الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة

تاريخ الإضافة الأربعاء 22 كانون الأول 2010 - 5:01 ص    عدد الزيارات 525    التعليقات 0

        

الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة


بقلم غسان المفلح

"المفاهيم السياسية" ليست سوى تراكم مفردات لا قيمة لها ما لم تدخل في سياق الصراعات الأيديولوجية والسياسية، وهذا ما حاولنا تلمسه في مقال سابق حول انبثاق الظواهر السياسية الإسلامية، والمصطلحات التي عبرت عنها، وكيف تطورت في حقل الصراع والتداول الإعلامي والسياسي، والتي نتج عنها معادلات غدت كلها عبارة عن مسلمات، وكأنها فكر ديني جديد! منها على سبيل المثال الصراع الحضاري بين الغرب المتحضر والحضارة الإسلامية، وما ترتب على هذه المعادلة من مقاربات مضللة تعتريها المصالح المتناقضة، وتعدد القوى المتداخلة عبر مثقفيها. وكلما دخلت مكتبة فكأنك تتابع صحيفة يومية أكثرية مقالاتها وأعمدتها، تتناول الظاهرة الإسلامية، رغم تعدد المنطلقات. في المكتبات مئات الكتب تصدر في العالم عن هذه الظاهرة، بحيث تحول المسلمون إلى سبب ما يجري في هذا العالم من خراب وحروب وويلات، كما تحول الإسلام إلى دين كأنه لا يمكنه التعايش مع الآخرين، وكأن تاريخ الإسلام مختلف عن تاريخ بقية الأديان في هذا المضمار. استطاعت هذه الجاهزية أن تسحب إلى متاهتها ألوفا مؤلفة من المثقفين والمهتمين العرب وغير العرب. وتتراكم الكتب والصحف والمقالات في ارشيفات، تذكرني بمثيلها أيام الحرب الباردة، والتي تعتبر الامبريالية سبب مصائب العالم، وفي المقلب الآخر الشيوعية مصير أسود فيما لو تبنتها البشرية.
لم تكن الظاهرة الإسلامية، لا كدين ولا كمسلمين، تحتل حيزا منظورا، وصار العالم الآن ينظر إلى تلك الأدبيات التي انتشرت أبان الحرب الباردة نظرة غير مبالية، فهي ليست بذات قيمة معرفية، أو أن التاريخ تجاوزها، بانتصار الرأسمالية أو الامبريالية أو معسكر العالم الحر. كانت تنظيمات الإخوان المسلمين عبارة عن تيار سياسي في البلدان الإسلامية منخرط في ذلك الصراع، ولكنه محمول على طرف دول العالم الحر، في مواجهة المعسكر الآخر. ولم يكن هنالك تنظيم في العالم اسمه الإخوان قبل دخول الانكليز مصر مع كل ما ترتب على هذا الدخول. وفي فضاء صراعاته تأسست الجماعة، لهذا كنت أفصل دوما بين ظاهرة الإسلام السياسي المعاصرة وحركة الإخوان المسلمين.
لا أعرف أين الحساسية (•) إن قلنا ان الإخوان تنظيم سياسي، وله علاقات سياسية، يتبادل فيها المصالح مع أطراف سياسية أخرى، الملك المصري أو الأنكليز أو أميركا أو العراق أو غيرها أليست كلها أطرافا سياسية؟ وهل العلاقة الجيدة التي كانت تربط المرشد السابق للإخوان مع إيران هي علاقة غير سياسية؟ وقبل أن آتي إلى اللحظة الحالية: إن ما أردت قوله هو أن التيارات الإسلامية تشكلت في خضم الصراع السياسي، وليس في أتون صراع ديني، هل هذه مشكلة؟ أما" الحاكمية لله" و" الإسلام هو الحل"، فكلها لا تمثل المسلمين، بل هي تيارات سياسية، تتنازعها المصالح والرؤى والأهداف السياسية، ولا تختلف في علاقاتها داخل حقل الصراع السياسي عن أية قوة سياسية أخرى. حتى اغتيال الشيخ حسن البنا، لم يتم لكونه داعية دينيا أو ممثلا للإسلام بل لكونه رجل سياسة، ومؤسسا لتيار سياسي.
