحرير).. وامكانيات كبيرة (مالية وسياسية).
أما الدروز فقد كفاهم كمال جنبلاط المؤونة مع التيار القومي العربي الوحدوي وجمال عبد الناصر، منذ تصديه بداية من عام ١٩٥٦ لحلف بغداد وشراكته الفاعلة في أحداث عام ١٩٥٨ التي مهدت لرئاسة فؤاد شهاب على قاعدة اللاغالب واللامغلوب وبالتفاهم المصري الأميركي تماماً.. وبعد غياب جمال عبد الناصر الذي كان يعرف كمال جنبلاط في مصر على أنه رفيق نضاله، أصبح دور المملكة العربية السعودية أقوى وأشد جاذبية وفاعلية، وقد عرف الجميع ان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد انفتح مبكرا، وقبل ولاية العهد، على كمال جنبلاط حيث بلغت الصداقة عمقا غير عادي استمرت آثاره الى العلاقة بين وليد جنبلاط والملك السعودي والادارة السعودية عموما... أما شراكة كمال جنبلاط العميقة والاشكالية مع المقاومة الفلسطينية فقد بلغت من السعة والعمق ما ألزم وليد جنبلاط بمترتباتها وجعله بعد كل مرة تعاوده فيها ثورية نظيفة موروثة ومأزومة، فيبدو كأنه تنصل من تراثه مع حركة فتح وأبي عمار، ثم يعود كأنه لم يقل شيئا ولم يفعل.. يساعده في ذلك إصرار فتحاوي على محبته والحرص عليه والتغاضي عن الفروع تمسكاً بالأصول... لكن هذا كله لم يرشح الدروز ولا مرة لأن يحملوا مشروعا عربيا خارجيا... وإنما كانوا شركاء للآخرين في أطروحات تجمع بين الخارج والداخل، ويراعون حساسية وضعهم الأقلوي الذي يجبرهم على نوع من التنقل السياسي طبقا لأولويات درزية او جبلية او عربية او اقليمية.. ما كان مؤشرا على أن وضعهم أشد حساسية من وضع أي طائفة أخرى وأنه يضطرهم الى استبعاد الايديولوجيا من السياسة العامة والتشبث بالبراغماتية، من دون خلو من انظمة قيم يعتريها التغير او التغيير طبقا للتغير في أنظمة المصالح والعلائق.. في حين كانوا مضطرين تماما الى جرعة ايديولوجية في الداخل الدرزي حفاظا على التماسك وتخفيفا لتأثير المؤثرات التي تأتي من المتحولات الفكرية والثقافية والدينية، ما جعلهم يبدون كأنهم مركب غريب من الايديولوجيا او العقائدية المذهبية والعلمانية معاً. وجعلهم يستبشرون بما تحرزه حركة الاحياء الاسلامي من تقدم لتنتهي الى أطروحة سياسة دينية تخيفهم، شأنهم في اعجابهم بإيران وخوفهم منها، وإعجابهم بقتال حماس لاسرائيل وخوفهم من حماس، وعودتهم الى محطات في تاريخهم الحديث حاولت التنظير لاستيعاب اسرائيل، ككثيرين من غيرهم، ثم العودة الى الروح النضالية وسعي وليد جنبلاط المعروف لتوسيع المسافة بين الدروز في فلسطين وبين الكيان الصهيوني وادارته وسياساته. ما دخل فيه بحماسة وحقق بعض النجاح ولكن الخيبة والمرارة كانت أكبر.
في المدى البعيد، ومن أجل ان يبقى لبنان، بكل مكوناته على قاعدة التكافؤ، على اساس ان إلغاء أحد المكونات او تهميشه او مصادرته او تفتيته يشكل اخلالا بمنظومة الأسباب والدواعي لوجود الكيان أصلا.. ومن أجل ان يبقى لبنان على تميزه المفيد له ولغيره، ورسالته التي تتعرض لعمليات تمزيق بين فترة وأخرى، بالتناغم بين الداخل والخارج، لا بد من اعادة الأعداد الى سياق الاحتكام الرضوخ الطوعي لأفكار وقيم الدور الوطني المسؤول للأكثريات المتعارضة والمنقسمة والمتداخلة، بحيث يمكن الشك في مصداقية كونها أكثريات جامعة.. تمهيدا او تأسيسا لترجيح الدور الأقلوي على أعداد الأقليات، بدلا من استفزازها واستتباعها او احتوائها بما يحولها الى قوة تفجيرية يتعدى أثرها العدد ليصبح احيانا فوق قدرة الاكثرية على التأثير والسيطرة.
ان الاستقواء بالعدد والجمود عليه، مسلك شديد الخطورة على الجميع، ولا يمكن ان تعالج مساوئه بالقفز فوق لبنان الى العمق المسيحي العربي مسيحيا او الشيعي العربي او الاقليمي او السني العربي او الاقليمي.. اما تركيب الثنائيات عشوائيا فهو أشد فتكا بطرفي الثنائية وسائر الأطراف.. كما حصل.. والحل هو سلة تفاهمات داخل الطوائف وبينها.. وبين هذه الطوائف وما يبدو أنه عمقها في الخارج او خصمها.. ليعود لبنان الى تدبيج رسالته بثقافته المجتمعية المميزة. ليرسلها الى بلاد التعدد المهددة بالفصال والصراع. .

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,319,545

عدد الزوار: 6,885,960

المتواجدون الآن: 80