أهداف التفاهم السعودي - السوري وحدوده

تاريخ الإضافة السبت 4 كانون الأول 2010 - 6:15 ص    عدد الزيارات 551    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
أهداف التفاهم السعودي - السوري وحدوده
حقائق موقف الرياض من المحكمة والقرار الظني

"التفاهم بين السعودية وسوريا لم يتحول اتفاقاً حقيقياً ومفصلاً لمعالجة الأزمة الكبرى التي يواجهها لبنان على خلفية المحكمة الخاصة والقرار الظني المتوقع صدروه قريباً والمتعلق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبجرائم سياسية أخرى مرتبطة بها، وذلك نتيجة أربعة عوامل أساسية هي الآتية:
أولاً - ان موقف السعودية من المحكمة وقراراتها مختلف الى حد كبير عن موقف سوريا وحلفائها منها، مما حال دون التوصل الى تفاهم جدي على هذه القضية.
ثانياً - ان البلدين أساساً غير قادرين على التدخل في عمل المحكمة أو التأثير عليها وعلى القرار الظني، مما يعطل امكان التوصل الى حل وسط لمعالجة هذه القضية بطريقة ترضي جميع الأفرقاء المعنيين بها.
ثالثاً - لم يتم الاتفاق بين السعودية وسوريا على مشروع مشترك لتسوية المشاكل الأساسية العالقة في الساحة اللبنانية، لأن التحالف السوري - الايراني لا يزال بالنسبة الى نظام الرئيس بشار الأسد أقوى من التفاهم السعودي - السوري.
رابعاً - ان استراتيجية سوريا وخططها في لبنان مختلفة في جوانب أساسية عن استراتيجية السعودية وسياساتها ومواقفها اللبنانية، وان يكن البَلَدان متفقَيْن رسمياً وعلناً على ضرورة التعاون معاً لمحاولة الحفاظ على التهدئة الأمنية ولتشجيع الأفرقاء اللبنانيين على معالجة خلافاتهم بالوسائل السلمية".
هذا ما أدلت به مصادر ديبلوماسية أوروبية وعربية في باريس وثيقة الاطلاع على تطور العلاقات السعودية - اللبنانية – السورية. وأوضحت أن ثمة قراءات وتحليلات خاطئة أو غير دقيقة لمضمون التفاهم السعودي - السوري ولأبعاده وأهدافه ناتجة من تجاهل الحقائق الأساسية المتعلقة بهذا التفاهم.
فالحقيقة الأساسية الأولى هي أن البلدين حريصان منذ المصالحة بينهما العام الماضي على مواصلة تعاونهما، هما لكن السعودية لم تعقد تحالفاً حصرياً مع سوريا لمعالجة مشاكل لبنان وادارة شؤونه، بل انها في تعاملها مع مسار الأوضاع اللبنانية تحرص على التشاور والتنسيق مع نظام الأسد وعلى التعاون معه عند الضرورة، كما تحرص على التشاور والتنسيق مع دول بارزة ومؤثرة أخرى، كالولايات المتحدة وفرنسا ومصر، ومع جهات اقليمية ودولية معنية بالأمر. واذا كان التعاون السعودي - السوري ضروريا للحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي وعلى صيغة المشاركة الوطنية في الحكم بين الأفرقاء اللبنانيين ولمنع حلفاء دمشق من استخدام السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي، فان التشاور والتنسيق والتعاون بين السعودية ودول عربية وأجنبية واقليمية معنية بالأمر مسألة ضرورية وحيوية لتأمين الدعم الواسع للبنان، المستقل السيد ولتعزيز قدرات الدولة ومؤسساتها الشرعية ولاحباط أي محاولات خارجية لزعزعة استقرار البلد وتهديد مصيره. وتدرك السعودية أهمية تأمين الدعم الدولي الواسع للبنان، لأن هذا البلد جزء أساسي من نزاعين كبيرين هما النزاع العربي – الاسرائيلي والنزاع الايراني – الدولي، ولأنه ليس قادراً على مواجهة هذين النزاعين بامكاناته الذاتية. وفي الوقت عينه، لم تعقد سوريا تحالفاً حصرياً مع السعودية في شأن لبنان وقضايا المنطقة، لأن مصالح البلدين وأهدافهما ليست متطابقة كلياً، ذلك ان نظام الأسد يحرص على التشاور مع المسؤولين السعوديين، لكنه يتمسك أيضاً بتحالفه القوي مع ايران وبتعاونه الوثيق معها، وخصوصاً في الساحة اللبنانية. وأهداف السعودية متناقضة الى حد كبير مع أهداف ايران وخططها في لبنان والمنطقة عموماً.