ما الذي جرى الآن، هل تحول الإخوان المسلمون إلى تيار نقيض للعالم الحر وقيمه؟ يجد القارئ الآن، مئات من الكتب والدراسات التي تعيد كتابة تاريخ الإخوان انطلاقا من المعطى الحالي، نظام دولي جديد لم يستقر بعد، وبكل حمولة هذا النظام. ورمي كل ما تكدس من كتب عن تاريخ الإخوان في المرحلة السابقة بصفتها قوى رجعية لأنها قوى سياسية مدعومة من دول الغرب، أو هي قوى سياسية مؤمنة بقيم العالم الحر الذي ساند ما سمّاه آنذاك الصحوة الإسلامية تسانده في صراعه مع الشيوعية.
في عقد السبعينات من القرن الماضي أعادهم الرئيس الراحل أنور السادات إلى المشهد السياسي العلني في مصر واستقوى بهم على اليسار المصري، بعد أن أقصاهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على مدار عقد ونصف عن هذا المشهد، وضربهم الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى لم يبق لهم أثرا داخل سوريا. النظام المصري أيام السادات شاهد على ان الإخوان كانوا قوة مدللة وموثوقاً بها ساداتيا وغربيا، لكون النظام المصري آنذاك انتقل باصطفافاته إلى المعسكر الغربي، وأصبح ذا رعاية هو وكل من يسانده من القوى السياسية المصرية. ما الذي فعله الإخوان المسلمون حتى يتحولوا إلى بعبع خطير يخيف الحضارة الغربية؟
ما الذي حدث؟ هل استلموا سلطة في المنطقة النفطية، أو المحاذية لإسرائيل؟ لنلاحظ الآن مفارقة أخرى من مصر وسوريا، النظام السوري على علاقة أكثر من جيدة مع كل القوى الإخوانية العربية وغير العربية حتى، وهل هذه علاقة دينية أم سياسية؟ ورغم ذلك ما زال القانون 49 يحكم بالإعدام على كل من يثبت انتسابه لهذا التنظيم سوريا، أما في مصر فهم يمارسون نشاطهم السياسي بشكل علني أوصلهم للبرلمان سابقا بمقاعد لا يستهان بعددها، بينما لا يقيم النظام المصري وزنا ولا علاقة حتى مع أي تنظيم أخواني من دولة أخرى.
في هذه اللوحة نجد أن الإخوان قد لجأوا إلى ما يمكننا تسميته التعامل البراغماتي مع ما يسمى التنظيمات الجهادية والتكفرية التي تمارس العنف، فلم نرَ إدانة أخوانية حقيقية لتفجيرات "القاعدة" مثلا؟ ومع ذلك الإخوان لا يتعاملون مع هذه التنظيمات بصفتها حامية للدين السياسي، أو يمكن أن يقبل الإخوان بإسامة بن لادن قائدا او مرشدا لهم. وهذا التعامل يشبه إلى حد كبير تعامل الاميركيين مع هذه التنظيمات القاعدية إبان الحرب على السوفيات في أفغانستان.
لم أجد تصريحا لرمز أخواني يعتبر فيه أن أسامة بن لادن عالم دين، الإخوان المسلمون في البلدان العربية الآن، يقفون براغماتيا بين الاستفادة بخجل من الارهاب دون التورط فيه، لا بل يصرون على نبذ العنف بكل أشكاله، ماعدا نشاط حركة "حماس"، وبعض أطراف ما يسمى بالمقاومة العراقية وليس كلها، لهذا تجدهم يسارعون إلى إدانة مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد بكل تنظيماتهم تقريبا والاستفادة من التجربة التركية بزعامة حزب العدالة والتنمية، حيث علاقة الإخوان المسلمين العرب تتطور بهذا الحزب وبالمشروع التركي. لكنه تطور لايزال في حيز العلاقة السياسية ولم ينتقل الى حيز الترسيخ الأيديولوجي بعد.
