صفير يؤكد أولوية معركة استكمال الاستقلال

تاريخ الإضافة الإثنين 15 كانون الأول 2008 - 12:59 م    عدد الزيارات 850    التعليقات 0

        

نصير الأسعد

أول من أمس، أطلق البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير واحداً من مواقفه التاريخية المفصليّة، ما يؤشّر إلى إستشعاره عدداً من المفارقات والإشكاليات.. والأخطار.
أطلق البطريرك موقفاً "مثلّث الأضلاع" إذا جاز التعبير. أعلن رفضه "زيارات تأدية الطاعة" إلى سوريا. وأعلن رفضه الدعوات إلى تعديل إتفاق الطائف أو تغييره قبل تطبيقه أولاً. وشدّد على حصول الانتخابات النيابية في موعدها كي يتاح للبنانيين التعبير عن أنفسهم وتشكّلهم السياسي ديموقراطياً.
المشكلة السورية مستمرّة
وعندما يقول سيّد بكركي إنه يعارض "زيارات تأدية الطاعة" إلى سوريا، فإنه لا يكتفي بـ"توصيف" الزيارة التي قام بها الجنرال ميشال عون في الأسبوع الماضي، بل يعيد تسليط الضوء على الأسباب التي تجعل من زيارة كزيارة عون "زيارة لتأدية الطاعة". وواقع الحال أن البطريرك يريد بموقفه ـ مصاغاً بلون من الحدة ـ أن يعيد الاعتبار لحقيقة أن ثمة مشكلة سورية للبنان ومشكلة سورية مع لبنان لا تزال قائمة، وهي أن التدخل السوري في لبنان مستمر، وأن الصفحة السابقة لم تطوَ ومخلّفاتها مستمرة ومتصاعدة، وأن الوعود السورية بـ"التصحيح" لا تنفّذ بل ينفّذ عكسُها تماماً. وفي هذه الحالة، تصبح أي زيارة كزيارة عون، مبنيّة على إدعاء أن "المشكلة السورية" منتهية، "زيارة لتأدية الطاعة". وذلك في وقتٍ رسمت "الدولة" أي مؤسساتها الدستورية خارطة إستعادة العلاقات اللبنانية ـ السورية إلى سياق طبيعي وندّي. وفي وقت لا يخفى على أحد أن النظام السوري يشكّل عاملاً رئيسياً في التخريب على قيام الدولة وعلى العلاقة من دولة إلى دولة بين سوريا ولبنان.
وعندما يقول رأس الكنيسة إن المطلوب تطبيق إتفاق الطائف أولاً قبل الدعوة إلى تعديله، فهو من جهة يكرّر موقفاً سابقاً له في هذا المجال ومن جهة أخرى يعتبر أن الطائف متاحٌ لإعادة النظر فيه بعد التثبّت من إختلالاته في التطبيق، أي أنه يقول إن الطائف لم يطبّق بعد.
الأولوية للإستقلال لا لتعديل الطائف
يعرفُ البطريرك من دون شك أن ثمة خططاً ومشاريع لإسقاط الطائف، وأن صيغاً جرى تداولها خلال السنوات المنصرمة منذ الإنسحاب السوري من شأنها أن "تضرب" موقع المسيحيين ضمن الشراكة الوطنية وأن تقضي على العيش المشترك.. ومِن هذه الصيَغ ما سمّي "المثالثة" المسيحية ـ السنيّة ـ الشيعية بدلاً من المناصفة المسيحية ـ الإسلامية القائمة راهناً.
غير أن أهم ما يعرفُه البطريرك، هو أن الدعوة إلى تعديل الطائف أو تغييره، إنما هدفُها صرف الأنظار عن "المشكلة السورية" لتعيين المشكلة في مكان آخر، وفرضُ أولوية غير أولوية إستكمال الاستقلال وإقامة دولته، وتحديد مسار سياسي مختلف. والحال أن البطريرك صفير يرى أن أي "بحث" في إتفاق الطائف يتطلّب أن يكون لبنان حراً وأن ينبع من مداولات حرة وقناعات وقرارات حرة.
ولذلك كان تشديده على حصول الإنتخابات في موعدها وبأمان. لأنه يرى في الإنتخابات المقبلة إستحقاقاً شعبياً دستورياً في مسار إستكمال الإستقلال اللبناني.
من الواضح أن المقدّمات هدفت إلى "تفسير" موقف البطريرك في الجانب السياسي الداخلي "المباشر" و"الظاهر" لجهة إعلانه أولوية المعركة ضد "المشكلة السورية" محدّدة على النحو المشروح آنفاً.
