أسئلة موقع ويكيليكس وأهدافه السياسية

تاريخ الإضافة الأحد 12 كانون الأول 2010 - 6:02 ص    عدد الزيارات 528    التعليقات 0

        

أسئلة موقع ويكيليكس وأهدافه السياسية
بقلم سليم نصار

حرص عدد من سفراء لبنان خلال فترة حرب 1975 – 1989 على تقديم تقاريرهم شفهياً لوزير الخارجية او لمساعده ممن حافظوا في حينه على مظاهر الشرعية. لذلك كانوا يقصدون بيروت كل اسبوعين تقريباً من اجل اداء هذا الواجب الديبلوماسي.
والسبب – كما اعلنه احدهم – ان بعض موظفي الخارجية، استغل حال الفلتان والتسيب، لتسريب التقارير المكتوبة الى جهات اجنبية كانت تشتريها منه بالمال. ومن اجل تفادي التورط وكشف اسرار الدولة، آثر بعض الديبلوماسيين اللبنانيين تجشم عناء السفر لتفريغ اسرارهم امام الوزير او مساعده.
وما فعله سفراء لبنان خلال تلك الفترة الحرجة يعتبر تحايلا على ما فعله جوليان اسانج، صاحب الوثائق السرية ومؤسس موقع "ويكيليكس".
وكان من الطبيعي ان تقابل عملية الكشف عن التقارير الديبلوماسية والوثائق السرية الاميركية بكثير من الغضب ودعوات الانتقام بحيث ان مرشحة الحزب الجمهوري للرئاسة سارة بايلين طالبت القوات الخاصة بضرورة مطاردته واغتياله!
واكد مبعوث واشنطن الى افغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك، ان التقارير الديبلوماسية كثيرا ما تتعرض للغربلة والتنقية قبل حفظها في الارشيف الرسمي. وروى كيف ان "اتفاق دايتون" للسلام الذي وقعه مع وزير خارجية المانيا سنة 1996 وولفغانغ ايشنغر، قد حذفت منه كل النصوص المتعلقة بالخلافات. كما حذفت من الوثيقة النهائية ايضا كل مواقف الاستفزاز التي جهر بها زعماء صربيا والبوسنة.
ولكن جوليان اسانج لم يأبه لهذه التفاصيل الرسمية، وقام بعرض "طوفان" من الوثائق السرية عبر موقع "ويكيليكس" الامر الذي شوش على العمل الديبلوماسي وحطم قواعد الاصول المتبعة في النظام العالمي.
وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، هددت بمعاقبة الجندي الاميركي برادلي مايننغ، واتهمته بالخيانة الوطنية. ومثل هذه التهمة – في حال ثبوتها – ستقوده الى السجن مدة 52 سنة لأنه استغل وظيفته الحساسة لتزويد موقع "ويكيليكس" بـ250 ألف وثيقة.
وفي هذا السياق، طرحت الصحافة الاميركية سلسلة تساؤلات تتعلق بالاهداف السياسية التي يتوخاها هذا الجندي من وراء تسريب الوثائق الخطيرة؟ وقارن بعض المحللين دوره المريب بدور الجاسوس جوناثان بولارد الذي اعطى اسرائيل كمية مهمة من وثائق الاستخبارات العسكرية سنة 1996. وقد ادانته وزارة العدل بالعقوبة القصوى متهمة اياه بتعريض الامن القومي لأضرار بالغة.
وقد حاولت اسرائيل ممارسة ضغوط قوية في سبيل اطلاق سراحه، ولكنها باءت بالفشل لأن الاستخبارات الاسرائيلية باعت معلوماته الالكترونية الى الصين. لهذا اعتبر الجرم الذي اقترفه من النوع المتعلق بخدمة العدو.