لكن في المحصلة يغلب الآن على فروع الإخوان المسلمين ما يمكننا تسميته بالحالة الانفتاحية على المسألة الديموقراطية، وما تقتضيه. وهذا الانفتاح بالطبع كسياق عام لا يلغي في المقابل التردد لدى بعضهم رغم ما شكلته الحالة التركية من دافع، وهذا ما يخلق أيضا حالة يمكننا تسميتها بالحسابات ذات الطابع السياسي لدى كل فرع من فروعهم على حدة، أكثر من كونهم ملتزمين دينيا- لأنهم لا يجدون مستندا دينيا يجعلهم في عداء مطلق مع الديموقراطية، رغم كل ما نشاهده من قراءات، لا بل العكس هم يعتبرون أن الديموقراطية هي نوع من الشورى التي أقر بها الإسلام السني، أي الموضوع برمته سياسة.
وما يؤكد ما نرمي إليه، أن الفكر الإخواني حتى اللحظة لم ينتج فهما موحدا لنموذج الدولة التي يريدونها، وتجد أنهم ما زالوا يجتهدون كل من موقعه. الإخوان السوريون مثلا في طروحاتهم ليس لديهم مانع من تولي إمرأة رئاسة الدولة أو تولي أي مواطن سوري مهما كان دينه هذا المنصب، بينما لا نجد هذه القضية في الدستور المقترح من قبل إخوان مصر. من جهة أخرى تجد أن السلطات العربية تتعامل معهم كل سلطة وفق ظروفها الداخلية، تارة تحسبهم على الإرهاب وتارة تتعامل معهم كقوة سياسية، وتارة تتركهم تحت التأسيس. علاقة إشكالية محكومة بإشكاليات السلطة في تلك البلدان واستمرارها، وليست محكومة بكون الإخوان تنظيما إرهابيا أو تنظيما سياسيا. الإخوان المسلمون أكثر من يدرك ما قامت به السلطات السياسية في البلدان العربية، من لعب على الورقة الإسلامية، لعب يصل لا بل وصل حد الخطورة أحيانا، لكنها خطورة مضبوطة الإيقاع كما ترى تلك السلطات. لهذا نجد أنه كلما حيّدت هذه السلطات الدين من لعبتها السياسية، كلما كان الإخوان أكثر انفتاحا على العملية السياسية، لكنه ما زالت هنالك بعض السلطات تريد محاربة المجتمع وقواه السياسية باللعب بالورقة الدينية والطائفية، وهذا ما لا يأتي الغرب على سيرته، وإن أتى فإنه يأتيها بخجل خوفا على مصالحه في تلك البلدان.
حتى إسرائيل أتقنت هذه اللعبة، فقد غضت الطرف عن حركة "حماس" منذ نشأتها، معتمدة على أن هذه الحركة سوف تساهم في شق منظمة التحرير الفلسطينية وهذا ما حدث، ولنتذكر انه في الانتفاضة الأولى (1987) لم يكن هنالك دور يذكر لحركة "حماس"، وساندت إسرائيل في هذه اللعبة قوى إقليمية أخرى.
أصلحوا دينهم أم لم يصلحوه، مطلوب من الإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية تبن حقيقي للنظام الديموقراطي، ولدولة القانون والمواطنة وحرية الرأي والمعتقد. بهذا فقط يسحبون ورقة ضغط من السلطات ومن الغرب ويخدمون مجتمعهم، أما الإرهاب فهو ظاهرة لايزال كثير من دول العالم يستفيد منه كظاهرة سياسية عنيفة، ولولا ذلك لما وجد الإرهاب مكانا لحركته.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,213,725

عدد الزوار: 6,940,760

المتواجدون الآن: 115