 

مواقف سعودية وسورية متباينة

الحقيقة الأساسية الثانية ان التفاهم بين السعودية وسوريا لم يؤد الى اتفاق كامل في شأن لبنان نظرا الى وجود فوارق أو اختلافات في مواقف البلدين أبرزها الآتية:
أولاً - تدعم السعودية تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا وتطويرها على أساس الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة وسياسة حسن الجوار بعيداً من منطق الهيمنة والاملاءات وعلى أساس انهما دولتان مستقلتان. والسعودية لم تشجع رئيس الحكومة سعد الحريري والاستقلاليين على فتح صفحة جديدة وجيدة مع نظام الأسد من أجل تقليص دورهم ونفوذهم السياسي لمصلحة حلفاء دمشق أو من أجل اضعاف لبنان، بل من أجل تعزيز المصالح الحيوية المشروعة للبلدين وللشعبين معاً. في المقابل، تعامل نظام الأسد مع انفتاح الحريري والاستقلاليين عليه على أساس انه يشكل خطوة أساسية أولى نحو اعادة ربط لبنان وسوريا تدريجاً وفي مجالات حيوية عدة، كما كان الحال في مرحلة ما قبل الانسحاب السوري، وعلى أساس ان ذلك يُضعف مواقع الاستقلاليين ويعزز نفوذ حلفاء دمشق.
ثانياً - تريد السعودية أن تؤدي صيغة المشاركة في الحكم بين الأفرقاء اللبنانيين الى تعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ودور الدولة ومؤسساتها الشرعية وتثبيت مبدأ معالجة الخلافات والمشاكل من طريق الحوار والحرص على التفاهم. في المقابل، يرغب نظام الأسد في أن تمنح صيغة المشاركة هذه حلفاءه القدرة على فرض مطالبهم وتوجهاتهم بوسائل الضغط المختلفة ومن دون الاضطرار الى استخدام السلاح، تعويضاً لفشلهم في الحصول على الغالبية النيابية والشعبية في انتخابات حزيران 2009، ولو أدى ذلك الى شل عمل حكومة الوحدة الوطنية كما يحدث حالياً.
ثالثاً - السعودية ليست راغبة في أن يبقى لبنان ساحة المواجهة العربية الوحيدة المفتوحة مع اسرائيل بينما يستطيع هذا البلد أن يستعيد ما تبقى من أرضه المحتلة وحقوقه المغتصبة بالوسائل الديبلوماسية السلمية وبالاعتماد على دول بارزة ومؤثرة تماماً كما تفعل سوريا منذ العام 1974 لمحاولة استعادة الجولان المحتل من دون اللجوء الى الحرب أو المقاومة المسلحة. كما أن بقاء لبنان في حال مواجهة يضعف قدراته على الحفاظ على أمنه واستقراره وعلى معالجة المشاكل الحيوية للبنانيين ويمنع تطويره ويخدم مصالح جهات اقليمية ويهدد بتفجير حرب لبنانية - اسرائيلية تتحول بسرعة حرباً اقليمية. وفي المقابل، ان المطلب الأساسي للنظامين السوري والايراني هو ابقاء لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل لتعزيز مواقفهما التفاوضية مع الدول الكبرى وذلك من خلال تمسكهما بأن يحتفظ "حزب الله" بسلاحه من دون التشاور والتفاهم سلفا مع السلطة الشرعية.
رابعاً - تريد السعودية ابقاء لبنان جزءاً من المجموعة العربية ومن استراتيجية السلام العربية، وتعارض ضم هذا البلد الى المحور السوري – الايراني ادراكاً منها ان ذلك يلحق به الأضرار ويضعفه داخلياً وعربياً ودولياً. وفي المقابل، يريد نظام الأسد أن يكون لبنان جزءاً من الاستراتيجية الاقليمية لسوريا المدعومة ايرانياً بحيث تتلازم وتتطابق المواقف اللبنانية والسورية في التعامل مع القضايا الاقليمية ومع الدول البارزة، مما يتطلب أن يمتنع الحكم اللبناني عن اتخاذ أي قرار داخلي أو اقليمي أو دولي مهم من دون التفاهم سلفا عليه مع القيادة السورية، كما كان يحدث قبل الانسحاب السوري من لبنان.