ولكن المقارنة لا تنطبق على الجندي ماننغ بدليل ان وثائقه انتشرت في كل صحف العالم التي وجدت فيها تشهيراً علنياً بسياسة الولايات المتحدة في العراق واليمن وافغانستان وكل مكان آخر. وهذا ما دفع عددا من المعلقين الى الاستنتاج بأن النزعة الاصلاحية المعارضة هي التي جمعته بجوليان اسانج الذي تعتبره صحف السويد يساريا متطرفا يطمح الى اصلاح العالم من طريق الكشف عن عوراته. وهذا ما دفعهما الى نشر شريط فيديو لقصف جوي اميركي على مدنيين في العراق. والثابت ان هذا الشريط كان محرجاً للبيت الابيض، لأنه في نظر الرئيسين اوباما وبوش عرض حياة الكثيرين للخطر.
جريدة "نيويورك بوست" اتهمت وزير الدفاع روبرت غيتس بالقصور والاهمال لأن الشاب ماننغ كتب عبر موقعه على الانترنت عن مدى كراهيته للعسكر ولخدمة الجيش. وقد اطل مرات عدة على صفحة "فايس بوك" ليعبر عن استيائه من المؤسسة الحربية ومتفرعاتها.
ولدى استرجاع نصوص تلك الكتابات، تبين للبنتاغون ان ماننغ اصيب بانهيار عصبي خلال شهر ايار الماضي بسبب خلافه مع "صديقه". وهكذا ظهرت شائعة شذوذه الجنسي، خصوصا في وقت كان الكونغرس يبحث موضوع المثليين في الجيش. تماما مثلما اتهمت حكومة السويد شريكه اسانج بمحاولة اغتصاب مساعدته. ويقول محاميه مارك ستيفنز، ان مذكرة الاعتقال صدرت عقب نشر 250 الف وثيقة ديبلوماسية اميركية سرية. وفي تصوره ان المزاعم الجنسية الملفقة ليست اكثر من عملية ابتزاز وتخويف بهدف منع اسانج من استئناف نشر الوثائق.
اتهم حسين جليك، نائب رئيس وزراء تركيا، اسرائيل بالوقوف وراء تسريب آلاف الوثائق الاميركية. والدليل في نظره ان الدولة العبرية لم تتأثر من عملية النشر. في حين دافع جوليان اسانج عن موقفه بالقول: "ان نتنياهو حث قادة العالم على ضرورة ابقاء التوازن بين ما يقولونه في العلن وما يتحدثون به في السر". واستغل مؤسس موقع "ويكيليكس" تصريح نتنياهو ليؤكد ان الوثائق ستساعد على دفع عملية السلام في الشرق الاوسط.
كيف؟ دوري غولد، ممثل اسرائيل في الأمم المتحدة سابقا، شرح هذا الموضوع بالتفصيل، مؤكدا ان الوثائق المسربة خدمت نظرية نتنياهو التي رجحت على نظرية اوباما. وروى ان اللقاء الاول الذي تم بين الرئيس الاميركي أوباما ورئيس وزراء اسرائيل نتنياهو، شهد خلافاً في الرأي حول أولويات السياسة الخارجية الاميركية في الشرق الاوسط. وقد أصر أوباما على ضرورة تجميد البناء في المستوطنات لأن هذا العمل من قبل اسرائيل سيساعده على اتخاذ خط أكثر حزماً ضد ايران بحجة منع أحمدي نجاد من استخدام الورقة الفلسطينية.
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بنيامين نتنياهو مطلع هذا الشهر، سخّر وثائق ويكيليكس لدعم طروحاته السياسية، واعتمد على البرقيات السرية التي نقلت غضب بعض الدول العربية من مشروع القنبلة النووية الايرانية، ليجدد رفضه حل القضية الفلسطينية باعتبارها تمثل مصدر المشاكل في المنطقة. واعترض على سياسة أوباما التي تقول ان الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني يمثل أكبر خطر على مستقبل الشرق الاوسط.
