علاقة أميركا بأوروبا ... من مبدأ مونرو إلى الانخراط في الحرب العالمية الأولى...

تاريخ الإضافة الخميس 1 تشرين الثاني 2018 - 7:30 ص    عدد الزيارات 919    التعليقات 0

        

علاقة أميركا بأوروبا ... من مبدأ مونرو إلى الانخراط في الحرب العالمية الأولى...

الحياة...محمد سيد رصاص ... عندما أعلن في واشنطن عن تبني مبدأ مونرو عام 1823 كان الهدف الأساس منع تدخل الأوروبيين في قضايا العالم الجديد. كانت الثورة الأميركية ضد الإنكليز لم تتجاوز النصف قرن من الزمن ليأتي مبدأ مونرو معبراً عن مرارات المهاجرين الذين كانت هجرتهم تعبر عن إدارة الظهر لـ «القارة العجوز»، وبعضهم كان هاجر هرباً من اضطهادات، مثل هجرة الكثير من البيوريتان الإنكليز عام 1620 إلى العالم الجديد بعد انشقاقهم عن كنيسة إنكلترا. لم تنس لندن مرارة الانفصال الأميركي عنها، لذلك عندما حصل تمرد الولايات الأميركية الجنوبية السبع المطالبة بـ (الكونفدرالية) بدلاً من (الفيدرالية)على المركز في واشنطن في عام 1861 قامت لندن بدعم الجنوب الأميركي في الحرب الأهلية التي انتهت بعد أربع سنوات بانتصار الشماليين. لم تخرج واشنطن من العزلة الذاتية في نطاق العالم الجديد التي عناها مبدأ مونرو إلا مع الحرب الأميركية- الإسبانية عام 1898 عندما حلت محل الإسبان في الفيليبين، مغادرة نطاق قفص العالم الجديد نحو شرق آسيا. مع بدء الحرب العالمية الأولى أعلن الرئيس الأميركي وودرو ويلسون الحياد الأميركي بيوم 4 آب (أغسطس) 1914 في نزاع اعتبره الأميركان «نزاعاً بين أوروبيين». لم يستمر الحياد الأميركي طويلاً، فأعلن ويلسون الحرب على ألمانيا في 6 نيسان (ابريل) 1917 مرسلاً الجنود الأميركان لمصلحة لندن وباريس. واجه ويلسون الكثير من المقاومة من الانعزاليين الأميركان حتى في إدارته، ومنهم وزير خارجيته وليام برايان، الذين أرادوا النوم على حرير مبدأ مونرو بعيداً من صخب «القارة العجوز» ومشاكلها. نجح هؤلاء ضد ويلسون في فترة ما بعد الحرب عندما استطاعوا منع دخول واشنطن في عضوية عصبة الأمم وكان رأيهم (وهو مازال رأي اليمين الأميركي في الأمم المتحدة) أن المنظمات الدولية يمكن أن تمس أو تنقص من القرار السيادي الأميركي. مع الرؤساء الجمهوريين: وارن هاردينغ، كالفن كوليدج، هربرت هوفر (1921- 1933) عادت واشنطن إلى عزلتها تجاه «القارة العجوز»، ولكن مع اهتمام كبير بشؤون شرق آسيا أمام عملاق ياباني ينمو وصين تضطرب بين قوميين في حزب (الكيومنتانغ) وحزب شيوعي حتى صدامهما في عام 1927 في شنغهاي ليعلن بدء نزاع صيني داخلي انتهى بانتصار الشيوعيين عام 1949 وهروب القوميين إلى جزيرة فورموزا- تايوان. عاد الديموقراطيون مع فرانكلين روزفلت إلى البيت الأبيض على خلفية الأزمة الاقتصادية 1929- 1932 وليس على خلفية السياسة الخارجية. كان واضحاً في الثلاثينات انتقال مركز الاقتصاد العالمي من لندن إلى نيويورك. كان روزفلت يريد ترجمة هذه الحقائق الاقتصادية إلى العلاقات الدولية ولكنه واجه اتجاهاً قوياً في المجتمع الأميركي نحو الانعزال عن مشاكل القارة الأوروبية المضطربة مع صعود هتلر للسلطة في برلين عام 1933 ونزعته التوسعية في النمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا التي قادت للحرب العالمية الثانية في أيلول (سبتمبر) 1939. كانت هناك غالبية كاسحة في الحزب الجمهوري تعارض الانخراط في الحرب بزعامة السيناتور روبرت تافت وكان هناك ديموقراطيون مترددون في ذلك فيما الرئيس روزفلت لم يكن كذلك، حتى جاء الهجوم الياباني على الأسطول الأميركي في ميناء بيرل هاربور (7 كانون الأول/ ديسمبر 1941) ليحسم ميلان الكفة لروزفلت. جاء انتصار الحلفاء على الألمان واليابانيين عام 1945، ونمو العملاق السوفياتي، لكي يطيح آراء الانعزاليين الأميركان، من أمثال تافت الذي عارض الأمم المتحدة ومشروع مارشال والدخول الأميركي في الحرب الباردة مع السوفيات البادئة عام 1947 وحلف الأطلسي (1949) والحرب الكورية (1950)، ولم يكن من دون مغزى انتصار دوايت أيزنهاور على تافت في انتخابات مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 1952 حيث برز مرشح جمهوري أميركي، كان قائداً عسكرياً سابقاً لقوات الحلفاء ضد الألمان، يملك نزعة قوية للانخراط في الشؤون العالمية وهجومية ضد الكرملين، ولم يكن من