مسارات توظيف قضية اللاجئين: التمييز بين القضية وأصحابها

تاريخ الإضافة الخميس 11 كانون الأول 2008 - 9:42 م    عدد الزيارات 868    التعليقات 0

        

ماجد كيالي  

ظلت قضية فلسطين (الأرض) حاضرة في الشعارات والخطابات السائدة، حسب التوظيفات» السياسية المطلوبة، في حين غابت قضية شعبها، أو غيّبت، بحكم الثقافة السياسية السائدة (حيث يجري تغييب المجتمعات والأفراد لصالح السلطات والأيدلوجيات والرموز والهويات الشمولية)، وأيضا بحكم تمزّق النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وانهيار تعبيراته وتمثلاته الوطنية، بفعل النكبة.

ولعل هذا يفسّر غياب قضية اللاجئين، في تلك الفترة، حتى أن النظام الرسمي العربي (وقتها) رفض وضع هذه القضية في عهدة المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وتم تشكيل هيئة خاصة، مهمتها غوث وتشغيل اللاجئين فقط، دون أن حمل مدلولات سياسية (تتعلق بحق العودة)، ودون تحميل الدول العربية المستقبلة للاجئين تبعات أو استحقاقات بشأن حقوق اللاجئين كمجموعة بشرية، تنطبق عليهم الحقوق الأساسية للإنسان، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي اقرّها المجتمع الدولي. وبشكل مختصر فقد تم التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، كمجموعة وكأفراد، في كثير من الأحوال، في إطار من الرؤى أو التوظيفات السياسية، كما تم التعامل معهم كقضية أمنية.

من ذلك يصحّ الاستنتاج بأن الهوية الوطنية الفلسطينية تبلورت ليس كرد على واقع النكبة والاقتلاع من الأرض، فقط، أي في مواجهة إسرائيل، وإنما أيضا كانعكاس لتكرّس واقع التشرد والحرمان من الهوية والحقوق في أماكن اللجوء؛ وقد لعب المخيم، الذي هو بمثابة معزل، بكل ما اكتنفت به حياة اللاجئين من معاناة ومرارة دورا كبيرا في بلورة تلك الهوية.

اللافت أن مرحلة صعود الحركة الفلسطينية لم تشهد رفع شعار العودة، ففي تلك الفترة تماهى هذا الشعار مع هدف التحرير، وبدا كتحصيل لعملية التحرير المفترضة. الأنكى أن قيادة منظمة التحرير (وفصائل المقاومة)، لم تفعل شيئا للتمييز بين الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وبين الحقوق المدنية والفردية للاجئين في أماكن اللجوء، في وقت بلغت فيه من المكانة في الوضع العربي (وضمنه لبنان) ما يمكّنها من ذلك، لتحسين أوضاع اللاجئين وتخفيف معاناتهم.

ولاشك أن قيادة المنظمة تتحمل مسؤولية كبيرة (كشأن النظام العربي)، عن هذا التقصير، بل إن هذه القيادة لم تقدم شيئا على صعيد استنهاض مجتمعات اللجوء والشتات، برغم إمكانياتها (آنذاك)، على صعيد تبني مطالباتهم الحقوقية، وعلى صعيد تطوير إطارات تمثيلهم، وأشكال مشاركتهم في حركتهم الوطنية. والثابت أن هذه القيادة تعاملت مع هذه المجتمعات بطريقة استخدامية، ومزاجية.

بعد اتفاق أوسلو (1993) بدا أن قيادة المنظمة حصرت قضية فلسطين بمجرد إقامة دولة في الضفة والقطاع، ما أدى إلى اضطراب النظام السياسي، وتشوّش الثقافة السياسية، وتولّد خيبة أمل في تجمعات اللاجئين؛خصوصا أن ذلك تساوق مع تحوّل ثقل الحركة الوطنية إلى الداخل، وتهمّش منظمة التحرير، التي كانت بمثابة كيان سياسي للفلسطينيين، ورمزا لهويتهم وكفاحهم، لحساب السلطة. وبغضّ النظر عما تريده، أو تستطيعه، تلك القيادة فالواضح أن موازين القوى والمعطيات العربية والدولية (المواتية لإسرائيل) ما كانت تجلب الدولة والعودة معا. وأن التفاوض في هذه الظروف لن يفضي إلى تجسيد حق العودة.