وعلى الفور فتحت أبواق الصحف الاسرائيلية وسط حملة غير مسبوقة لتبني وجهة نظر نتنياهو المطالب بدعم برنامج "ويكيليكس" وكل ما ذكره من تجاهل القادة العرب للقضية الفلسطينية. وكانت صحيفة "هآرتس" في طليعة الصحف المؤيدة لهذا الطرح. وكتبت في افتتاحيتها تقول: "بعد أن فتح جوليان اسانج عيوننا على البريد الاميركي السري، انتفى كل احتمال لاستئناف المسيرة السياسية، وتوقيع اتفاق سلام اسرائيلي - فلسطيني، والسبب ان أبو مازن يعيش تحت ظل أحمدي نجاد وسيفه المصلت من طهران. ان ايران نووية ستدفن نهائياً فرص المصالحة بين العرب واسرائيل".
الصحافة العربية في غالبيتها، انتقدت منطق اسرائيل لأن المخاوف من ايران نووية لا تلغي مخاوف الدول العربية من الاحتلال الاسرائيلي واستئناف بناء المستوطنات بقوة السلاح. علماً بأن الاعتراض العربي على القنبلة الذرية الايرانية ناتج عن مخاطر التداعيات التي تحول المنطقة ترسانة نووية، الامر الذي يضطر مصر والسعودية ودولة الامارات وسواها الى الدخول في مرحلة السباق النووي.
اضافة الى هذا المعطى، فإن اسرائيل تعتبر في نظر جميع الدول العربية - بما فيها الموقعة على السلام مثل مصر والاردن - دولة عدوة مغتصبة للحقوق وللارض وللسكان الاصليين. في حين تعتبر ايران دولة صديقة عقدت تحالفات عدة مع بعض الدول العربية. ومعنى هذا ان طموحها السياسي والنووي يشكل قلقاً في المنطقة، بينما تستدعي طموحات اسرائيل المتنامية خللاً نهائياً لمشروع انشاء دولة فلسطينية مستقلة.
بقي سؤال آخر يتعلق بتوقيت صدور وثائق "ويكيليكس" وتزامن صدورها مع فشل المحادثات بين السلطات الفلسطينية واسرائيل. هل هذا التوقيت يمثل صدفة بحتة، ام ان "فئران" الايباك في البنتاغون" هم الذين انقذوا نتنياهو من خلاف آخر مع أوباما.
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة كتبها تشاس فريمان، مساعد وزير الدفاع الاميركي السابق، يصف فيها جوليان اسانج بأنه نسخة جديدة عن الفوضويين الذين أفرزهم القرن الماضي. ذلك انهم كانوا يطمحون الى زعزعة النظام العالمي، كما يتوخى مؤسس موقع ويكيليكس.
في حديثه الى مجلة "تايم" الاميركية، دافع اسانج عن موقعه بالقول: عندما تُعرف الحقائق نستطيع أن نجعل الحكام أكثر شفافية وصدقاً. وبهذا نضعهم أمام خيارين: هل يريدون أن يكونوا صادقين ونزيهين ويعلنوا لشعوبهم حقيقة أعمالهم؟ أم يريدون العيش دائماً في الظلام والسرية؟
يقول المؤرخون ان سياسة الانفتاح والحرية التي اعتمدها غورباتشيوف هي التي فككت الاتحاد السوفياتي، لأنها كشفت عن قصور النظام في التعاطي مع انفجار مفاعل تشيرنوبيل، ومع الازمة الاقتصادية الخانقة. من هنا مقارنتها بسلاح حرية الصحافة الذي استخدمه جوليان اسانج لانتقاد النظام، خصوصاً ان الدستور الاميركي يحظر على الكونغرس القيام بأي تعديل يمس حرية الصحافة، ومن طريق هذه الحرية يقوم موقع ويكيليكس بتوزيع المعلومات المسروقة والوثائق السرية المسربة!
 


(كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن)   

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,234,879

عدد الزوار: 6,941,557

المتواجدون الآن: 123