دون مغزى أن يموت تافت بالسرطان بعد أشهر من رئاسيات 1952. في الحرب الباردة التي انتهت بانتصار على السوفيات عام 1989 كان الجمهوريون من أمثال أيزنهاور ونيكسون وريغان الأكثر انخراطاً في الشؤون الخارجية والأكثر ديناميكية، فيما كان الديموقراطيون، مثل كينيدي وجونسون وكارتر، الأكثر انخراطاً في الشؤون الداخلية. كانت الانخراطية الأميركية في مجابهة السوفيات تتطلب انضباطاً في المعسكر الغربي تحت قيادة واشنطن، لذلك جرى الكثير من الاحتكاك الأميركي مع اتجاه استقلالي فرنسي عن واشنطن أبداه الرئيس الفرنسي شارل ديغول (1958- 1969) والمستشار الألماني الغربي فيلي براندت (1969- 1974) الذي انتهج سياسة انفتاحية نحو الشرق في حلف وارسو باتجاه الاعتراف بألمانيا الشرقية وبحدود ما بعد الحرب الألمانية مع بولندا وتشيكوسلوفاكيا، وقد اعتبر هنري كيسنجر أن سياسة براندت الانفرادية غير المنسقة مع الأميركان تضر بالتوازن القلق بين واشنطن وموسكو في وقت كانت تجري المفاوضات من أجل معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سالت 1- تم التوقيع عليها عام 1972) ومفاوضات مع الفيتناميين في باريس (تم التوقيع على اتفاقية الانسحاب الأميركي عام1973). كانت استقلالية ديغول وحساسيته من هيمنة واشنطن دفعته للتقارب مع المستشار الألماني كونراد أديناور (1949- 1963) ولمعارضة دخول بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة (دخلتها بعد ديغول في عام 1972) معتبراً لندن «حصان طروادة أميركياً». في فترة باريس ما بعد ديغول، وبون ما بعد براندت، كان هناك انسجام أميركي- فرنسي- ألماني أكبر.
لم تظهر التباينات الأميركية- الأوروبية سوى بدءاً من غزو واحتلال الأميركان العراق عام 2003 اذ وقفت باريس وبرلين ضد واشنطن. عادت باريس للتوافق مع واشنطن في العام التالي مع القرار الدولي 1559 الخاص بلبنان. في فترة المواجهة مع ايران من قبل واشنطن، مع استئناف طهران لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم عام 2005، وقفت باريس وبرلين وراء واشنطن، وهو ما حصل أيضاً في الأزمة السورية البادئة عام 2011. في الأزمة الأوكرانية عام 2014 مع الروس لم تكن برلين، ذات العلاقات الاقتصادية الكبيرة مع روسيا وشرق أوروبا، مع الاتجاه الأميركي المتشدد تجاه موسكو. كان الأوروبيون، بثالوثهم الرئيسي: برلين- باريس- لندن، في حالة تأييد لاتجاه باراك أوباما نحو توقيع (اتفاق 5+1) مع ايران عام 2015، ولم تكن برلين وباريس مؤيدتين لسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتوقيع الأميركي على ذلك الاتفاق عام 2018، ولا لسياساته المتجابهة مع طهران. كان المرشح الرئاسي اليميني الجمهوري ترامب متحمساً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في صيف 2016. عند ترامب هناك عودة إلى انعزالية أميركية لا تنظر بالود إلى الأوروبيين ولا لحلف الأطلسي ولا للاتحاد الأوروبي ولا لاتفاقات دولية تتعلق بالاقتصاد مع أي خارج وهي انعزالية ترتبط عند ترامب بمصطلحات ومفاهيم مثل»القومية الاقتصادية»التي تعني حمائية جمركية ورفض العولمة ورفض وجود الشركات الأميركية خارج الولايات المتحدة. هناك توتر غير مسبوق أثاره ترامب في العلاقات بين جانبي الأطلسي. كخلاصة: عندما يقارن المرء بين اللورد كرومر، المعتمد البريطاني في مصر وبين بول بريمر الحاكم الأميركي في العراق، يلاحظ تفوق كرومر على بريمر في إدراك البلد المحكوم الغريب. الأميركي هو مستعمر فاشل أو امبريالي غير كفؤ، وفي فترة القطب الأميركي الواحد للعالم منذ عام 1989 هناك تعثرات أميركية لم نجدها عند لندن لما كانت تدير العالم بين عامي1588 و1939. هناك إدارة ظهر عند الأميركي للعالم الخارجي، ويمكن اعتبار أن الأميركيين هم أقل الشعوب إدراكاً لتفاصيل العالم الخارجي. انعزالية الأميركي لا تأتي فقط من حساسية تجاه الماضي الأوروبي قبل الهجرة وبعدها بل تأتي من بلد، هو بمثابة قارة، يشعر سكانه باكتفاء ذاتي وبأنهم متفوقون اقتصادياً وعلى العالم أن يركض وراء نموذجهم لا أن يقوموا هم بالانخراط في عالم قديم كان ذهابهم للقارة الجديدة ثم للولايات المتحدة نوعاً من طي صفحته وفتح صفحة جديدة.

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,122,059

عدد الزوار: 6,754,611

المتواجدون الآن: 104