قمة سنغافورة وعلاقات القوة في النظام الدولي...

تاريخ الإضافة الأحد 24 حزيران 2018 - 7:34 ص    عدد الزيارات 320    التعليقات 0

        

قمة سنغافورة وعلاقات القوة في النظام الدولي...

الحياة...حسين معلوم .. أن يُعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد قمة سنغافورة، وقف المناورات العسكرية السنوية مع كوريا الجنوبية، تلك التي وصفها بأنها «استفزازية جداً» بالنسبة إلى بيونغيانغ، فهذا يطرح التساؤل حول التنازلات التي قدّمها كل طرف إلى الآخر، مقابل انعقاد القمة، أو في الحد الأدنى مُقابل هكذا تصريح.

هذا ليس التساؤل الوحيد، ولكن تُضاف إليه تساؤلات أخرى، منها: ما هو المُبرر وراء تراجع الرئيس الأميركي بخصوص انعقاد القمة، بعد التهديد الذي لوَّح به بشأن «تدمير» كوريا الشمالية؟ ولعل أهمية التساؤل تنبع من ملاحظة مدى صلابة الموقف الذي اتخذته كوريا الشمالية، خصوصاً أن كيم جونغ أون لم يعبأ بالتهديد، وهدّد بضرب «العمق» الأميركي. من هذه التساؤلات، أيضاً: ما هو الضمان الذي يُمكن أن يُقدمه ترامب لكوريا الشمالية، من عدم تكرار تجربة ترامب نفسها مع البرنامج النووي الإيراني؛ بمعنى: إذا كان ترامب سبق أن قرر الانسحاب من اتفاق دولي، أبرمه رئيس سابق للولايات المتحدة مع إيران، فما هو الضمان الذي يُمكن أن يُجبر الرؤساء الأميركيين اللاحقين على احترام اتفاق «ترامب – كيم»، خصوصاً أن كوريا الشمالية ستكون، حينئذ، قد نزعت سلاحها النووي؟

وأخيراً، إذا كان الرئيس الأميركي، كما أصبح معروفاً عنه، يتعامل مع الملفات السياسية بالمنطق الذي يتعامل به مع «صفقات» التجارة والمال؛ هنا، يُصبح التساؤل: إذا كان مجرد «تفكيك» السلاح النووي، الكوري الشمالي، سيحتاج إلى بلايين الدولارات، فمن سيقوم بمثل هذا التمويل؟ هل سيقوم به المجتمع الدولي، عبر الأمم المتحدة، أم أطراف أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية؟ هذه التساؤلات، وغيرها تدفع إلى القول: إن ما صدر عن القمة من وثيقة «تفاهم» شاملة، يؤكد أن نتائج القمة ستقف عند حدود هذا التفاهم؛ ليس، فقط، لأن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، ولكن، أيضاً، لأن تعهد ترامب توفير ضمانات أمنية لكوريا الشمالية، وتعهد كيم العمل في سبيل نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، بحسب ما جاء في الوثيقة، لا يكفي كمؤشر إلى نجاح القمة في ما كانت تصبو إليه.

قولنا، هذا، يُشير إليه، ويؤكده، تحليل إشكاليات العلاقات الدولية من منظور علاقات القوة الحاكمة لأطراف هذه الإشكاليات. فالقوة تفرض منطقها على منحنيات الصعود والهبوط، خصوصاً بالنسبة إلى الأطراف الفاعلة في النظام الدولي، وذلك لأهميتها كعلاقات مركبة، تؤثر تأثيراً مباشراً في الدول المُنخرطة في فضاء هذه العلاقات.