النتيجة ان تلك المرحلة شهدت بروز شعار «حق العودة» للاجئين، كنتيجة للانقسام السياسي، من حول مشروع التسوية، وكنتيجة لصعود قوى أخرى (أهمها «حماس»)، في الصراع على مكانة القيادة في الساحة الفلسطينية؛ وأيضا، كنتيجة للتضاربات والتوظيفات والمداخلات السياسية الإقليمية.

اللافت أن قوى المعارضة كانت، في البداية، تقلّل من شأن «حقّ العودة» لخضوعه لمنطوق القرار 194، القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل، ولكنها عادت وتلقفته، بعد أن اكتشفت أنه يخدم أجندتها في الصراع الداخلي، ولجهة كشف وإحراج قيادة المنظمة والسلطة وفتح، لكن من دون أن تفسّر كيفية قبولها بهذا الحق، الذي يرتبط بالاعتراف بوجود إسرائيل كدولة (!) الأمر الذي يثير التساؤلات (أو الشبهات) حول حقيقة وأغراض تبنيها له.

ولعل هذا يفسّر كيف أن قضية اللاجئين، وضمنها قضية حق العودة، ورفض التوطين، عادت إلى الصدارة على صعيد الخطاب السياسي، فقط، أما في الممارسة العملية فإن هذه المعارضة لم تفعل شيئا، بدورها، على صعيد تحسين أوضاع اللاجئين، وتبني المطالب بشأن تمكينهم من الحقوق الأساسية، كما ولا على صعيد بلورة أطرهم التمثيلية، وشكل مشاركتهم في العملية الوطنية.

الآن، وطالما أن معطيات وممكنات التحرير غير متوفّرة في الأفق المنظور، فثمة عديد من المشكلات والتعقيدات والمداخلات، إضافة إلى قضايا العودة والحقوق والتمثيل، يمكن طرحها، على الجميع ولاسيما على المعارضة.

مثلا، ثمة أكثرية من اللاجئين باتوا مواطنين في الأردن، فكيف يتم حجب هذه الواقعة؟ وكيف يتساوق ذلك مع دعوات رفض التوطين؟ ثم ما هو البديل العملي المطروح في المدى المنظور؟ أيضا، إذا كانت قضية فلسطين قومية، بمعنى يتساوى فيها «الشامي مع المغربي»، فلماذا يجب تمييز شعبها وإبقائهم في مكانة اللاجئ منتقص الحقوق؟ ثم ألا يعتبر التمييز ضد اللاجئين، بدعوى مناهضة التوطين، دفعا لهم للهجرة، في حين أن تحسين أوضاعهم ومنحهم حقوقهم يسهل استنهاض قدراتهم من اجل حقوقهم (وضمنها حق العودة)؟

أخيرا أي السبل أجدى لدعم قضية اللاجئين، عقد المؤتمرات والمهرجانات، والخطابات الحماسية، أم حشد الجهود والإمكانيات لمعالجة مشكلاتهم وتخفيف معاناتهم؟ مثلا، ما الذي تم فعله لإسكان لاجئي مخيم نهر البارد، الذين انقضى عليهم عامان في العراء؟ وما الذي تم فعله من أجل معالجة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، بالكلام مع الميليشيات التي تدفعهم للهجرة، أو مع إيران كي تضغط على حلفائها في العراق؟ ثم ماذا فعلنا حتى لا يذهب اللاجئون، من الحدود مع العراق إلى الهند وتشيلي وأيسلندا؟ فهل ستبقى القضية إذا ذهب أصحابها؟

* كاتب فلسطيني.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,164,338

عدد الزوار: 6,937,705

المتواجدون الآن: 115