 

السعودية والمحكمة

الحقيقة الأساسية الثالثة هي أن الموقفين السعودي والسوري من المحكمة الخاصة وقراراتها متباعدان الى حد كبير. فالنظام السوري يريد، فعلاً، مع حلفائه وقف عمل المحكمة ومنع صدور القرار الظني، وهو قام بمساع عدة لتحقيق هذا الهدف ولكن من دون جدوى. وبعد فشل هذه المساعي حدث تطور علني في الموقف السوري، اذ أبدى الأسد استعداداً ضمنياً للتعامل مع قرار اتهامي يصدره المدعي العام الدولي دانيال بلمار ويتضمن أدلة صلبة، اذ قال في مقابلته مع "الحياة" الصادرة يوم 26 تشرين الأول الماضي: "ان القرار الظني يصدر في جريمة عادية. لماذا يريدون قراراً ظنياً، لماذا لا يكون قراراً اتهامياً نهائياً ومثبتاً؟ هذه هي وجهة نظرنا. لنتعامل مع الأدلة. الضمانة لعدم تسييس المحكمة وعدم الحاق الضرر بلبنان هي أن تكون هناك أدلة". وبعد أيام من نشر هذه المقابلة دعا وزير الخارجية السوري وليد المعلم أيضاً الى صدور قرار اتهامي مبني على أدلة صلبة. وفي رأي ديبلوماسي أوروبي مطلع "ان ما قاله الأسد والمعلم يعكس موقف الدولة السورية الحريصة على علاقاتها العربية والدولية، لكن هذا الموقف ليس مطابقاً لوجهة نظر حلفاء دمشق، الرافضين سلفا لأي قرار ظني أو اتهامي وأياً يكن مضمونه. والنظام السوري يدعم حلفاءه ولن يتخلى عنهم بقطع النظر عن موقفه الرسمي العلني".
أما موقف السعودية من المحكمة وقراراتها، فيتلخص، استنادا الى مصادر ديبلوماسية أوروبية وعربية وثيقة الاطلاع، في النقاط والأمور الأساسية الآتية:
أولا - السعودية تدعم منذ البداية عمل المحكمة وتساهم في تمويلها، وهي ترفض التخلي عنها وعقد صفقة حولها مع أي دولة أو جهة، لأنها ترفض اعطاء شرعية للاغتيالات السياسية وتريد تحقيق العدالة ولأنها تدرك تماماً أن المحكمة مؤسسة قانونية دولية مستقلة منبثقة من الشرعية الدولية ومرتبطة بمجلس الأمن وتتمتع بحمايته ودعمه ومساندة دول بارزة ومؤثرة عدة. والسعودية ليست راغبة في الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن والمجتمع الدولي من أجل الاستجابة لارادة فريق متضرر أو متخوف من القرار الظني، كما إن مجلس الأمن لن يتخلى عن المحكمة لأن فريقاً لبنانياً يطالب بذلك أو لأن هذه الدولة أو تلك تشعر بالقلق أو الخوف من مسار العملية القضائية الدولية.
ثانياً - ترى السعودية والدول الداعمة للمحكمة أن التدخل في عملها لمنع اصدار القرار الظني أو لتغيير مضمون هذا القرار لمصلحة فريق معين أو ضد مصلحة فريق هو "التسييس" في عينه، وهو ما يسيء الى العدالة، كما ترى ان اصدار قرار ظني استناداً الى معلومات خاطئة أو شهادات مضللة أو الى تحليلات ومعطيات سياسية من دون أدلة حقيقية هو أيضاً نوع من "التسييس" ليس ممكناً قبوله. وترى السعودية أيضاً ان من الخطأ اتخاذ موقف سلبي أو ايجابي من القرار الظني قبل صدوره، اذ ان هذا القرار