والواقع، أن علاقات القوة هذه تبدو بوضوح في قمة سنغافورة، أو بالأحرى في العوامل الدافعة إلى انعقادها. إذ، لنا أن نُلاحظ، من جهة، أن كوريا الشمالية هي دولة نووية بالفعل؛ فهي تملك رؤوساً نووية، والأهم أنها تملك الوسائل والإمكانيات القادرة على حمل هذه الرؤوس إلى مناطق تهدد فيها المصالح الأميركية الحيوية. أضف إلى ذلك، أن لهذه الدولة حليفين فاعلين على ساحة العلاقات الدولية، هما الصين، وروسيا الاتحادية وإن بدرجة أقل؛ ومن ثم، فالمصالح الاستراتيجية لهذين الحليفين تفرض عليهما عدم السماح، مُطلقاً، باستخدام القوة ضدها، حتى لا تتأثر موازين القوى في منطقة تُمثل بالنسبة إلى كليهما «منطقة حيوية». من هنا، تعاملت كوريا الشمالية مع قمة سنغافورة، ارتكازاً على قاعدة عدم جدوى السياسة الأميركية بفرض التخلي عن سلاحها النووي من دون «شروط»؛ ففي رؤيتها، أن الصواريخ الباليستية، والرؤوس النووية، إنما تُمثل وسيلة ضرورية لحماية نظامها السياسي وضمان استمراريته. ولعل هذا ما يوضح كيف أن تمسك كوريا الشمالية بامتلاك السلاح نووي، لا يعود إلى عوامل «جغراسية»، أو الرغبة في التحول إلى قوة إقليمية قادرة على مد نفوذها خارج حدودها، بقدر ما يُعبر عن ضمانة أكيدة لصيانة النظام.

ومن هنا، أيضاً، لنا أن نتأمل تلك الاشتراطية التي طالما أعلنتها كوريا الشمالية، طوال سنوات، والتي تنبني على مطالب ثلاثة: إنهاء المناورات العسكرية، الدورية، بين واشنطن وسول، وفك التحالف الاستراتيجي بينهما، إضافة إلى سحب أميركا قواتها المتمركزة في كوريا الجنوبية منذ العام 1953. لذا، شدّد كيم جونغ أون، في قمة سنغافورة على ضرورة وقف المناورات العسكرية في مُقابل نزع «السلاح النووي». وهي المعادلة التي حظيت بموافقة ترامب، الذي وعد، فضلاً عن ذلك، بسحب قواته على دفعات، مع وعد- إضافي- بانفتاح اقتصادي وضمانات أمنية.

من جهة أخرى، لنا أن نُلاحظ تراجع المكانة النسبية للولايات المتحدة الأميركية في المرحلة الراهنة، على رغم أنها لا تزال تملك مقومات القوة الأعظم في النظام الدولي. ولعل هذا ما يتبدى في موافقة ترامب على اشتراطية زعيم كوريا الشمالية. صحيح أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كوريا الشمالية، مثّلت أحد العوامل الحاسمة في موافقة كيم جونغ أون على نزع السلاح النووي؛ لكن يبقى من الصحيح، أيضاً، أن الصين هي الحاضر الفاعل في دفع الطرف الكوري إلى القمة.

والواقع، أن ترامب وإن كان ما يهمه، بالأساس، هو تحقيق «اختراق» في الملف النووي لكوريا الشمالية، على الأقل لإقناع ناخبيه بأنه يُدافع عن مصالحهم، أملاً في أن تنعكس خطوته الأخيرة على نتائج التجديد النصفي للكونغرس، في تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبل؛ لكن الاستهداف الأبعد بالنسبة إليه يكمن في أن تكون اليد الأميركية هي العُليا في تحويل كوريا الشمالية إلى نموذج جارتها الشقيقة كوريا الجنوبية؛ ومن ثم، التمركز، مادياً واستثمارياً أكثر منه عسكرياً، في شبه الجزيرة الكورية، التي تعتبر أحد المفاتيح المهمة في الاقتراب من الصين، ليكتمل السور الدائري الذي تم بناؤه عقب الحرب العالمية الثانية، من حلفاء الولايات المتحدة، بداية من اليابان وصولاً إلى الفلبين ومروراً بكل من تايوان وكوريا الجنوبية.

لكن، هل يغيب هذا الاستهداف عن الصين، خصوصاً أنها الحليف الاستراتيجي والاقتصادي الرئيس لكوريا الشمالية، منذ خمسينات القرن الماضي؟ أياً كان الأمر، فإن ما صدر عن قمة سنغافورة من «وثيقة تفاهم»، ليس من السهولة تحقيقه، نتيجة ارتباط بنودها بمصالح قوى دولية كبرى، تضع نصب أعينها أن تحجز لها مكاناً في قيادة النظام الدولي؛ بل، تعرف كيف تستثمر «أوراق» القوة التي تمتلكها.

 

* كاتب مصري

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,170,650

عدد الزوار: 6,938,452

المتواجدون الآن: 122