نظام الأسد يتصرّف علوياً
بيدَ أن لموقف البطريرك، أول من أمس، أبعاداً لبنانية أخرى و"فوق لبنانية" أيضاً.
كان لافتاً جداً خلال زيارة ميشال عون إلى سوريا، أن النظام السوري "نفخ" في "مسيحية" الجنرال وضخّم حجمها التمثيلي، فجرى وصفه في دمشق بأنه "الزعيم المسيحي اللبناني" وبأنه "أكبر زعيم لمسيحيي المشرق". وتضمّن برنامج زيارته كل "الرمزيات" المقصود منها إبراز تعاطي نظام الأسد مع "مقاصد" مسيحية من الزيارة العونية.
..ويوحي بتحالف أقليات
"فجأة" قرر النظام "البعثي" و"القومي العربي" و"العلماني" أن يتعاطى بـ"مقاصد" مسيحية وطائفية. وبذلك يكون نظام الأسد قرر أن ينزع "القناع" عن وجهه، ليتصرف طائفياً أي علوياً. أي أنه "إستخدم" زيارة "عون المسيحي" لحسابات علوية. والمقصود هنا الإعلان ـ ولو بطريقة ملتبسة ـ عن تحالف مسيحي ـ علوي، ماروني ـ علوي... أقلوي "يستكمل" تحالفاً علوياً ـ شيعياً (إيرانياً) وآخر مارونياً ـ شيعياً في لبنان عبر عون و"حزب الله".
صفير والإرشاد الرسولي
لم يقل البطريرك ذلك حرفياً في موقفه أول من أمس. لكنه بالتأكيد لم يكن ليغفل عن هذا الجانب من زيارة عون إلى سوريا و"استخداماتها" سورياً وعونياً. لم يكن ليجهل حقيقة أن ثمة "مشروعاً" يندرج عون ضمنه لإدخال مسيحيي لبنان ـ والموارنة بشكل خاص ـ في تحالفات طائفية ضد طوائف أخرى في لبنان من جهة وفي تحالف أقليات طائفية في المنطقة من جهة أخرى. وبهذا المعنى، فإن رفضه "زيارات تأدية الطاعة" هو رفض لإدخال مسيحيي لبنان في هكذا تحالفات. وهو رفض ليس فقط بإسم الكنيسة المارونية اللبنانية، بل هو رفض بإسم الكرسي الرسولي في الفاتيكان الذي حدد موقع المسيحيين اللبنانيين ودورهم في "الإرشاد الرسولي" قبل أكثر من عقد من الزمن.
وأكثر من ذلك، إن مجيء عون إلى سوريا موالياً للنظام فيها، ومخاطبته المسيحيين السوريين من موقع الولاء للنظام في دمشق وللخيار الإقليمي السوري ـ الإيراني، إنما يعني ـ أي الولاء للنظام وخياراته ـ تعريض المسيحيين السوريين للخطر، ومحاولة لـ"تعميم" الخطر على مسيحيي المنطقة جميعاً.. لأن الخطر على مسيحيي الشرق متأت بشكل رئيسي من سياسات المحور الإيراني ـ السوري.
الكنيسة من بكركي إلى الفاتيكان: الخيار العربي
وليس صدفة أن الخيار المسيحي حدده الفاتيكان والبابا بينيديكتوس، وقد تجلى في إشتراكهما في المبادرة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، والتي تمثلت بمؤتمر حوار الأديان الذي انعقد في نيويورك مؤخراً وأُقرت له ديناميات وآليات. إن الخيار المسيحي هو خيار حوار لا تحالفات أقلوية، هو خيار إعتدال لا إنعزال، هو خيار عربي لا "تمحوري"، وعلى أساس المبادرة العربية للسلام.
وبهذا المعنى، فإن موقف البطريرك هو إحتجاج باسم الكنيسة، من بكركي إلى الفاتيكان، على محاولة تعريض المسيحيين لأخطار تتأتى من خيارات هي غير خياراتهم الأصلية والفعلية.
من هنا، فإن موقف البطريرك صفير أول من أمس، ذو أبعاد لبنانية وطنية إستقلالية وذو أبعاد مسيحية لبنانية ومشرقية في آن. ولذلك هو موقف تاريخي مفصلي يشكل مظلة آمنة للحركة الإستقلالية.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,768,843

عدد الزوار: 6,914,036

المتواجدون الآن: 106