يسقط تلقائياً اذا اتهم أشخاصاً بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه من دون امتلاك أدلة أو قرائن مقنعة ومقبولة قانونياً. أما اذا استند القرار الظني في مضمونه الى أدلة وقرائن صلبة وقوية وقاطعة واتهم على أساسها أشخاصاً بالتورط في هذه الجريمة فيجب التعامل حينذاك مع هذا القرار بواقعية وحكمة، حرصاً على مصلحة لبنان واللبنانيين وعلى العدالة، والرد عليه بالوسائل القانونية الشرعية وليس باستخدام العنف والسلاح أو العمل على شلّ البلد.
ثالثاً - ترفض السعودية التهديد بالحرب الداخلية وبتفجير الأوضاع في لبنان لمنع تحقيق العدالة كما ترفض دعم معادلة تقوم على أساس أن ثمن الاستقرار هو التخلي عن المحكمة. وترى السعودية مع سائر الدول الحريصة على مصير لبنان أن الرضوخ للتهديدات لن يؤمن استقراراً حقيقياً قابلاً للاستمرار، بل يؤمن استقراراً هشاً وموقتاً ويعزز منطق المتشددين ويسمح بالافلات من المحاسبة والعقاب وبمواصلة نهج الاغتيالات. وتريد السعودية مع الدول المعنية بمصير لبنان أن يكون منطق الدولة أقوى من منطق المسلحين وأن تكون الدولة ومؤسساتها الشرعية هي صاحبة السلطة الحقيقية عوض أن تكون السلطة في قبضة تنظيمات مسلحة، ذلك ان ما يهدد أمن البلد واستقراره ومصيره هو استخدام السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي وليس عمل المحكمة.
رابعاً - ترى السعودية أن لا مصلحة للبنان في أن يكون في حال مواجهة مع المجتمع الدولي ومع مجلس الأمن بسبب المحكمة، التي أنشئت أساساً، وبعد تشكيل لجنة تحقيق دولية، استجابة لطلب اللبنانيين أو الغالبية الكبرى منهم ومن أجل تأمين الحماية لهم. بل ان مصلحة لبنان الحيوية تتطلب من حكامه وقادته أن يحرصوا على مواصلة تقوية علاقاته مع المجتمع الدولي والدول البارزة والمؤثرة، لأن ذلك يعزز موقفه في التعامل مع اسرائيل وأخطارها ويؤمن الدعم والحماية لاستقلاله وسيادته.
خامساً - تحرص السعودية على اقامة علاقات جيدة مع جميع الأفرقاء اللبنانيين لكنها ترفض في الوقت عينه الحاق الهزيمة السياسية بفريق يمثل الغالبية من اللبنانيين ويتمسك بتحقيق العدالة وتقديم الدعم في المقابل لفريق آخر يمتلك السلاح ويهدد بتفجير الأوضاع اذا وجه المدعي العام الدولي الاتهام الى أشخاص مرتبطين به بالتورط في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه، وذلك من أجل كسب رضا هذا الفريق وتهدئة الأوضاع الأمنية في البلد. فالتخلي عن المتمسكين بالعدالة يهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية ويضعف سلطة القانون ودور الدولة ومؤسساتها ويعرّض لبنان لأخطار جدية داخلية وخارجية، وهو ما لن تفعله السعودية وسائر الدول الحريصة على مصير هذا البلد.
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,625,618

عدد الزوار: 6,904,608

المتواجدون الآن: 88